هل يختفي الكتاب الورقي ؟

  • 11/8/2015
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

سؤال يجسد خوف الناشرين والعاملين في سوق الكتب، وما زال يحتل مساحة كبيرة من تفكير المثقفين، فهل سيختفي الكتاب الورقي كما اختفت صناعات كثيرة حل محلها ما يتناسب مع تقنيات العصر وإيقاع الحياة فيه، بعد أن ظلت للكتاب سيادته المعروفة على كل منافذ المعرفة رغم قلتها إلى وقت قريب من هذا العصر. وفي دور النشر الكبرى في العالم يطرح هذا الموضوع بشدة، تحسبا لما يأتي به المستقبل من تقلبات لم تعد مفاجئة في صناعة الكتاب الورقي، ومعظم دور النشر تلك، أصبحت على أهبة الاستعداد للتعايش مع الوضع الجديد الذي جلبته التقنية الإلكترونية لهذه الصناعة بعد أن ازدهرت طوال القرون الماضية، وسيستمر ازدهارها حتى وإن لبست ثوبا جديدا، لتظهر بشكل جديد يتناسب مع إيقاع العصر، وسر بقاء الكتاب - الورقي أو الإلكتروني - هو أنه وسيلة التوصيل الأكثر موثوقية في حفظ وتوصيل المعلومة، وسيظل خير جليس للباحثين عن المعرفة، أو الساعين إلى التمتع بروعة الإبداع الجميل، مما يقدمه عباقرة الفن والأدب، وقد ظلت الكتب الخالدة في طبعاتها الورقية ملاذا للمتعطشين إلى اكتشاف عوالم جديدة على خارطة الإبداع، تتعدى تخوم يوتوبيا التقليد، متنقلة في فضاءات التجلي الإنساني التي لا تحدها حدود، وهي في ذلك لا تمتطي متن السحاب، ولكنها تمتطي متن الكتاب، ورقيا كان أو إلكترونيا. وهواة القراءة عبر الكتاب الورقي يراهنون على بقائه أزمنة قادمة كبيرة، لأنه يتيح لقارئه فرصة التأمل والتأني واختراق السجف التي قد يغلف بها المبدعون عقولهم - طواعية أو اعتسافا - عندما يصرون على قول ما لا يقال بالمواربة أو الاستعارة أو التضمين، أو التوغل في الإبهام وعدم الوضوح، ولعلنا لا نتجاهل أن التقنية قد تدخلت في توصيل الكتاب إلى المتلقي منذ زمن طويل، عندما نقلت السينما بأدواتها المبهرة أهم الإبداعات الروائية في الأدب العالمي، وما السينما إلا الخطوة الأولى المبكرة في نقل الكتاب الورقي المقروء إلى كتاب ميكانيكي بواسطة السينما، وصولا إلى الكتاب الإلكتروني بواسطة الحاسوب، وقبل هذا وبعده كان للمسرح دوره أيضا في نقل الدراما من الكتاب إلى تجسيد الأحداث والشخصيات على خشبة المسرح، مما يعني أن الكتاب الورقي رغم سطوته الطاغية في التوصيل إلى المتلقي، لكنه لم يكن الوحيد في النقل، وإن ظلت مادته هي الأساس في عملية التواصل بين المبدع والقارئ، بل أن الموسيقى أيضا هي وسيلة من وسائل تطويع مادة الكتاب بأدواتها الخاصة، بما ترجمته من أعمال كلاسيكية بواسطة الأداء السيمفوني الأوبرالي الأكثر تقدما في آلياته وتقنياته ونخبويته. المكتبات الكبرى في العالم بمبانيها الضخمة ومعارض الكتب الدولية، لن تختفي حتما، وإن اتخذت مسارا جديدا في تعاملها مع الكتاب، وهي لن تحيل أمهات الكتب إلى مخازنها بل ستتركها لمتناول من يريدها، إلى جانب الكتاب الإلكتروني، وربما ظلت على هذه الحال لسنوات طويلة قادمة، وهذا يعني تراجعا فعليا في دور المطابع التي ستتحول مع الزمن إلى تقديم منجز إلكتروني، بعد اختفاء المنجز الورقي، وكل هذه الفرضيات لا تعتمد على دراسة واقعية أو إحصائيات بحث دقيقة، لكنها استقراء لواقع محتمل لم يعد بعيدا عن المستقبل المنظور. ولن يكون الكتاب الإلكتروني في النهاية هو طوق النجاة للكتاب، إذ من المتوقع إن لم نقل من المحتم أن تطورات قادمة سيشهدها المستقبل، وربما في ذلك الوقت القادم يصبح الكتاب الإلكتروني (موضة قديمة) في زمن لا يعلم إلا الله تفاصيل الحياة فيه، بمعنى أن ظواهر التغيير تجوز على كل منجز إنساني دون استثنائي، وعلينا التعامل مع أي منجز جديد، دون حساسية أو رفض، وعلينا أن نفتح نوافذنا المغلقة لاستقبال رياح التغيير، والاستفادة منها قبل أن تصبح عواصف هوجاء لا طاقة لنا على الوقوف في وجهها ومحاولة صدها، ولن نفلح في ذلك أبدا.

مشاركة :