أبحرت حاملة الطائرات الأميركية (يو اس اس ثيودر روزفلت) من الخليج العربي إلى المحيط الهادئ لترسو في بحر الصين الجنوبي، وبالتالي أصبح الخليج ولأول مرة منذ سنوات خالياً من أي حاملة للطائرات. لقد قررت واشنطن أن أولوياتها العسكرية تحل حيث توجد مصالحها الاستراتيجية، وهي تدرك اليوم أن الخطر الذي يهدد أمبراطوريتها قادم من الصين وليس من مكان آخر. يكشف لنا هذا التحرك جزءاً بسيطاً من التبدُّل الحاصل في أجندة واشنطن تجاه الخليج والمنطقة، والضرورات العسكرية التي يراها البيت الأبيض والبنتاغون أنها أكثر إلحاحاً حيث المحيط الهادئ، لذا كان عليها أن تنشر مزيداً من القطع البحرية في وقت لاحق العام المقبل في إطار استراتيجيتها الجديدة. ولعل الصيغ السياسية التي توصلت إليها إدارة الرئيس أوباما هذا العام -ونعني هنا الاتفاق النووي الإيراني على وجه التحديد- ربما كان أحد أسباب إصرار واشنطن على توقيعه وإمضائه هو خطة التقليص العسكري في الخليج العربي، إذ وعلى المدى الاستراتيجي ستحكم هذه الاتفاقية وتحد من سلوك إيران العنيف، وتمنعها من الوصول بسهولة إلى سلاح ذري -حسب التصور الأوبامي- كما أن حرص البيت الأبيض على استخدام قاعدة «انجرليك» التركية هو جزء أيضاً من نية واشنطن تخفيف التزامها العسكري في الخليج، لكن الولايات المتحدة اليوم لا ترى غضاضة من مغادرة (روزفلت) وألا تنتظر حتى تأتي حاملة الطائرات البديلة (ترومان) التي يفترض أن تصل بعد شهر من الآن تقريباً. هل يعني ذلك أن الولايات المتحدة مطمئنة لمسألة الأمن في الخليج؟ لا يبدو ذلك في الواقع. فعلى الرغم من أن واشنطن حاولت تبديد قلق حلفائها من خلال إيجاد صيغ سياسية وتفاهمات عسكرية تعطي «دول التعاون» أفضلية واطمئناناً وتفوقاً مرحلياً يمكنها في المدى القريب من صد أي هجمات إيرانية ربما تحدث بسبب تطورات الوضع الأمني في المنطقة كما حدث في «كامب ديفيد»، إلا أن إعلان باريس إرسال حاملة الطائرات الفرنسية «شارل ديغول» يعطي إشارة بوجود تفاهمات «خليجية - أميركية - أوروبية» في إطار الأمن الإقليمي خصوصاً مع التدخل الروسي المفاجئ في المنطقة. المقاربة الجديدة لواشنطن بتخفيف التزامها العسكري تستفيد منها دول أخرى، إذ يشهد الخليج العربي عودة مرتقبة لبريطانيا التي ستنشئ قاعدة بحرية دائمة في البحرين، بعد غياب امتد قرابة 45 عاماً، وهذا يأتي ضمن استراتيجية بريطانية عسكرية لضمان التواجد في منطقة شرق السويس، وكذلك تعزيز دورها في السياسة الدولية بعد أن خبت إبان صعود القوة الأميركية بعد الحرب العالمية الثانية، ومن شأن هذه الخطوة إثارة القلق الإيراني من التزام الغرب بأمن الخليج العربي الذي تتدفق منه إمدادات الطاقة نحو آسيا وأوروبا. إن خروج حاملة الطائرات الأميركية «روزفلت» يعني بشكل أو بآخر دخول استراتيجية «المحور الآسيوي» الأميركية حيز التنفيذ، بانتظار تأثير تلك المقاربة الأميركية على الأمن في الباسفيك - المحيط الهادئ.
مشاركة :