تخفيض وكالة «ستاندر أند بورز» لتصنيف المملكة الائتماني غير موفق من الناحية التحليلية المهنية

  • 11/9/2015
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

مثل عالمي مشهور يقول إذا كان بيتك من زجاج فلا تقذف الآخرين بحجر، ذلك ما ينطبق بشكل واضح على بعض شركات ووكالات التصنيف الائتماني العالمية وعلى رأسها وكالة ستاندرد أند بورز. وقبل أن نبدأ بطرح رؤيتنا حول حديث الساعة في مجتمع الأعمال المحلي وهو تخفيض وكالة ستاندر أند بورز للتصنيف الائتماني للمملكة درجة واحدة وكذلك لبعض البنوك التجارية السعودية، فلابد أن نذكر هنا وبكل حيادية أن وكالة ستاندر أند بورز Poor’s & standards تعتبر أحد أهم وكالات التصنيف الائتماني في العالم في تقديم معلومات الاسواق المالية العالمية للمستثمرين الراغبين في اتخاذ القرارات الاستثمارية، من خلال تزويدهم بالتصنيفات الائتمانية الدورية وتقويم المخاطر والابحاث المختلفة المستمره التي تخص الاستثمار في ادوات او منتجات مالية للشركات أو الدول، ويعمل لديها ما يزيد قليلا عن 7500 موظف وتتوزع مكاتبها في حوالي 21 بلداً حول العالم وهي بدأت بإصدار درجات التصنيف الائتماني للاوراق المالية منذ العام 1922، ولها تاريخ طويل وسجل حافل بالعمل والانجازات بالرغم من بعض الاخفاقات التي سنتحدث عنها لاحقا في هذا المقال. لا شك أن ازدهار نشاط التصنيف الائتماني وتعدد أنواعه في العشرين سنة الاخيرة وحتى وقتنا الحالي، كان نتيجة مباشرة لانفتاح الاسواق المالية وتزايد الاصدارات من المنتجات المالية المركبة والمعقدة ذات المخاطر المرتفعة، وأصبح هناك العديد من الوكالات العالمية التي تقوم بصناعة التصنيف الائتماني وإصدار درجات التصنيف الائتمانية، والتي من أهمها وكالة "موديز لخدمة المستثمرين" ووكالة "ستاندر أند بورز" ووكالة " فيتش للتصنيف" وكل منها يمارس نشاطه في تقويم قدرة الدول والشركات والمؤسسات المالية على الوفاء بالتزاماتها المالية بصورة دورية، حيث تنتشر فروع هذه الوكالات التي تتمتع بتأثير قوي في عالم المال واكتسبت ثقة الحكومات والمستثمرين في كثير من دول العالم. كذلك ساهم تأثير تلك الوكالات القوى وثقتها التي اكتسبتها مع مرور الزمن في تحولها كأحد أهم اللاعبين في النظام الاقتصادي العالمي وهذا أمر ملاحظ وملموس، كما جعلها تلعب دوراً محورياً في الاسواق المالية من سلع وخدمات، والحقيقة أن لهذه الوكالات دوراً أساسياً في دعم عنصر الشفافية في الاسواق عن طريق المساهمة في حل مشكلة القصور في كفاءة المعلومات والبيانات بين المقرضين والمقترضين من جانب، والمقرضين والمستثمرين لاتخاذ قراراتهم بثقة أكبر من جانب آخر، وفي الكشف عن الملاءة المالية وتحديد درجة المخاطر المرتبطة بالشركات من خلال ما تصدره من تصنيفات ائتمانية في شكل درجات ومستويات محددة. وفي السنوات الاخيرة وبعد توالي الازمات المالية وانتشارها بشكل سريع بين الاسواق، واجه العالم وخصوصا العاملين والمتخصصين في مجال الاسواق المالية ومشتقاتها أن لهذه الوكالات دورا غير مباشر وأحيانا أخرى كثيرة مباشر كأحد الاطراف المتورطة بشكل أو بآخر في نشوب الازمات المالية العالمية منذ التسعينات وصولا الى الازمة الاخيرة في أكتوبر 2008 وذلك بمنحها تقييمات غير دقيقة واحيانا مبالغ فيها (بعض هذه التقييمات صنفتها بعض جهات التحقيق جرائم مالية) لمجموعة من الشركات والمؤسسات المالية العالمية (بنوك ومصارف استثمارية وشركات تأمين كبرى) قبل فترة قصيرة جدا وأثناء حدوث هذه الازمات. نحن نعلم تماما أن انفتاح الاسواق المالية والمبالغة في إصدار المنتجات المالية المهيكلة والمعقدة أدى إلى ظهور الازمات المالية فيها وترابطها، وانتقال عدواها بين هذه الاسواق، وامتدادها إلى قطاعات الاقتصاد الاخرى، وزيادة عدد الفاعلين والمتسبين فيها، حتى أصبح واضحاً الآثار العميقة لتلك الازمات المالية العالمية على الاقتصاديات المتقدمة والناشئة على حد سواء، كما بات لزاماً أيضاً أن تتحمل الاطراف المسببة لهذه الازمات كل مسؤولياتها بشأن هذه الاثار وهذا مالم يحدث بالشكل الصحيح بالرغم من قيام بعض الاصوات المتخصصة بضرورة وجود عملية مراجعة واسعة النطاق للاشراف والرقابة على هذه الوكالات سعياً لاصلاحها. ما قامت به وكالة ستاندر اند بورز من تخفيض لتصنيف المملكة العربية السعودية الائتماني لم يكن موفقا من الناحية