أقفل موسم اصيلة الثقافي فعاليات نسخته 42 بالبحث في قول الشعر ولغته وغموضه ومفاجاءاته الابداعية، حيث اجتمع عدد من الشعراء والباحثين والادباء من داخل وخارج المغرب، طيلة يومي الثلاثاء والاربعاء لمناقشة هذا الموضوع المتشابك المتشعب والمتعمق داخل الشعر باعتباره لغزا غامضا من خلال سؤال كبير "بأي لغة يكتب الشعر العربي اليوم". وقد تلت المناقشات القاء شعري متميز لعدد من الاسماء كالشاعر زهير أبو شايب والشاعر المهدي أخريف، والشاعر حسن الوزاني، غسان زقطان، الشاعرة المغربية اكرام عبدي، والشاعر اليمني قاسم حداد وذلك لفرز العلاقة الجمالية بين القصيدة الشعرية والإلقاء المباشر، اذ هناك من يحكم على جودة القصيدة من طريقة الالقاء حيث ان هناك قصيدة جيدة قد تصبح عادية بإلقاء عاد، وكم من قصيدة عادية تصبح جيدة بإلقاء جيد. أصيلة والشعر وحسب منظمي هذا اللقاء فالسؤال المطروح للنقاش يتماهى مع الواقع والتحديات والاهتمامات والاختيارات الاسلوبية والاغراض الفنية والمقامات التعبيرية الى جانب جغرافية واسعة من اللغات واللهجات المحتضنة للاصوات الشعرية العربية، وهي لحظة تأمل واحتفاء بالشعر الذي لطالما اعتبر فنا في الثقافة العربية الاسلامية، وفي أصيلة لطالما شهدت المدينة رموز شعرية من شتى اصقاع العالم من سنغور الى ادونيس الى محمود درويش والبياتي وغيرهم كثير. وهذه الفسحة في موسم اصيلة الثقافي، حسب رئيس الموسم محمد بنعيسى، "لا تغطي الخريطة الشعرية في الوطن العربي والمهاجر، وليست تمثيلا لكل الأصوات الشعرية والتجارب واللغات، نسميها تواضعا حلقة استثنائية لانطلاقة تأمل ان تكون اشمل واكبر حتى تصبح تقليدا على غرار اوراش الفن التشكيلي". فمكانة الشعر متميزة في موسم اصيلة من خلال جائزة بلند الحيدري للشعراء العرب الشباب وجائزة تشيكايا اوتمسي للشعر الإفريقي كما هو الأمر مع الرواية العربية حيث اقمنا جائزة تحمل اسم الروائي والقاص المغربي الراحل محمد زفزاف، وهنا يقترح محمد بنعيسى، أن يكون للشعر مشغل مثل مشاغل الفنون التشكيلية، هو مشروع راودني منذ امد طويل وكانت فكرتي التي عرضتها على ادونيس ان نقيم مشيخة للشعر، في كل مرة يكون هناك ملتقى يقوده ويتشيخ عليه احد كبار الشعراء. "لموهبة مطلوبة للقيام بكتابة الشعر بشكل جيد، ولكن هناك أشياء يمكن أن تساعد هذه الموهبة على الظهور والتأثير، اذ عليك أن تتعلم هذه اللغة المعينة، والتي تفعلها من خلال قراءتها وكتابتها، لهذا اعتبر محمد بنعيسى ان هذه الفكرة تعتبر جيدة اذا أردنا للشباب والشابات ان يكون لهم اعتبار للشعر وليس بالضرورة ان يكونو شعراء وانما مهتمين بهذا الفن، لابد ان يكون هناك ملتقى مشغلا ورشا يتحدث فيه الشعراء، فالجانب الأسطوري دائما مهم . اللغة في القصيدة الشعرية في تدخله اعتبر شرف الدين ماجدولين، أن العنوان مجازي صرف لان الموسم لم يكن ليقطع علاقته