وسط مخاوف متنامية بشأن تغير المناخ والاضطرابات الاجتماعية، يلجأ المستثمرون المؤسسيون على نحو متزايد إلى تطبيق المعايير البيئية والاجتماعية وقواعد الحوكمة في قراراتهم بشأن محافظهم الاستثمارية. ولكن برغم أن المستثمرين يجب أن يضعوا في حسبانهم العوامل البيئية والاجتماعية وقواعد الحوكمة، فإن التركيز الجديد يهدد بحجب قضية أخرى أكبر حجماً: الدور الذي تضطلع به الشركات في العملية الديمقراطية. ينص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (المادة 21، القسم الثالث) على أن «إرادة الشعب هي أساس سلطة الحكومة. ويجب أن يأتي التعبير عن هذه الإرادة في انتخابات دورية ونزيهة». وعلى هذا فإن الديمقراطية حق من حقوق الإنسان، مما يعني أن المسؤولية الاجتماعية الأولى للشركات ــ سواء أكانت ملكيتها فردية أم كانت قيمتها عِدة تريليونات من الدولارات ــ تتمثل في الامتناع عن تقويض الديمقراطية، سواء أكان ذلك في الداخل أم الخارج. قد يعتبر كثيرون هذه النقطة واضحة أو غير ذات صِـلة. فما علاقة الشركات بالديمقراطية؟ الواقع أن العديد من الشركات تضطلع بدور رائد في تشويه العملية الديمقراطية، التي تتمثل وظيفتها اللائقة في تحويل الإرادة الشعبية إلى عمل تشريعي. اسمحوا لي بتوضيح هذه النقطة بالاستعانة بأمثلة من الولايات المتحدة، التي جرت العادة على اعتبارها الديمقراطية الأكثر تقدماً في العالم. من الواضح أن تأثير الشركات على العملية السياسية الأمريكية لا يثقل كاهل مواردنا المالية العامة ويدمر بيئتنا فحسب؛ بل ويقوض أيضاً ديمقراطيتنا بشكل جوهري. الواقع أن الديمقراطية تستحق الحفاظ عليها ما دامت تؤدي وظيفة تحويل تفضيلات الناخبين إلى سياسات. لكن إذا فشلت في ذلك، فما الداعي للحفاظ عليها؟ الديمقراطية في نهاية المطاف ليست فَـعّـالة ولا يسهل الحفاظ عليها بتكلفة زهيدة. فإذا لم يكن بوسع الناخبين أن يضعوا ثقتهم في ممثليهم المنتخبين لتمثيلهم بنزاهة، فسوف يتحولون إلى دعم متطرفين على استعداد لهدم النظام الفاسد. في ظل هذه المخاطر، يجب أن يكون الامتناع عن التدخل في العملية الديمقراطية جزءاً لا يتجزأ من المسؤولية الاجتماعية الأساسية لأي شركة. صحيح أن الاعتبارات المتعلقة بالمعايير البيئية والاجتماعية وقواعد الحوكمة مهمة؛ لكن إذا فشلت أي شركة في احترام معيار الديمقراطية، فلا يهم مدى جودة أدائها في ما يتصل بالمعايير البيئية والاجتماعية وقواعد الحوكمة. كما تُـظـهِـر فضيحتا FirstEnergy وExelon، فإن مخاطر اللعب القذر من الممكن أن تغمر كل الفوائد المترتبة على مراعاة المعايير البيئية والاجتماعية وقواعد الحوكمة المزعومة. على النقيض من هذا، إذا لبت أي شركة متطلبات الديمقراطية لكنها فشلت في مراعاة المعايير البيئية والاجتماعية وقواعد الحوكمة، فسوف يظل من الممكن الاعتماد على الإدارة السياسية للمساعدة في حل هذه المشكلات المتبقية. لهذا السبب، يجب أن تأتي الديمقراطية دائماً قبل المعايير البيئية والاجتماعية وقواعد الحوكمة. المبدأ الأول للاستثمار المسؤول إذن يجب أن يكون ضمان عدم انتهاك الشركات لقواعد اللعبة الديمقراطية أو إعادة كتابتها، سواء في الداخل أم الخارج. الواقع أن القيام بهذا أمر ممكن تماماً، وهو يبدأ باشتراط الشفافية الكاملة حول مكان إنفاق أموال الشركات. الواقع أن القرار الصادر عن المحكمة العليا في الولايات المتحدة عام 2010 بعنوان «مواطنون متحدون» ربما مهد الطريق لتدخل أموال الشركات في السياسة دون قيد، لكنه لا يحمي حق الشركات في إجراء مثل هذه النفقات دون إبلاغ المساهمين فيها. * أستاذ الموارد المالية في جامعة شيكاغو. opinion@albayan.ae طباعة Email فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App
مشاركة :