احتدم الجدل بعد نشر النص السري لاتفاق التجارة الحرة للشراكة عبر المحيط الهادي المدعوم من الشركات مع توعد جماعات عمالية وبيئية وصحية في بلدان عدة بمنع المصادقة عليه. وتقدم هذه الوثيقة الضخمة التي نشرتها حكومات عدة على الإنترنت، أول من أمس، أول نظرة مفصلة على أكبر منطقة للتجارة الحرة في العالم تهدف إلى كسر الحواجز أمام التجارة والاستثمار بين 12 دولة تشكل نحو 40 في المائة من الاقتصاد العالمي. وكان الرئيس الأميركي باراك أوباما دعم الاتفاق باعتباره أساسا «للتجارة في القرن الواحد والعشرين»، مبشرا بأنه بمثابة تعزيز للاقتصاد الأميركي توازيا مع حماية العمال والبيئة. وبحسب وكالة الصحافة الفرنسية قال أوباما الذي قد يواجه عقبات للحصول على موافقة الكونغرس على الاتفاق، إنه «يعني أن الولايات المتحدة ستخط قواعد مسيرة (التجارة) في القرن الواحد والعشرين» بدلا من الصين، التي ليست جزءا من هذا الاتفاق. وأضاف: «إنه اتفاق للتجارة بأعلى معايير في التاريخ». من جهته، اعتبر وزير التجارة والاستثمار الأسترالي اندرو روب أن الوثائق المنشورة تظهر «الفوائد الكبيرة التي سيحملها اتفاق التجارة للشراكة عبر المحيط الهادي لأعمالنا ومزارعينا ومصانعنا ومقدمي الخدمات ذات المستوى العالي». أما في تشيلي، فقال المسؤول التجاري الدولي أندريس ريبوليدو إن النص من شأنه أن يظهر للتشيليين أن المفاوضات المطولة التي عقدت في أتلانتا في ولاية جورجيا الشهر الماضي أنتجت «اتفاقا مفيدا ومتوازنا لبلدنا». وكانت الشركات التي يقول منتقدون إنه كان لديها اتصالات داخلية خلال سنوات المفاوضات، داعمة للاتفاق بشكل عام. وذكرت مجموعة من الرؤساء التنفيذيين لشركات أميركية عدة أن الاتفاق يقدم «إمكانيات هائلة لمزيد من النمو الاقتصادي وخلق فرص عمل في الولايات المتحدة، وفي الوقت نفسه تعزيز المعايير البيئية والعمالية في البلدان» المشاركة في الاتفاق. لكن الناشطين وجهوا انتقادات لاذعة للاتفاق الذي يجب أن تصادق عليه حكومات 12 دولة، بما في ذلك أيضا اليابان وماليزيا وفيتنام والمكسيك والبيرو وسنغافورة وبروناي وكندا ونيوزيلندا. وقالوا: إن الوعود بحماية حقوق العمال والبيئة والتأكيدات بأن حماية الملكية الفكرية لمصنعي الأدوية لن تمنع الفقراء من الحصول عليها، كانت ضعيفة في النص النهائي. وأشارت جوديت ريوس سانخوان من منظمة أطباء بلا حدود إلى أن شروط مصنعي الأدوية «ستبقي الأدوية ذات الأسعار المقبولة بعيدة عن متناول ملايين الناس في جميع أنحاء العالم». من جهته، اعتبر المدير التنفيذي لنادي سييرا مايكل برون أن الوثيقة تشكل «دليلا ملموسا على أن الشراكة عبر المحيط الهادي تهدد عائلاتنا، ومجتمعاتنا وبيئتنا». وقال: إن «عبارة (تغير المناخ) لا تظهر حتى في النص ما يؤكد أن هذا ليس اتفاق القرن الواحد والعشرين». أما مؤسسة الحدود الإلكترونية الأميركية التي تركز على الحقوق المتعلقة بالإنترنت والعالم الرقمي، فقالت: إن الاتفاق لم يقدم الكثير للأفراد. وأوضحت أن «سرية الشراكة عبر المحيط الهادي التي تسيطر عليها جماعات الضغط، أدت إلى اتفاق يدعم حقوق ومصالح الشركات على حساب جميع حقوقنا الرقمية مباشرة». وبعد نشر النص، يفترض أن تبدأ حكومات الدول الـ12 بالحصول على الموافقة العامة والتشريعية على الاتفاق. ويجب أن تتم المصادقة على الاتفاق كاملا كما تم التوصل إليه من دون تغييرات ما يمكن أن يقيد الحكومات والمشرعين. وقد تواجه حكومات عدة معارك شرسة حيال التنازلات الخاصة بفتح الأسواق وفرض القضايا الاجتماعية بينها أستراليا ونيوزيلندا وكندا وخصوصا الولايات المتحدة. في كندا، قالت كريستيا فريلاند وزيرة التجارة الدولية في الحكومة الجديدة التي بدأت مهامها يوم الأربعاء إن أوتاوا ما زالت في حاجة إلى دراسة الاتفاق لكنها ستكون منفتحة حول هذا الموضوع. وأضافت: «نحن نؤمن بالتجارة ونتفهم أهميتها المطلقة لكندا ولازدهار الطبقة الوسطى الكندية التي هي جزء أساسي من برنامجنا». وفي واشنطن، قد يواجه أوباما الذي أبلغ الكونغرس رسميا أنه سيوقع على الاتفاق في غضون 90 يوما معركة صعبة من حزبه الديمقراطي كما من الجمهوريين. وتحفظ رئيس مجلس النواب الجديد بول راين عن الحكم على الاتفاق لكنه أعرب عن «التفاؤل» بأنه جيد. وقال راين في بيان إن «تشريع اتفاق الشراكة سيتطلب من الإدارة شرحا كاملا لفوائده وما الذي سيعنيه للعائلات الأميركية». وبموجب الاتفاق، سيتم تخفيض أو إلغاء معظم الرسوم الضريبية على كل شيء من لحوم البقر ومنتجات الألبان، والنبيذ والسكر والأرز والمزروعات والمأكولات البحرية، وصولا إلى المنتجات المصنعة والموارد والطاقة. لكنه يثير الجدل من خلال إجبار بلدان على توسيع نطاق وصول قطع غيار السيارات الأجنبية في الولايات المتحدة والأجبان المستوردة في كندا إلى أسواقها. وسيكون على اليابان رفع الحماية الكبيرة عن المزارعين المحليين غير القادرين على المنافسة. ولكنه يزيد أيضا من حماية المستثمرين الأجانب، ويقدم تعديلات لحماية لوائح البيانات والتجارة الإلكترونية، ويوحد معايير حماية الملكية الفكرية لفئات جديدة من الأدوية.
مشاركة :