كاتبة سعودية تتساءل عن معنى الحياة

  • 11/20/2021
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

يرتفع صوت الأنثى في قصة "حياة من ورق" للكاتبة السعودية د. فوزية البكر على نحو لافت، وكأن الكاتبة تريد أن تفخر بكونها أنثى فتقول في أول سطر، بل أو كلمة "أنا الأنثى القادمة من ديار الحرارة اللاهبة والصقيع الحاد"، ثم تضعنا على الفور في عالمها الجغرافي الذي تعلن عنه منذ البداية، وهو العاصمة الغانية "أكرا" التي تصدر الذهب والكاكاو، وكأن الكاتبة تعلن عن وجود المرأة الأفريقية السمراء الصلبة حتى يدرك القارئ أنه أمام امرأة لها وضعية جغرافية وتاريخية واجتماعية وثقافية خاصة. ويعتقد القارئ للوهلة الأولى أن القصة سوف تسير على هذا النمط من الاعترافات الأنثوية، ولكن سرعان ما تتخلص الكاتبة من صيغة الاعترافات، وبخاصة بعد أن تكرر نداؤها غير مرة، لتمنح عنصري الوصف والسرد وجودهما الخاص داخل القصة، ولتبدأ التعبيرات والتشبيهات الشعرية في الصعود "شباب قريتي يبدو كقطع الفلين الطافية على السطح لا تملك مستقرا". ومع تصاعد السرد والوصف نكتشف عالما من الحب تحمله تلك المرأة لأرضها وأناسها وقريتها وللطبيعة من حولها: "كم من الأشياء نعشقها ها هنا .. إننا لا نملك إلا أن نحب بعنف.. حتى تلك الشقوق المزمنة في جدران بيوتنا الطينية القديمة .. حتى ذلك التيبُس الخفيف المشوب بسمرة غامقة فوق وجوهنا بعد عناء أيام مشمسة". ولتخفيف حدة السرد والوصف تلجأ الكاتبة إلى عنصر ثالث من العناصر الفنية للقصة القصيرة، وهو عنصر الحوار السريع مع أخيها ومع أحد الشباب الواقفين على الحدود الفاصلة بين عالم المدينة وعالم القرية. وعلى الرغم من السعادة البادية على محيا الفتاة الأفريقية فإن ما يؤرقها حقيقة هو معنى الحياة. يبدو أن الحل أو الإجابة عن سؤالها الكبير يكمن في التعليم الذي رمزت الكاتبة له بالمدرّسة، وينطلق من الثقافة والمعرفة المتمثلة في تلك الفتاة التي تضع النظارة على أنفها الدقيق، بفستانها الغامق: "وكانت تضع النظارة على أنفها الدقيق بفستانها الغامق، وشعرها المسرّح على طريقة بنات المدن". إن هذه الفتاة صاحبة النظارة رمز للثقافة والمعرفة بينما كانت المدرسة رمز التعليم والتعلم، ولكن يظل السؤال: "هل هي الحياة؟" مطروحا، وتنتهي القصة بالتساؤل نفسه "العالم المسحور الذي ينكشف من عينيها الغافيتين خلف النظارة .. ينادي، يغرقنا دون أن نعي: "هل هي الحياة"؟ ويظل السؤال مطروحا والإجابات لا نهائية، فهل ستجد لذة الحياة في الثقافة والمعرفة ورموزها المتعددة؟  إننا إذا أردنا أن نرصد كيفية تطور السؤال منذ بداية القصة وحتى نهايتها المفتوحة واللانهائية سنجد أن تطوره كان على النحو التالي: 1 – البداية كانت نظرة الفتاة المتأملة من خلال فتحات النافذة الصغيرة إرهاصا لما يعتمل بداخلها "الأقفاص الحادة التي تغلف الأعمار .. لم تمنع العيون المحدقة بلا هدف أحيانا من التطلع إلى المستقبل غير واضح الرؤى"، وهكذا فإن الرؤية أمامها كانت غائمة. 2 – تمسكها بالأرض وبضوء القمر وجلسة والدها المهيب وسط الحلقة يمنحها شيئا من الطمأنينة والأمان. 