أدانت المحكمة الجزائية أمينا سابقا لمحافظة جدة بتهمة الرشوة وقضت بحبسه 8 سنوات وتغريمه مليون ريال، وحكمت على رجلي أعمال بذات التهمة بسجن أحدهما 5 سنوات وغرامة مليون ريال والآخر 4 سنوات وغرامة نصف مليون، إلا أن المحكمة برأت الأمين ووكيليه من تهمة كارثة سيول جدة، مما يعني أن القضية برمتها لا علاقة لها بالكارثة، وإنما جاء الكشف عن هذه الجرائم بطريقة التداعي وتتبع ملابسات أفضت إلى كشف فساد لم يكن مقصودا كشفه. قبل النظر في الخبر وصياغته المبنية للمجهول، تبدت لي علاقة له بكارثة السيول التي ما زلنا بانتظار الكشف عن مسببيها بعد أن عرفنا مسبباتها، فلولا هذه التحقيقات لما توصل القضاة لجرائم الرشى هذه، مما يدل أن تحقيقا بسيطا لأية قضية شك حول فساد ستؤدي للكشف عن حقائق تثبته أو تنفيه أو علها تقود لغيره، وهذا يدل بالتالي أن قضية واحدة من قضايا الفساد والتقصير الكثيرة التي تعلن عنها هيئات الرقابة ومكافحة الفساد لم تصل بعد إلى القضاء، كأنما مهام هذه الهيئات تنتهي بكتابة هذه التقارير، وهي تقارير يمكن أن يكتبها أي أحد عن معلومات يعرفها كل أحد، أو كأن هذه التقارير ستعني تبرئة ذمة كاتبها ومعتمدها، بينما مثيل هذه الهيئات خارجيا لا يهدأ لها بال حتى تقدم من تدينه تحقيقاتها إلى المحكمة. غموض خبر أحكام جزائية جدة يتماهى مع الحجة التي اخترعتها هيئة مكافحة الفساد باعتبار التشهير جنحة متعدية تحتاج حكما قضائيا، حسنا، ما الذي يمنع القاضي الذي يدين من أن يشهر، ألا يحدث هذا في قضايا كثيرة أقربها الغش التجاري والطبي، ألم نشهر قبل أشهر بعدة تجار وبصاحب مستشفى شهير بجدة وغيرهم، فهل الغش المالي، رشوة كان أو سرقة، يختلف عنهم، ألا يؤدي إلى حدوث وفيات وإتلاف ممتلكات؟ حكمة الشريعة في عقاب المعتدي كالزاني والسارق ليس تعذيب الجاني بل تطهيره وردع غيره، من هنا جاءت (وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين) أو قطع يد السارق ليعرفه الجميع، أي التشهير، والرشوة بأي صورها هي سرقة للمال العام واستغلال للمنصب وإلا، كما قال عليه الصلاة والسلام، لجلس بمنزله لنرى من سيهديه، بل عظم عليه السلام وغلظ عقوبة السرقة بإعلان أنه سيقطع يد فاطمة لو أنها سرقت.
مشاركة :