الجنود يعملون على بناء سياج طويل يمتد لأميال من الأسلاك الشائكة لمنع اللاجئين من الدخول. وإحدى الأمهات عالقة بطفلها في حقل من الطين. وشاحنة متوقفة على الطريق السريع ما بين بودابست وفيينا تحمل 71 جثة متحللة من جثث اللاجئين. أثارت المشاهد المختلفة من الحدود الأوروبية الشرقية خلال الأسابيع الأخيرة الكثير من الرعب والاشمئزاز. ويتساءل المؤرخ البولندي الأميركي يان غروس «ألا يعتري أوروبا الشرقية أي إحساس بالعار؟». بالنسبة للكثيرين، تعكس حالة البخل في أوروبا الشرقية حيال اللاجئين، «فجوة سياسية وثقافية أساسية» قسمت القارة الموحدة نصفين. شكل التاريخ الحديث ومن دون شك شخصية المجتمعات في أوروبا الشرقية. ولكن هل يمكن اعتبارها بالفعل مجتمعات كارهة للأجانب، أو عدائية للمهاجرين؟ إذا حكمنا على الواقع من على صفحات الجرائد في الآونة الأخيرة، يمكن لأحدنا أن يتسامح حين التفكير في أنه حتى شروع المجر في إقامة أسوار الأسلاك الشائكة، كان الاتحاد الأوروبي فاتحًا الحدود ومرحبًا بالمهاجرين بكل ود ورفق ولين. وفي واقع الأمر، وعبر الـ25 عامًا الماضية، عمل الاتحاد الأوروبي فعليا على تشييد ما يسميه الكثيرون، إنصافا، بـ«قلعة أوروبا»، من حيث إبعاد المهاجرين، ليس عبر الأسوار، ولكن من خلال السفن والمروحيات الحربية والطائرات من دون طيار التي تراقب الحدود والأجواء. يعيش ما يقرب من 3000 مهاجر حاليا فيما يعرف بأكبر مدن الصفيح الأوروبية، في ضواحي كاليه بشمال فرنسا. ولقد وصف تقرير، صدر الشهر الماضي، الظروف المعيشية في تلك المدينة بأنها «شيطانية» فيما يعرف باسم الغابة، حيث تسرح الجرذان عبر الخيام، والمياه الملوثة بالصرف الصحي، والسكان الذين يعانون من مرض السل. ويحاصر المهاجرون داخل تلك الغابة من الصفيح، لأن بريطانيا ترفض السماح، بما وصفه رئيس وزرائها ديفيد كاميرون بأنه «سرب هجومي» عبر بحر المانش، لهم بالدخول. وإذا ما كانت تلك الغابة في المجر أو بولندا، لكانت هناك صيحات غضب عارمة من دون شك. قامت هيثر هورن من صحيفة «أتلانتيك» بمسح على بعض البيانات في الآونة الأخيرة. ووفقا لاستبيان القيم العالمية لعام 2005 - 2009، فإن 14 في المائة من سكان بولندا، و24 في المائة من سكان المجر لا يرغبون في وجود جيران من المهاجرين أو العمال الأجانب. وفي فرنسا، على الرغم من ذلك، تقفز تلك النسبة إلى مستوى استثنائي مسجلة 36.5 في المائة. وخلص استبيان مركز بيو للسلوكيات العالمية في الاختلافات بين شرق وغرب أوروبا، إلى أن دول أوروبا الشرقية أقل عرضة للتفكير في أنه «شيء جيد لأي مجتمع أن يتألف من أناس من مختلف الأعراق والأديان والثقافات». ولكن عند سؤالهم عن فئات محددة، فإن الصورة تتغير. ففي دول أوروبا الغربية يميل الناس إلى أن يكونوا أكثر عدوانية تجاه المسلمين. وأوروبا الغربية، بعبارة أخرى، قد تبدو أكثر تسامحا عند الحديث بصورة مجردة، ولكنهم متعصبون تماما مثل سكان أوروبا الشرقية، عندما يتعلق الأمر بالمواقف المتخذة حيال فئات محددة. إن أكبر الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا لا يوجد في بولندا أو المجر، ولكنه في فرنسا. إن المعاملة السيئة من جانب دول أوروبا الشرقية للمهاجرين أمر مستهجن، ويحتاج إلى مزيد من التحديات. ولكن هناك شيئًا كريهًا أيضًا، في خضم الإدانة التي تواجهها دول أوروبا الشرقية حاليا. فتصوير أوروبا الشرقية بأنها تفتقر إلى «قيمنا»، وعلى وجه الخصوص من حيث كراهية الأجانب، لا يؤدي إلا إلى إخفاء الدور الذي لعبته دول أوروبا الغربية في تعزيز موجات التعصب. إن تشويه صورة أوروبا الشرقية لا يعد الاستجابة الصحيحة على الأسلوب الذي استخدمه القادة السياسيون في جميع أنحاء أوروبا في تشويه صور المهاجرين الأجانب.
مشاركة :