في سوق إيمنونو الشهير قرب البازار الكبير في إسطنبول، تسحب نعيمة دفتر ملاحظاتها لتدون الأسعار الجديدة التي تتغير من يوم لآخر في ظل التراجع المستمر لسعر صرف الليرة التركية، وتقول هذه المتقاعدة "أكتب الأسعار وأحسب كل شيء". وتجاوز سعر الصرف عتبة 11 ليرة للدولار الواحد لأول مرة في تاريخ العملة الوطنية. وبذلك شهدت الليرة التركية تراجعا في قيمتها بمقدار الثلث مقابل الدولار منذ مطلع العام. وتخلت الليرة التركية عن مكاسبها التي حققتها في أوائل تعاملات أمس وتراجعت بنحو 2 في المائة مسجلة مستوى قياسيا منخفضا جديدا، بعد يوم من هبوطها بنحو 6 في المائة عندما خفض البنك المركزي. وبحسب "رويترز"، ارتفعت العملة في البداية إلى 10.83 ليرة مقابل الدولار قبل أن تتراجع إلى 11.32، لتتراجع لأدنى مستوى على الإطلاق للجلسة الثامنة على التوالي. وخلال التعاملات أمس، جرى تداولها عند 11.2، وهو ما يزيد المخاطر على الاقتصاد. وهوت العملة التركية، الأسوأ أداء بين عملات الأسواق الناشئة، أكثر من 12 في المائة هذا الأسبوع فقط، متأثرة بقرار البنك المركزي خفض سعر الفائدة 100 نقطة أساس إلى 15 في المائة رغم ارتفاع التضخم قرب 20 في المائة. وبحسب "الفرنسية"، يحذر الاقتصاديون من أن التراجع لن يتوقف في ظل الخيارات المالية غير التقليدية للرئيس رجب طيب أردوغان الذي يعارض أي زيادة في أسعار الفائدة رغم تسارع التضخم الذي بلغ نحو 20 في المائة على مدى عام. وتقول نعيمة "لم يعد بإمكاني شراء ما أريد، عندما أذهب إلى السوق تتغير الأسعار من يوم إلى آخر". وتضيف أنه في الأيام الخوالي، كان بإمكانها بسهولة قضاء إجازة مع عائلتها، لكن "كل ذلك انتهى، الآن نكاد نلبي احتياجاتنا". قام عبدالله جيسي وزوجته وهما متقاعدان، برحلة طويلة بالسيارة إلى بازار إمينونو على أمل التوفير. يشكو الرجل البالغ 75 عاما مشيرا إلى حقيبة التسوق التي تمسك بها زوجته "لم نشتر شيئا تقريبا وأنفقنا 120 ليرة (9.5 يورو)". يضيف آسفا وهو يشير إلى البقالة "نحتاج إلى الكثير من الأشياء الأخرى من هنا .. لديهم سلامي وسجق، أحبها لكني لم أعد قادرا على تحمل تكاليفها .. رواتبنا صارت في مهب الريح". بدورها، تقول زوجته خديجة "نشتري بكميات قليلة، نصف كيلوجرام بدل الكيلوجرام". لكن الحد الأدنى الصافي للأجور يبلغ 2825 ليرة، أي 224 يورو بسعر الصرف الحالي. ويرى مراقبون أنه صار من المستحيل إعالة عائلة بهذا المبلغ في المدن الكبرى. صار سعر رغيف الخبز 2.5 ليرة وكيلوجرام اللحم المفروم المستهلك على نطاق واسع 90 ليرة. وتجاوز سعر خمسة لترات من الزيت 100 ليرة. بلغ معدل البطالة الرسمي في البلد الذي يعد 83 مليون نسمة 11.5 في المائة في أيلول (سبتمبر)، مع الإشارة إلى أن عديدا من الأتراك يعملون في قطاعي البناء والزراعة غير المنظمين. في البازار، ينادي الباعة أن "لا زيادة" في الأسعار في محالهم. جاءت فيريا لشراء معطف لزوجها بسعر مناسب على ما تأمل، لأنها لم تستطع الذهاب إلى مراكز التسوق المنتشرة في أنحاء المدينة. وتقول متسائلة "معاشي التقاعدي يبلغ 2600 ليرة (200 يورو). كيف تتوقعون مني أن أدفع 1600 ليرة (120 يورو) ثمن معطف؟ .. لا أعرف إن كنت سأجد شيئا بسعر معقول هنا". على جسر غلطة الذي يمتد على منطقة القرن الذهبي، ألقى حفظ الله كانباي صنارة الصيد أثناء انتظاره لتولي عمله كسائق حافلة صغيرة. بالنسبة إليه، السياسات الحالية تثري الأغنياء فقط وتفقر الفقراء. ويقول "لا تسألني ما الحل. سأقول لك بوضوح: لا أتوقع أي شيء من السياسيين أيا كانوا". ويضيف "لا تسألني إذا كان ما زال لدي أمل، لقد فقدته، لا أرى أي بارقة". ويوضح حفظ الله أنه تخلى حتى عن النزهات مع أطفاله في عطلات نهاية الأسبوع، "لم يعد ذلك ممكنا، علينا أن نعيش بأن نحسب كل شيء، هذا هو وضعنا الآن".
مشاركة :