ما الذي تم اسقاطه بالضبط في ليبيا عندما أطيح بالرئيس الليبي السابق معمر القذافي؟ دكتاتور أم بنية سلطة تؤدي عملها؟ لقد كان متوقعاً تماماً أن الغزو العسكري سيكون فشلاً ذريعاً. وللأسف فإن الدروس المستقاة من حرب العراق لم تنبه قادة حلف ناتو إلى النتائج الكارثية لمهمتهم التأديبية. لقد حدد الاستراتيجيون الغربيون، بالطبع، الأماكن التي يجب أن يستهدفوها من أجل القضاء على عدوهم. وأوجدوا تفاصيل عن معاقل القذافي المحصنة، وعن القواعد الجوية، وعن مراكز التنصت والحرب، وعن كل شيء. إلا أنهم فشلوا في الأخذ في الحسبان الأمر الأكثر أهمية، وهو طبيعة العالم العربي. وهذه الرؤية الشاملة هي التي تحمل مفتاح الفوضى الحاصلة في ليبيا اليوم. لا يمكنك ببساطة شن هجوم على البلاد من دون معرفة عقلية وشخصية شعبها. يمكنك تدمير أي دبابة أو طائرة مقاتلة، أو سحق شبكتها الاستراتيجية كاملة، ولكن في حال لم تعرف طبيعة الناس الذين تتعامل معهم، فإن ذلك سيفتح أبواب الجحيم. اختلط تاريخ علاقات المجموعات العرقية في ليبيا بالغارات العدائية والخيانات والثأر والإحباط الذي ظل مثل الجروح المثيرة للخزي، والتي تقرحت عبر السنوات التي مرت على الأجيال بسبب سعي كل جيل للانتقام من أخطاء الجيل السابق. الواقع الرهيب للوضع في ليبيا هو بالتحديد ما لم يسع قادة حلف ناتو لمعرفته، وإنما اختاروا على نحو خطر أن يتجاهلوا المزيج الفريد للعوامل التي تشكل العقلية الليبية. لقد أصبح أمراً ملحاً أن تشكل حكومة وحدة وطنية في ليبيا، والقضاء على دعم تنظيم داعش والقاعدة. ومن ثم يمكن إعادة الاستقرار إلى المنطقة. والفشل في ذلك يعني أن انهيار القانون والنظام سيصدر إلى بقية العالم. وحل الأزمة الليبية يعني جلب السلام للدول العربية الغارقة في الفوضى.
مشاركة :