السادس عشر من نوفمبر (تشرين الثاني) هو اليوم الذي اختارته الأمم المتحدة للتأكيد على أهمية التسامح بين الشعوب والمجتمعات، والدعوة للاحتفاء بهذا اليوم لإشاعة قيم التسامح والتعايش والمحبة والسلام، لذا تم الإعلان عن اليوم الدولي للتسامح (International Day for Tolerance) ليكون يومًا تعيد فيه الأمم والمجتمعات تقييم وضعها، وماذا قدمت للبشرية، وهل تعيش مجتمعاتها في أمن واستقرار، ورفاهية وسعادة؟ وقد جاءت وثيقة مؤتمر القمة العالمي لعام 2005 لتوجز التوصيات ومنها (التزام الدول الأعضاء والحكومات بالعمل على النهوض برفاه الإنسان وحريته وتقدمه في كل مكان، وتشجيع التسامح والاحترام والحوار والتعاون فيما بين مختلف الثقافات والحضارات والشعوب). مع نهاية الحرب العالمية الثانية في العالم 1945 التفت العالم إلى حجم الخراب الذي خلفته الحروب والصراعات المدمرة في الكرة الأرضية، وكيف غاب العقل عن العلاجات الحضارية من خلال الحوار الهادئ الرزين، واتفاقيات حسن الجوار، والعيش السلمي المشترك، فقد كان حجم الخسائر البشرية والمادية كبيرا، لذا دشن المجتمع الدولي الكثير من المبادرات الإنسانية لوقف الصراعات والحروب مثل يوم التعايش ويوم السلام وغيرها. لقد أكدت المرحلة الماضية على أهمية العمل والتعاون المشترك، وأن الانسان مهما اختلف جنسه أو لونه أو عقيدته فهو في حاجة لأخيه الانسان، حاجة تعارف وتعاون وعمل مشترك. إن التنوع والاختلاف والتمايز بين الناس هي من سنن الله تعالى في خلقه، فالبشرية رغم اختلافاتها وتنوعها وتمايزها قد خلقت من نفس واحدة، خلقت من آدم، وكذلك الأديان والمذاهب والثقافات مصدرها واحد، ولكنها تفرعت إلى عقائد وعادات وتقاليد وأعراف متمايزة، وقد قال تعالى: (الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء) (النساء: 1)، ولكن مع تباعد الأزمان والأماكن ظهرت الاختلافات بينهم حسب البيئات والظروف والأحوال والأمزجة، وها اختلاف صحي وطبيعي إذا أدرك الإنسان قيمته وأهميته، وقد أكد المولى على ذلك الاختلاف وهو تحت إرادته ومشيئته (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين، إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم) (هود: 118-119). ودين الإسلام، خاتم الأديان السماوية، وضع قواعد واضحة لحفظ المجتمعات البشرية، فجميع البشر يشتركون في الكرامة الإنسانية، لا فرق بينهم في الحياة الدنيا، وبالتالي لهم الحق في العيش الكريم على الأرض التي خلقها الله، دون تمييز بينهم بسبب الدين أو اللون أو الجنس أو اللغة، لذا قال تعالى: (ولقد كرمنا بني آدم) (الإسراء: 70). يتبين مما سبق أهمية التعايش السلمي والتسامح الديني، وقد ترجمها رسول الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم إلى واقع معاش بين المسلمين وغير المسلمين، وكيف أنه تعامل وتعايش مع الجميع بصدر رحب، ليست شعارات ترفع ولكن واقع معاش، وهذا ما أكدت عليه وثيقة المدينة المنورة بين المسلمين وغير المسلمين، ثم جاءت العهدة العمرية لأهل إيليا بالقدس بحفظ الحقوق والعيش الكريم. ومن يُجيل النظر في جوانب عظمة هذا الدين يجد أن هناك سمات بارزةً وعظيمة، إنها سمات الاعتدال والوسطية والتسامح والتعايش، تحملها الشعوب المتحضرة التي تؤمن بأن الأرض لجميع البشر، فلا أقصاء ولا حقد ولا كراهية، والمجتمع البحريني قد أدرك أهمية التعاون والعيش المشترك فسار على مسارين، الأول هو قبول الآخر المختلف، فعاش في المحيط الواحد المسلم والمسيحي واليهودي والهندوسي والبهائي والبوذي والسيك وغيرهم، جنبًا إلى جنب، بل واقاموا بأيديهم المساجد والمآتم والكنائس والكنيس والمعابد والمقابر، ولمن شاء فليتأمل في واقع المنامة والمحرق ومدينة عيسى وعوالي ومدينة حمد، وهي أكبر المدن بالبحرين. المسار الثاني هو الانفتاح على العالم من خلال قيم السلام والتعايش والتسامح والمحبة، حتى أصبحت البحرين انموذج التعايش السلمي، ومقصد شعوب العالم للعمل والعيش فيها، ففيها يشعر الفرد بالأمن والاستقرار.
مشاركة :