مع فن الشعر منذ بداياته الأولى، فهو موعد ثاني وتفصيل حول قضية استثيرت حول موعد اول عن الشعر العربي في مشهد ثقافي متحول وكان السؤال المركزي ما هو الافق بالنسبة لتداول فن بات حضوره ضامرا في التداول والقراءة والانتشار. وتساءل ماجدولين عن لغة الشعر في الوطن العربي هل هي لغة واحدة ولماذا اختار عدد كبير من الشعراء ان يكتبوا ضمن محلية ضيقة ولغات تخص مجتمعاتهم ولماذا اختاروا الانتماء الى مجتمعات ثقافية عبر لغات ثم انتمى كل هذا المنتج الى ما يسمى بالشعر العربي ليوم،موردا في مداخلته انه لا يمكن ان نجعل الشعر جزءا من رصيد اللهجات المحلية او جزء من رصيد لغات اخرى هيكلها روافد تغني مشهدا واحدا، وهي لحظة لمداولة الفكرة انطلاقا من هذا الأفق. اما قاسم حداد الشاعر البحريني الذي يعتبر من رموز اصيلة ومحبيها وشيوخها، قال في مداخلته ان اللغة نظام مؤلف من عدة مستويات المستويات الصوتية والنحوية والدلالية ونحوها، القصيدة متوالية لفظية تتكرر من خلالها العلاقات، تلك المستويات المختلفة. مشيرا الى انه دائما عندما يتعلق الامر بالكتابة فاللغة هي موضوعنا اولا واخيرا لن تكلم عن شيء خارج اللغة فاللغة هي مصدر الشعر وافقه ومداه، فأنت لا تصل الى الشعر الا بلغتك بخصوصيتك اللغوية لذا يتوجب ان تتصرف شعريا كما لو ان اللغة ملكيتك الخاصة. واعتبر قاسم حداد ان اللغة بوصفها شعرا ليس اقل من هذا ان كنا نحترم لغتنا ونحبها حد العشق، يتوجب ان تحسن التعبير عن شغفك بحبيبتك قبل ان تفكر في كتابة الشعر واذا كنت تريد النزهة فاذهب بعيدا في البحر، فاللغة هي التي تتكلم ولا يتكلم الإنسان الا بقدر ما يصدر عن بوح اللغة من خلال إصغائه الى ما تقوله اللغة. اما الشاعرة اللبنانية، لندا نصار، فتقول ان الشاعر يفكر بواسطة اللغة كإمكانية لفهم الذات وتعلقاتها وهوامش الواقع وتشخيصاته بحثا عن المجهول الجمالي الذي لا يتم إدراكه الا بالرؤى الحالمة، يترك الشاعر علامات التشوير في قصائده التي تحتاج الى قارئ بليغ قادر على فك الرموز وما يتضمنه من خطابات ثقافية مدسوسة بخفة يد الساحر في الحضور كما الغياب. واذا كانت اللغة إحدى تجليات الفكر الانساني فانها سوف تاخذ طبيعتها الروحية من الانفاس البشرية التي تنفثها اثناء الحياة وهي تعمل عمل الأبجدية في الكتابة، ولهذا يؤكد الشاعر البحريني، انه كلما سهر الكاتب على ابجديته وهي تتمثال للنص تسنى للغة انجاز عملها بجدارة، وبعد كل نص تنشأ اللغة مثل اطفال يهرعون في حوش البيت فيما يكبرون كل نهار، هنا تبدأ اللغة في التعرف على دورها المتسارع والمتجدد حيث النص بيتها والكتابة حقلها كثير الخضرة والرواء. واذا كان قاسم حداد اعتبر ان اللغة الشعرية صارت شخصية جدا ولا تجوز المقارنة بين الشعراء فعلى كل شاعر لبغته الخاصة ان يقنع القارئ أن ما يكتبه شعرا بالفعل، فإن الشاعر زهير ابو شايل الفلسطيني، يعتبر