3 – على الرغم من احتفائها بالطبيعة فإن سقوط والدها أو وفاته أو رحيله عن الحياة، يفجر التساؤل من جديد: "فرت هاربة كأني أناشدها التوقف .. ألثم خد العشب الندي .. أتوسل لرطوبته الدافئة أن تبقى .. إنها الحياة". 4 – إذن فلتبحث عن الحياة في مجال التعليم أو التعلم الذي رمزت إليه بالمدرّسة: "تذكرت أن لدينا من ثمار المدينة ما يسمونه المدرسة .. ولكن هل هي الحياة؟". والسؤال أو التساؤل يحمل ظلالا من الشك في أن التعليم سيكون هو الحل لأزمتها، ولكنها تمضي إلى بيت المدرسة عسى أن تجد في التعليم حلا. وبالفعل تتوصل من خلال التعليم إلى العلم والثقافة والمعرفة متمثلة في تلك الزميلة التي تضع النظارة على أنفها، ولكن على الرغم من ذلك فإن السؤال يظل قائما: "هو العالم أخيرا يقبل القدوم إلينا .. ها هو ذا سحر جديد يسري في دمائنا. لم نعد مجرد جسد مرهق وأصابع مزقتها قسوة الحصاد .. ولكن هل هي الحياة؟" إن في قولها "هو العالم أخيرا يقبل القدوم إلينا" يعني أنها وجدت الحل فعلا أو وجدت ضالتها في ظل العلم والثقافة والمعرفة. ولكن يبدو أن هناك شيئا ناقصا في داخلها، فهل يعني ذلك أنه من الصعب تحقيق المعادلة أو المزج بين العلم والثقافة والمعرفة والتمدن، وبين العودة (المحتومة) إلى الحقل والحصاد وعالم الطبيعة الساحر المتمثل في ضوء القمر: "في الليل كثيرا ما يعن لي أن أناجي القمر. أعدد على ضوئه ما أعشق ويتواتر السؤال: هل هي الحياة التي تستحق أن تعاش؟ ستكون وسط عالم الطبيعة الساحر بين الأشجار والنباتات والجذوع والثمار والأرض العطشى للارتواء، أم وسط عالم التمدن والتحضر والثقافة العصرية ومتطلباتها؟ لذا تجيء الأسئلة السريعة والمتتالية والتي لكي نجيب عنها لا بد لنا من وقفة تأملية طويلة لنرى هل نستطيع بالفعل الجمع بينهما، أم لا بد أن نختار إجابة واحدة فقط "بعد الضوء على ان يكون سيد الموقف فوق كل شجرة، فوق كل نبتة، وجذع .. هل هي الحياة". "العودة إلى الأرض .. قدر .. وأنا امرأة الأرض العطشى تحبو فوقها تطلب المزيد. هل هي الحياة؟ العالم المسحور الذي ينكشف من عينيها الغافيتين خلف النظارة ينادي، يغرقنا دون أن نعي .. هل هي الحياة؟" إن السؤال المتكرر "هل هي الحياة؟"، "هل هي الحياة"" .. هو الشريان الرئيسي لمثل هذه القصة ذات الدلالات والإيحاءات الغنية وذات المستويات الرمزية المتعددة، ولكن الشيء الوحيد الذي أفقد الرمز العام أو الكلي بعض خصوصيته هو تحديد المكان بالعاصمة الغانية "أكرا"، فلو لم تذكر الكاتبة فوزية البكر اسم المكان صراحة لتخيلنا نحن العديد من الأماكن التي من الممكن أن تحتضن مثل هذه الفتاة الواعية لوجودها وكينونتها، ولكونها أنثى أو امرأة.  ومثلما بدأت الكاتبة قصتها بالتأكيد على أنها امرأة فإنها قرب النهاية تعود لتؤكد على هذه الصفة مرة أخرى، فتقول: "أنا امرأة الأرض العطشى .. تحبو فوقها تطلب المزيد". يذكر أن قصة "حياة من روق" نشرت في المجموعة القصصية المشتركة "أذرع الواحات المشمسة" التي أصدرها نادي القصة السعودي لتسعة عشر كاتبا وكاتبة من المملكة العربية السعودية.

مشاركة :