من الصعب وجود تعريف محدد للمنشآت الصغيرة والمتوسطة، هل يمكن قياسها صغر المنشأة أو كبرها، تبعاً لرأس المال، أم المبيعات، أم لعدد العمالة، أم هو خليط من هذه العناصر مجتمعة؟ ولكن بعيداً عن هذه المقاييس، وبعيدا عن دور هذه الشركات وأثرها في اقتصادات العالم المتقدم، وسيطرتها على السوق، وقدرتها على استيعاب الموظفين في هذه الدول، على خلاف اقتصادنا، الذي لا تشكل المنشآت المتوسطة والصغيرة العاملة نسبة كبيرة، وحين أقول الشركات العاملة فأعني بها التي لها فعلا حضور حقيقي وفاعل في الاقتصاد، وليست مجرد شركات شبه وهمية، ولعل من أولى مهام الهيئة العامة للمشروعات المتوسطة والصغيرة التي أقرها مجلس الوزراء في زمن تعاني فيه معظم الدول من ركود وكساد، لتأتي هذه الهيئة من أجل دعم هذه الشركات، ليس بالتمويل فحسب، وإنما بتقديم الدعم المستمر في متابعة نشاطها، ونموها، وجعلها مؤثرة في نمو الاقتصاد، وفي توليد الوظائف، والإسهام في تخفيف معدلات البطالة في المملكة. هذه الشركات الصغيرة والمتوسطة التي لها دور رئيس في حراك اقتصادات العالم، هي ما يجب أن توليه الدولة أهمية كبرى، خاصة تلك الشركات التصنيعية، التي تستخدم المواد الخام من الثروات الطبيعية، من أجل الحصول على القيمة المضافة، فمعيار النجاح في أي اقتصاد هو أن تتمكن الدول من استثمار المواد الخام من الثروات الطبيعية، وعدم تصديره للخارج في شكله الخام الأولي، وإنما الاستفادة منه في صناعة السلع الوسيطة والنهائية، وهو ما يعود على الاقتصاد بالنفع العام، وكسب هامش المبيعات والأرباح من خلال التصنيع، فضلا عن فرص توظيف المواطنين. على هذه الهيئة الجديدة أن تدرك أن مسؤوليتها تجاه هذه الشركات مسؤولية كبيرة وعظيمة، فلازبد من تشجيعها على التصنيع، ومنحها تسهيلات في الحصول على المواد الخام، وبأسعار تشجيعية، وكذلك حمايتها من منافسة المؤسسات التي تسهم في ظاهرة التستر التجاري، ودعمها تقنياً ومعرفياً، والتركيز على فئة الشباب، سواء كملاك وشركاء فيها، أو كقياديين وموظفين، فهي ستسهم في استقطاب الشباب من الجنسين، وهذا بدوره سيخفف من تنامي معدل البطالة، ومن أكبر التحديات التي قد تواجه الشركات المتوسطة والصغيرة توفر الأيدي العاملة، فالتشدد في منح تأشيرات العمل لهذه الشركات، في مقابل تسريح العمالة في المدن والقرى، ضمن مرض خبيث ينخر المجتمع، اسمه التستر، هو ما يضر هذه الشركات من جهتين، التستر من جهة، والحرمان بالتقشف من الأيدي الفنية العاملة! أخيراً، إذا كنا نرغب بنمو اقتصادنا عبر دعم هذه المشروعات، كي تنتقل إلى شركات كبرى، علينا ألا نحملها فوق طاقتها، وننتظر منها الإسهام الكبير في التوظيف وتوطين الوظائف والسعودة، فهي تحتاج إلى صبر ووقت طويل حتى تؤتي ثمارها، وحمايتها من الإفلاس والانسحاب السريع من السوق، وكذلك علينا عدم التعجل في نتائج هذه الهيئة العامة للمشروعات المتوسطة والصغيرة، فهي أيضا بحاجة إلى الوقت، كي تنظم السوق، وتبني اقتصاداً قوياً، قائماً على هذه المشروعات المتوسطة والصغيرة. مقالات أخرى للكاتب ذهنية الصرف المالي! إيمان وتركية في بيوت متنقلة! توليد الوظائف والرد الآلي! الوطن أكبر من رفحاء! تجربة الدخل المحدود
مشاركة :