القصيدة تشبه كاتبها مثلما يحمل الجنين الخرائط السرية لابويه من اجل ان تكون ملامحه دليلا دامغا على اصله ومآلاته، لذا يمكن القول ان اللغة التي تصاغ بها القصيدة العربية الراهنة هي ابنة الواقع الذي يعيشه شاعرها بكل ما يحمله من احلام وكوابيس وتشرخات وذكلريات وهموم وتشوهات وتشوفات ايضا. اما محمد حجو فيقول ان الشعر يحتاج من الشاعر الى معجم لغوي غني وتمرس فكري واسع وليس الى معرفة نحوية وصرفية وموهبة ورغبة فقط، شانه شان المشتغل بفن التصوير وفن الرسم لا يكفيه ان يعرف قوانين الفيزياء وكيمياء مزج الالوان وتوليد تدرجاتها الصورية، بل يحتاج الى توسيع مداركه الفكرية في مجاله وتنشيط ثقافته البصرية للرفع من القيمة الجمالية لمنجزه الفني وانتاج كيمياء اعلى تثير البصر والبصيرة. خراب القصيدة زهير ابو شايل الفلسطيني، ذهب الى حد القول انه علينا الاعتراف بان الشعر العربي الان ليس بخير وان انهياراته وهذيانته ليست دليل عافية على الاطلاق، وعلينا ان نعترف بان عزوف المتلقي العربي عن شعرنا هو في احد وجوهه موقف نقدي لا واعي من هذا الشعر. وليس مجرد تعبير عن الخراب الثقافي العام الذي تعاني منه امتنا، لكن علينا ان ندرك ان خراب القصيدة هو مجرد تفصيل صغير من تفاصيل الخراب العام. وان ظواهر التحلل والفساد وبلبلة اللسان التي تعتري الكتابة الشعرية العربية الان ليست من صنع الشاعر وحده بل هي من صنع الذات الجمعية برمتها، ولذا فتشريح الخراب يقتضي منا ان نقرأه بأناة وسعة صدر. وان نكف عن الاكتفاء بإدانته والترفع عنه وكاننا لا نتحمل مسؤولية وقوعه. نعم، ثمة خراب في هذا الشعر لكن هذا هو الشعر الذي يشبهنا في اللحظة الراهنة، وعلينا ان نعيد قراءته بوصفه شاهدا على الخراب لا مشهدا من الخراب. ان الشاعر العربي الان هو شاعر طللي وهذه هي خرائبه اللغوية التي يقف عليها ويُتَّهَمُ بانه صنعها مع ان الزمن هو الذي صنعها. وهو يهذي لا لتقدسوا هديانته بل ليخبركم عن الحمى التي تفتك بجسده الجمعي وهو جسدكم، وان ما يكتب اليوم من شعر طللي هو تعبير عن الخراب لكنه مقدمة حتمية للعمران. وتظل لغة الشاعر اليوم، كما ترى الشاعرة لندا نصار، اكثر راهنية من ذي قبل صحيح انه ابتعد كثيرا عن ماهيته لكنه لايزال في صلب الاسئلة العميقة التي تفكر في المابينيات وتجربة الحدود بين الانا والأخر رافضا كل اشكال الهيمنة القيمية او التطابقات القاتلة او الاختزالات بالعبثية يصر على الانخراط في اسئلة المستقبل جاعلا من الحرف صورة تتجاوز اللغة لتقيم في المشهديات والبصريات لكي تصبح الكتابة متعددة المعاني والدلالات. واستنتج محمد حجو ان ضعف الذوق العام الناتج عما يمكن تسميته بتخبط الوضع الثقافي العام للشعوب ساهم في إضعاف منظومة الغربال النقدي في اطار نسبي، لان لغة الشعر اليوم في كثير مما يتداول تعاني من ضعف الملاءمة لما يتطلبه الشعر والكتابة