يحدثنا الكاتب الباحث العربي الدكتور تيسير الغول عن العالم المشهور أبي حنيفة النعمان فيقول: «قد يغلب المظهر أحياناً على المضمون فتخيب فراسة الرائي وتتحطم على أسوار المظهر والهندام والهيئة .وذلك ما حصل مع أبي حنيفة النعمان الإمام الأعظم الذي ملأ الأرض علماً وفتوى . ولكن خابت منه الفراسة لأجل المظهر رغم قوة فراسته ودقة ملاحظته وشدة ذكائه التي لا تقارن مع أحد من معاصريه. كان العالم الجليل يجلس مع تلامذته في المسجد . وكان يمد رجليه بسبب آلام في الركبة قد أصابته . وكان قد استأذن طلابه أن يمد رجليه لأجل ذلك العذر . وبينما هو يعطي الدرس مادّاً قدميه الى الأمام. إذ جاء إلى المجلس رجل عليه أمارات الوقار والحشمة فجلس بين تلامذة الإمام . فما كان من أبي حنيفة إلا أن عقص رجليه إلى الخلف ثم طواهما وتربع تربُّع الأديب الجليل أمام ذلك الشيخ الوقور وقد كان يعطي درساً عن دخول وقت صلاة الفجر. وكان التلامذة يكتبون ما يقوله الإمام وكان الشيخ الوقور ضيف الحلقة يراقبهم وينظر إليهم من طرف خفي. فقال لأبي حنيفة دون سابق استئذان: يا أبا حنيفة إني سائلك فأجبني. فشعر أبو حنيفة أنه أمام رجل ذي علم واسع واطلاع عظيم فقال له : تفضل واسأل فقال الرجل : أجبني إن كنت عالماً يُتَّكل عليه في الفتوى ، متى يفطر الصائم ؟. ظن أبو حنيفة أن السؤال فيه مكيدة معينة أو نكتة عميقة لا يدركها علم أبي حنيفة . فأجابه على حذر: يفطر إذا غربت الشمس. فقال الرجل بعد إجابة أبي حنيفة ووجهه ينطق بالجدِّ والحزم والعجلة وكأنه وجد على أبي حنيفة حجة بالغة وممسكاً محرجاً: وإذا لم تغرب شمس ذلك اليوم يا أبا حنيفة فمتى يُفطر الصائم ؟!!! وبعد أن تكشّف الأمر وظهر ما في الصدور وبان ما وراء اللباس الوقور قال أبو حنيفة قولته المشهورة التي ذهبت مثلاً وقد كُتِبَتْ في طيات مجلدات السِّيَر بماء الذهب : آن لأبي حنيفة أن يمد رجليه. تذكرت هذه القصة عندما قرأت مقالاً حسبته مهماً عن فن التخاطب مع الإعلام الغربي ثم أتبعه الكاتب بمقال آخر حول ماذا كان سيفعل لو وجه له الإعلام الغربي الأسئلة نفسها، وليته لم يفعل، لأن ما كتبه في المقال الثاني قد أفسد عليه نشوة التخفي خلف مبدأ حرية المخالفة في الرأي وجعلني أترحم على أبي حنيفة وأنا أردد عبارته الشهيرة!! afcar2005@yahoo.com
مشاركة :