التحليلية المهنية فنحن نعلم أن التصنيف الائتماني السيادي لأي دولة هو رأي وكالة التصنيف الائتماني في تقويم الحالة المستقبلية للمقدرة المالية السيادية ورغبة تلك الدولة في الوفاء بالتزاماتها المالية بشكل كامل وفي الوقت المحدد، وبالتأكيد كلما حصل البلد على تصنيف ائتماني سيادي مرتفع، كلما انخفضت احتمالات عدم الوفاء بالالتزامات المالية في حال تعرض البلد للازمات المالية والاقتصادية وبالتأكيد فان وكالة ستاندر اند بورز لم تستخدم المعايير الكمية والموضوعية الحقيقية لتحديد مخاطر الائتمان السيادية للمملكة وبالرغم من حق وزارة المالية في إبداء رأيها المتحفظ على ذلك التصنيف، فإنه لا يمكن لتلك الوكالة الادعاء بشكل مستمر بان هناك نموذجا موحدا متعارفا عليه بين وكالات التصنيف الائتماني لتحديد مخاطر الائتمان السيادية للدول، فهذا الادعاء ليس حقيقيا بالمفهوم الاقتصادي الواقعي، والحقيقة أن هناك مجموعة من العوامل المتغيرة التي تؤثر على الملاءة المالية السيادية، منها على سبيل المثال لا الحصر التوازن الاقتصادي الكلي والتركيب الهيكلي للاقتصاد، ومدى حساسيته للتعرض للصدمات الاقتصادية، والمخاطر السياسية والمالية العامة للدولة كما أن قوة القطاع المالي والمصرفي وعلاقته باستقرار الاقتصاد الكلي هو عامل وعنصر مهم يضاف عوامل أخرى مثل ميزان المدفوعات، وتدفق رأس المال، بالاضافة إلى تركيبة الدين الخارجي، وللعلم فان من هذه المعايير المهمة التي لم توفق فيها تلك الوكالة عند اصدارها لذلك التقرير يتعلق بالرغبة في سداد الديون المستحقة، وهو أمر مستغرب من وكالة ستاندر اند بورز التي لها تواصل مباشر ومفتوح مع كافة القيادات الاقتصادية الحكومية في المملكة سواء كانوا المسؤولين عن السياسة المالية ممثلين في وزارة المالية او السياسة النقدية ممثلين في مؤسسة النقد. إخفاقات وكالة ستاندر اند بورز ليست جديدة وهي ممتدة منذ الازمات المالية التي ظهرت في النصف الثاني من تسعينات القرن الماضي وبداية القرن الحالي، حيث أخفقت الوكاله بشكل واضح في توقعها بالرغم وجود مؤشرات عليها قبل حدوثها، بالاضافة إلى أنها أدت إلى تفاقم هذه الازمات بعد أن قامت بتخفيض درجات التصنيف الائتماني لبعض الدول خلال أزمة جنوب شرق آسيا عام 1997، والتي أدت إلى زيادة تكلفة التمويل اللازمة لعملية الاصلاح الاقتصادي، وأثبتت هذه الازمات كذلك أن وكالات التصنيف الائتماني خصوصا ستاندر اند بورز فشلت بشكل كبير في تحليلها وقدرتها على قراءة الواقع الاقتصادي لبعض الدول وتكرر ذات الامر في توقع أزمة المكسيك وتعثر الارجنتين في سداد ديونها ويعود ذلك في بعض اراء المحليين الى سوء في قراءة البيانات الاقتصادية وضعف تشخيص الحالة الاقتصادية لهذه الدول وهناك من المحللين من تجاوز ذلك الى اتهامه بشكل واضح بعض كوادر تلك الوكالات بالفساد دون ان يثبت ذلك فعليا وهي بالتأكيد ادعاءات بحاجة إلى أدلة دامغة لإثباتها. وكما هو معلوم فان عمل تلك الوكالات وعلى رأسها ستاندر اند بورز يقوم بشكل أساسي ويعتمد بشكل كبير على الرسوم التي يتم تقاضيها من الهيئات والشركات التي تحتاج الى تصنيفات متميزة لتتمكن من بيع سنداتها ومنتجاتها الاستثمارية، مع حصول المستثمرين على المعلومات دون مقابل، وبعد صدمة الازمة المالية بدأت التساؤلات تطرح حول تضارب هذه العلاقة والمصالح المتحققة من ورائها وشبهات طالت الكثير من مسؤولي تلك الوكالات وخلال المرحلة التي سبقت الازمة في الاوراق المالية المدعومة بالرهونات العقارية الاميركية الخطرة أعطت وكالات التصنيف الائتماني تصنيفات بدرجة AAA (أعلى تصنيف) لاعداد كبيرة من تلك الاصدارات، مما ساهم بشكل كبير في الطلب عليها بشكل محموم وبالتالي زيادة غير مسبوقة وضخمة في إيرادات تلك الوكالات بشكل لم يحصل من قبل في تاريخها. وعند مراجعة بعض المصادر المتوافرة في مواقع هيئات التحقيق الاميركية بالشبكة العنكبوتيه نجد أن هيئات التحقيق الاميركية في الازمة المالية التي تولت التحقيق في أسباب الازمة المالية وجدت ان إحدى هذه الوكالات قامت لوحدها بتصنيف ما قيمته 500 مليار دولار من الاوراق المالية المدعومة بالرهون السكنية خلال الفترة ما بين عامي 2000 و 2007 إضافة إلى قيامها بتصنيف ما قيمته 650 مليار دولار من التزامات الدين المضمونة لنفس الفترة. وقد قامت وكالة ستاندر اند بورز بتصنيف ديون العديد من المