كان اختيار الدكتور محمد بن أحمد الرشيد ليكون أول وزير للتربية والتعليم بهذا المسمى الجديد بعد أن كانت وزارة المعارف له دلالته الاجتماعية والتربوية الكبرى والقراءة الأولية لذلك توحي بلا شك بأن الدكتور محمد الرشيد كان يحمل معه هما تربويا وتعليميا أثقله وزاد عناءه حين تولى منصب إدارة مكتب التربية التابع لدول الخليج حوالى عشر سنوات ومع أن عمله التربوي لم يكن جديدا إذ سبق أن تولى عمادة كلية التربية في جامعة الملك سعود. لكن يبدو من خلال حديثه الذي أفضى به في احتفاء الثلوثية له والاستماع إلى تجربته مساء الثلاثاء 30/10/1427هـ أكد أن رحلته في مكتب التربية هي الأخصب التي ملأت جوانحه بحب العمل التربوي والتعليمي واقترابه من الحالة التعليمية والتربوية التي يعيشها الخليج وبالأخص المملكة العربية السعودية. إلا أن الوزارة والعمل فيها هي مرحلة السخونة الأشد في حياة الوزير الراحل «رحمه الله» لقد ظل طوال أكثر من ساعتين يسرد الحكايات ويتوشح الأحزان ويقص الأوجاع التي طالته إبان توزيره وعلى الرغم مما أطلقه البعض عليه من أنه إسلامي الفكر ليبرالي الهوى إلا أنه لم يستطع أحد أن يزايد على انتمائه الشرعي الذي سرعان ما يتغلب على خصومه فيه بما آتاه الله إياه من حجة دامغة وحصيلة شرعية كبرى تلقاها من المعهد العلمي وكلية اللغة العربية التي تخرج منها ودرس على علمائها. لقد قاسى «رحمه الله» ألم التهمة وأذى الفرية والكذب في الخصومة الذي يتهمه به مخالفوه خصوصا في الحدث الأهم وهو دمج تعليم البنات مع التعليم العام إضافة إلى المناهج. ولقد سرد كلمات وأورد عبارات جدير أن أسترجعها اليوم وقد ووري الثرى ليخلد بنقائه حيث يقول «من دون مجتمع نقي لا يمكن أن نبني حضارة مزدهرة»، وها هو يقول «تعلمت أن يعمل المرء مثلما رزقه الله من علم وفطنة من دون الالتفات لقيل وقال توفيرا للوقت والجهد تأكدت أنه لم يسلم من ألسنة الناس أحد بل حتى أنبياء الله لم ينجوا من سلق ألسنة أقوامهم». ولعل ذاك هو ما أخرج الدكتور محمد الرشيد إلى فضاء التسامح والأخلاق الذي تغنى به حتى رحيله على الرغم من قسوة المعاناة ومرارة الألم. كانت حياته وتعامله درسا ينبغي أن يتعلم خصوصا من بعض المسؤولين الذين يظنون أن النقد بل الخصومة لم تنل غيرهم وأن وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي قست عليهم كثيرا لكن أبا أحمد بحكاياته التي سرد شيئا منها بإيجاز وسردها تفصيلا في كتابه الذي كان أبرز وثيقة تربوية اجتماعية كتبها بإبداع وامتياز الدكتور محمد الرشيد لتبقى شاهدة على وصله هامة مبرزة تفاصيل عن شخصية استثنائية ليست عابرة تولى خلال ثلاثين عاما مسؤوليات كبرى يتم اختصارها بأنه الوزير الصريح الواضح. حتى اختير كتابه «مسيرتي في الحياة» والذي أهداني نسخة منه فور صدوره وقرأته ورقة ورقة كأحد أهم وأبرز عشرة كتب صدرت في نصف القرن الحالي، وهو كما أشرت توثيق هام لمرحلة تعليمية وتربوية عاشتها بلادنا وكان الدكتور محمد الرشيد شاهد حق وعدل عليها. كانت كلمات معالي الشيخ عبد العزيز التويجري «رحمه الله» خالدات باقيات في ذاكرة الدكتور محمد الرشيد يسردها في كل محفل ومجلس لأنها صدرت من ناصح حكيم مجرب وهي كلمات يصلح أن تلقن لكل مسؤول يتولى مسؤولية لتكون نبراسا له في حياته وإدارته لعمله. يقول الدكتور محمد الرشيد عندما تسلمت منصبي كوزير للتربية والتعليم كتب لي الشيخ الوالد عبدالعزيز التويجري «رحمه الله» يقول الطبيعة البشرية واحدة سواء كانت في القرية مع عمل صغير أو في المدينة مع عمل كبير تضاعف الحسد علي والكيد والدس والافتراء والظلم إلى حد أقرب الناس إلي صار يتابع التقارير ضدي قصة طويلة ولكن «وما في الدنيا أشجع من بريء» لي في الخدمة الآن يا محمد 63 سنة ليتني استرحت يوما واحدا من الحسد وقبلي قال أبو الطيب المتنبي لسيده أزل حسد الحساد عني بكبتهم فأنت الذي صيرتهم لي حسدا عملك الجديد سيصير لك حسدا. «أقلل من الكلام كن محافظا استمع ولا تحك هذه الرسالة لا تعني أنك قليل خبرة إن شاء الله الخوف عليك هنا قد يكون عاطفيا وربما يفيدك. أملي أن تدخل مع نفسك وسلوكك في كل شيء من العلاقات إلى شربة الماء وما ترى أنه غير مناسب ابتره ولو أوجعك». رحم الله أبا أحمد فلقد كنت ممن يترددون بين آونة وأخرى لزيارته في بيته بعد مغرب يوم السبت يلتقي فيها بأحبائه وزملائه وأصدقائه الذين يجدون بشاشته ولطفه وتواضعه ولينه ما يجذبهم إليه. ولم تكن تلك المثاليات والأخلاقيات التي دأب على الكتابة فيها في الصحف طيلة السنوات القلائل مجرد نقول جامدة بل سعى إلى تطبيقها في تعامله تجسيدا يعتقده وأمسك بجناحين لا ينفك عنهما وهما التربية والأخلاق يسرد النصوص ويحمل الوقائع ويربط النص بواقع الناس اليوم. مؤكدا على أهمية الامتثال لتك النصوص التي نقرؤها والإذعان إليها وأن نتحلى جميعا بالخلق الذي يزين المرء فالتواضع والابتسامة والكرم والصدق والصفح والتسامح وعدم الظلم صفات توشح بها «رحمه الله» ورغب من الناس أن يكون لهم نصيب أوفر منها.
مشاركة :