عنه محتشمة. فهل يمكن الحديث عن شعر في غياب لغته الغنية الولود ولعل مرد ذلك عموما الى ضعف الثقافة والاطلاع المعرفي والتسرع في الانجاز ما ينعكس سلبا على قيمة اللغة. الغموض والابداع الجمالي في الشعر غالبًا ما يُنظر إلى الشعر على أنه لغز غامض لا أحد يعلم تمامًا من أين يأتي الشعر، ولا أحد متأكد تمامًا من ماهيته، ولا أحد يعرف كيف يمكن لأي شخص كتابته، وقد تطرق الشاعر والباحث والأكاديمي استاذ في كلية الادب في السيمياءات وتحليل الخطاب، الى مسألة الغموض في الشعر العربي، موردا انه عند البعض مشكلة ومعضلة وعند البعض الاخر قيمة جمالية، ولكنها تبقى طامة كبرى عندما تركبها اصوات تعتمد الضجيج اللغوي والرنين النشاز للكلمات في مادة الشعر بحشر الكلام على بياض الورق خلوا من اي حرارة او طاقة دلالية تربط مكوناته وإطرافه. واذا كان مفهوم الغموض عند النقاد القدامى يعني عدم الوضوح وكل انواع التعقيد في القول والمعنى مما نجده في مؤلفاتهم كالجرجاني، فاننا في النقد العربي الحديث، يقول الناقد محمد حجو، نرى مفهوم هذه القضية متعدد لأسباب كثيرة لاشك ان الانفتاح على الثقافة الغربية له دور واثر في هذا التشعب المفهومي. ويذهب شرف الدين ماجدولين، الى ان النص الابداعي دون غموض والتباس لا يعتبر ابداعا فالغموض شان لغوي مرتبط بطبيعة تفكيرنا كعرب في القول او الخطاب، فالتفكير العربي الإسلامي في القول هو ان هذا الأخير لا يعطيك المعنى بيسر. نحن بتنا اسرى تحليل المناطقة للغموض قالو ان الركاكة هي غموض الفكرة في الذهن، وحسبه، فأقصى شيء في الابداع لا يمنحك دائما نفسه بيسر الإبداع شيء غامض وملتبس وحينما تخرج من نص دون حيرة فذلك النص يمكنك ان ترميه في القمامة وهو شيء مهم ومرتبط بطبيعة الابداع والقول العربي. ويستمر الشاعر والباحث والاكاديمي استاذ في كلية الادب في السيمياءات وتحليل الخطاب، على رأيه بأن الغموض في لغة الشعر اذا كان قيمة جمالية مطلوبة ايحاء وترميزا فهو وجد ليخدم البعد الفني في القول الشعري والا فهو مجرد هروب وتعمية وتوهيم، ونتحدث هنا عن فقر الثقافة والمعجم اللغوي ما يجعل الغموض اللغوي ذريعة للاحتماء والتخفي ويصير كالية مقصودة لذاتها وليس لغايتها، فيتجلى محتوى قاصرا عن التاثير في وجدان الناس وجافا من كل بعد رمزي ايحائي او عمق فكري يعبر عن معاناة صاحب المنتج اللغوي الذي يطمح الى التصوير الشعري. فاللغة الغامضة البعيدة عن الذائقة التي لا تستند على معيار جمالي، حسب محمد حطو، تفسد على الشعر عفويته في التعبير والتاثير حتى لدى كبار الشعراء، والغموض قيمة فنية يمكن ان يصيبها الشاعر صيدا تلقائيا عفويا يتساوق مع لحظة الخلق والابداع المرتبطة اساسا بصدق التجربة الذاتية لان الشاعر الحق قد ينحت معانيه من الحجر ولكنه لا يرصف الكلام كما ترصف الأحجار ليوهم الناس انه يبدع شعرا او ينظمه.
مشاركة :