جدل واسع وانقسام بخصوص الحاجة إلى جرعة تنشيطية للقاحات كرونا بين الخبراء. توصيات رسمية لأخذها تقابلها أسئلة عديدة تنتظر إجابات عليها. فما هي تعليلات الخبراء؟ الجرعة التنشيطية للقاحات إلى أي مدى هي ضرورية؟ بعد أن عاودت الإصابات ارتفاعها في العديد من بلدان العالم خاصة في أوروبا، بدأ الرهان على الجرعات التنشيطية للقاحات ضد مرض كوفيد-19 الناجم عن فيروس كورونا المستجد. حملات التطعيم الإنعاشية بدأت في إسرائيل والولايات المتحدة ولتصل إلى ألمانيا وبلدان عربية كالمغرب وتونس ودول الخليج وغيرها. في البداية جرى الحديث عن تطعيم المتقدمين سنّا والمرضى بشكل مزمن أو بنقص المناعة. ولكن بعد ذلك بدأت توصيات تصدر تباعاً حول أهمية أخذ الجرعة التنشيطية بالنسبة للجميع. هذا التطور أحدث تساؤلات وإحباط شديد لدى الكثيرين من العامة الذين اعتقدوا أن نهاية الجائحة اقترتت، خاصة عند بداية التطعيم قدمت العديد من الشركات لقاحاتها على أنها فعّالة بنسبة تزيد عن تسعين بالمائة. الجدل لم يقتصر على الشارع فقط، بل هو بات محط نقاش بين الدوائر المختصة وبين الخبراء، انطلاقا من سؤال جوهري حول مدى ضرورة أخذ جرعة ثالثة أو تنشيطية. انقسام بين الخبراء والمختصين يرى قسم من العلماء ممن يراقبون تطورات البيانات الوبائية أن الوقت بات مناسباً لهذه الخطوة، لكن البعض الآخر لا يخف قلقه من ذلك بدعوى أن اللقاحات من جرعتين ما زالت فعّالة للغاية من حيث تقليل معدل الأشكال الحادة من الوباء والوفيات. وقد صوتت لجنة استشارية تابعة للإدارة الأميركية للأغذية والعقاقير (إف دي إيه) في أيلول/سبتمبر الماضي ضد حصول الجميع على جرعة معزِّزة، وحصرت أهليتها بفئات معينة من السكان فقط (الأكبر سنا والأكثر عرضة والأضعف). لكن وبعد قرابة الشهرين، ظهرت نتائج لدراسات سريرية أجرتها مختبرات فايزر على نحو 10 آلاف شخص يبلغون 16 عاما وما فوق، بيّنت أن فعّالية اللقاحات بعد الحصول على جرعة معززة، ارتفعت إلى 95,6 بالمائة ضد المرض المصحوب بأعراض. واعتمدت هذه الدراسة على بيانات من ملقحين في إسرائيل بحكم أنها أول بلد باشر عملية التلقيح بجرعة معززة. بيد أن القسم المشكك بين الخبراء يقول إن الدراسة المذكورة قامت بها شركة فايزر. وهي ذات الشركة المنتجة للقاح بالتعاون مع شركة بيونتيك الألمانية، وبالتالي ليست طرفا محايدا نظرا للجانب الربحي. غير أن السلطات الصحية في بريطانيا كجهة رسمية قدمت بيانات تؤكد على ما أشارت إليه بيانات شركة فايزر المذكورة. تشير إلى أشخاصاً من خمسين عاماً إلى ما فوق، حصلوا على مستوى حماية أعلى مما تحقق بعد الجرعتين الأوليين. وهذا دليل يعزز نظرية المؤيدين بشأن أن الجرعة التنشيطية تقوم بدورها بفاعلية في تحسين مستوى المناعة لدى الأشخاص. تراجع فعّالية اللقاحات الأولى؟ على موقع الحكومة الألمانية الرسمي نقرأ توصية واضحة لأخذ الجرعة الثالثة بدعوى أن "فاعلية الجرعة الأولى والثانية من اللقاحات تضمحل" مع الوقت. فإلى أي مدى هذا الأمر صحيح؟ في 13 من أيلول/ سبتمبر الماضي صرحت مجموعة من الخبراء الدوليين مؤلفة من أخصائيين من منظمة الصحة العالمية ووكالة الأغذية والعقاقير الأميركية وهيئات بحثية عدة في العالم بياناً ذكروا فيه، أن "البيانات الراهنة لا تظهر حاجة في جرعات لقاح معززة للسكان عموما" وإنما لدى "الحالات الأخطر" فحسب. في هذا الإطار أعربت منظمة الصحة مراراً عن معارضتها لمبدأ الجرعة المعززة لكل السكان، وتعتبرها إجراء لا أساس علميا له ومجحفا في حق الدول الفقيرة التي لم تحصل الغالبية العظمى من شعبها حتى على الجرعة الأولى على الأقل. لكن تجدر الإشارة إلى أن هذه التصريحات أطلقت ما قبل شهرين وتمّ تكرارها هنا وهناك. هل من جديد؟ في حوار أدلى به لموقع "تسايت أولاين" الألماني بتاريخ الأول من أكتوبر/ تشرين الأول 2021، يشدد ليف إريك ساندر، رئيس مجموعة أبحاث المناعة ولقاحات العدوى في مستشفى شاريتيه ببرلين، إلى أنه وعند انطلاق حملة التطعيم الواسعة في البلاد، بات ممكناً إجراء دراسات مواكبة دون الحاجة إلى بيانات الشركات المنتجة، واتضح أن نسب المناعة تقل مع مرور الوقت. دراسات مماثلة في بريطانيا وإسرائيل خلصت إلى ذات النتيجة. تمّ تلتها دراسة أجراها مركز محافظة الأمراض الأمريكي CDC، خلص فيها إلى أن فاعلية لقاح فايزر/ بيونتيك انخفض من 77 في المئة بعد أربعة أشهر، في حين ظلت مودرنا مستقرة تقريبا مع فعالية 92 في المئة. ما هي مخاوف الطرف الآخر؟ حتى تراجع نسبة الفاعلية، أمر لا قنع الكثيرين من الخبراء على ما يبدو. وهكذا نقرأ في "ذي لانسيت" عن مجموعة من الخبراء الدوليين أنه حتى لو تراجعت نسبة الأجسام المضادة لدى الملقحين فهذا لا يعني أن اللقاحات باتت أقل فاعلية في مواجهة الأشكال الخطرة من المرض. وشدد هؤلاء على أن جانبا آخر من الاستجابة المناعية المعروفة بالمناعة الخلوية تبدأ عملها لكن لا يمكن قياسها بسهولة. إلى ذلك، اعتبر الخبراء أنه من الأفضل العمل على التوصل إلى جرعات معززة معدة خصيصا لمواجهة المتحورات المقاومة التي قد تظهر في المستقبل بدلا من إعطاء جرعات إضافية من لقاحات موجودة راهنا. نقاط الخلاف أولا لا بد من الإشارة إلى أن الفريقين معا متفقان على ضرورة تمكين الأشخاص المسنين وأولئك الذين يعانون من مرض مزمن ونقص المناعة من الجرعة الثالثة. النقاط الخلافية تنصب حول تعميمها على الجميع. من منظور براغماتي بحتي نجدد أن الطرف المشكك له تساؤلات حول مغزى هذه الجرعة يمكن حصرها في ثلاث نقاط: الفعالية: الجرعة الثالثة لا تقي تماما من الوفاة بسبب الإصابة على الأقل في ما يتعلق بالجرعتين الأوليين. وفقاً لبيانات جامعة مينيسوتا فإن "حالات الوفيات في صفوف الأشخاص الذين لقّحوا ليست معدومة"، وإن تراجعت بفضل اللقاح بشكل كبير، إذ تسجّل وفاة واحدة لكل 100 ألف شخص ملقّح في الأسبوع (مقارنة بـ 14 حالة لكل 100 ألف لدى الأشخاص غير الملقّحين). الهدف: تقول سيلين غوندر المتخصصة في الأمراض المعدية والأستاذة في جامعة نيويورك أن الخلاف ينبع من عدم توافق الآراء حول الهدف المنشود، متسائلة "هل تحاولون منع الأشكال الحادة من المرض وحالات دخول المستشفى والوفيات؟ أم أنكم تحاولون منع العدوى وانتقالها؟". وترى أن في الحالتين، ليست الجرعات المعززة بالضرورة هي الاستجابة الأنسب، وفقا لها. لأن أفضل طريقة في هذه الحالة على حدّ تصريحات نقلتها عنها الوكالة الفرنسية، تكمن في تحقيق نسبة عالية من التلقيح. انتقال العدوى: من أهم الحقائق التي يستند عليها المشككون، هي عدم قدرة اللقاحات حتى بجرعتها الثالثة من حصر العدوى خصوصا بسبب فترة الحضانة السريعة للفيروس في جسم الإنسان، ف ي ظل رفض قسم كبير من تلقي اللقاح ما يمنع من بلوغ درجة المناعة العامة المطلوبة. و.ب/ ع.ج.م (وكالات + مواقع)
مشاركة :