قال موقع «مودرن دبلوماسي» إن الجغرافيا حولت دول البلقان إلى ساحة معركة شرسة بين الدول القوية.وبحسب مقال لـ «جيانكارلو إيليا فالوري»، لقد أثبتت منطقة البلقان، التي تقع على مفترق الطرق والحضارات، وجودها عبر التاريخ كـ «برميل بارود لأوروبا».وتابع الكاتب: إن التناقضات الدينية والعرقية، والموقع الجغرافي الملائم، فضلاً عن رغبة الدول الأقوى في تقليص المنطقة لصالحها والعديد من العوامل الأخرى، حولت البلقان مرارا وتكرارا إلى ساحة معارك شرسة.ومضى يقول: بعد أن تدمرت يوغوسلافيا في التسعينيات على خلفية انهيار الاشتراكية الحقيقية في أوروبا، بدأ الغرب في فرض ما يسمى الدافع الأوروبي وناقل التنمية على دول البلقان.وأشار إلى أن الغرب في الآونة الأخيرة كثف بشكل كبير إجراءاته في هذا الاتجاه.استراتيجية جديدةوأضاف: في بداية فبراير 2018، حددت المفوضية الأوروبية استراتيجية جديدة لإدراج سريع لـ 6 دول من البلقان في الاتحاد الأوروبي: ألبانيا والبوسنة والهرسك ومقدونيا وصربيا والجبل الأسود وكوسوفو.وتساءل: كيف نفسر رغبة الاتحاد الأوروبي في ضم دول البلقان بسرعة إلى صفوفه؟ولفت إلى أن عوامل عدة تلعب دورا في هذا الصدد، أولها رغبة قادة الاتحاد الأوروبي في إظهار أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لم يقوض مواقف الوحدة وأن الاتحاد الأوروبي لا يعيش فحسب، بل يتوسع أيضا.وتابع: بالنظر إلى أن الحركة باتجاه الشرق مقيدة ومحدودة من قبل روسيا، تم توجيه ناقل توسع الاتحاد الأوروبي إلى الجنوب الشرقي.وأوضح أن عامل البعبع الروسي، سواء كان شيوعيا أم لا، نجح بشكل جيد أيضا في هذه الحالة.حلف الناتوونبه إلى أن العامل الدافع الآخر كان التكامل الوثيق بين الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلنطي (الناتو).وأردف: وفقًا للمخطط الذي تم وضعه بالفعل، يتم أولاً قبول الأعضاء الجدد في الناتو، وبعد ذلك وبمجرد خضوعهم لسلسلة من الإجراءات وتنفيذ إصلاحات مهمة في السياسة الداخلية، والتي تحرم الدول فعليا من سيادتها الوطنية، يتم دعوتهم للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، على الرغم من أنه في المجر وبولندا، الديمقراطيات الشعبية السابقة مثل بعض دول البلقان، فإن الضغوط للانصهار على النمط الأمريكي تجد عقبات قوية.وأضاف: العامل الاقتصادي يزداد أهمية في البلقان، حيث تعد المنطقة سوقا إضافيا يضم 20 مليون شخص. شبه جزيرة البلقان غنية بالفحم الأسود والليغنيت. حقول النفط ورواسب الغاز الطبيعي نادرة، ولكن غالبا ما توجد رواسب خام المعادن غير الحديدية. وتجدر الإشارة أيضا إلى أن أهم طرق الطاقة تمر عبر البلقان.منطقة انتظارولفت إلى أنه بعد قبول دول البلقان في صفوفه، يود الاتحاد الأوروبي بشدة أن يمنحها دور «منطقة انتظار للمهاجرين»، أي تقليل التدفق نحو مركز القارة الأوروبية الذي توجد به الدول الغنية، ما يعني إلقاء العبء على كاهل البلقان والدول الاشتراكية السابقة.وأشار إلى أن قصف الولايات المتحدة لجمهورية يوغوسلافيا الاتحادية في عام 1999 كان في مصلحة واشنطن والسياسيين الأمريكيين والجيش والشركات متعددة الجنسيات.وتابع: ليس من قبيل المصادفة أن أكبر قاعدتين عسكريتين في جنوب شرق أوروبا تم بناؤهما في كوسوفو، وهما كامب بوندستيل ومعسكر فيلم سيتي. وأردف: مكن القصف والاحتلال الفعلي لدول البلقان كثيرا من مؤيدي عملية القصف من الثراء بشكل كبير.ومضى يقول: على سبيل المثال، يمتلك الجنرال ويسلي كلارك، الذي قاد قوات الناتو في كوسوفو، شركة طاقة كندية تعتمد بشكل كبير على الفحم ومنتجات الوقود الاصطناعية من كوسوفو، والقائمة تطول. الحقيقة الرئيسية هي أن الشركات الأمريكية متعددة الجنسيات حصلت على جائزة كبرى قوية في البلقان لن تتنازل عنها أبدًا.وضع صعبوتابع: بالعودة إلى مسألة عضوية الاتحاد الأوروبي من الناحية الاجتماعية والاقتصادية، فإن الوضع في جميع دول البلقان صعب للغاية، حيث تشهد ارتفاعا في معدلات البطالة، وانعدام الآفاق الاجتماعية، والفقر، والتدهور العام للبنية التحتية وجميع مجالات الحياة. وفقًا للبنك الدولي، كان معدل البطالة الرسمي في المنطقة في السنوات الأخيرة أعلى بمقدار 2-3 مرات من متوسط الاتحاد الأوروبي.وأردف: كل هذا تفاقم بفقدان السيادة الفعلي. لقد تحولت البلقان إلى هامش عالمي، ويزعم بعض الخبراء أن هناك العديد من الصراعات الكبيرة والصغيرة الخاملة أو حتى المستمرة هناك، كل منها يمكن أن يفجر المنطقة.أسباب متعددةومضى يقول: لأسباب تاريخية وثقافية ودينية وسياسية واجتماعية واقتصادية وجيوسياسية، كانت منطقة البلقان ولا تزال منطقة معرضة للخطر بشكل خاص في السياسة العالمية. وبالمنطقة، تتطور عملية شديدة في إطار التطرف الإسلامي، والتي يعمل مناصروها بشكل استباقي لإنشاء ما يسمى بخلافة البلقان. يتطلب تحقيق هذا الهدف تفاعلًا وثيقًا من رعاته ومنظميه مع هياكل الجريمة المنظمة العابرة للأوطان الوطنية والإرهاب الدولي. ونتيجة لذلك، يشكل تفشي هذا المرض في المنطقة تهديدًا لأمن وسلامة أراضي دول البلقان وبقية العالم.وتابع: تُبذل جهود لتركيز تدفق جميع المهاجرين من أفريقيا وأفغانستان والشرق الأدنى والشرق الأوسط عبر المنطقة. منذ عام 2015، اكتسبت هذه الظاهرة نطاقًا واسعًا واقترنت بردود فعل سلبية لدرجة أن دول البلقان غير قادرة على التعامل معها حتى مع أموال الاتحاد الأوروبي. الحقيقة هي أن تدفق الهجرة هذا يمكن أن يغير بشكل جذري الوضع العرقي والديني والسياسي في المنطقة.ولفت إلى أن ثمة مشكلة أخرى تتعلق بالهجرة وهي تهريب المخدرات، مضيفا: البلقان ليست مجرد «نافذة على أوروبا» بالنسبة لمهربي المخدرات، لكن توجد 5 أبواب مفتوحة في المنطقة على مصراعيها لأسباب جغرافية طبيعية.
مشاركة :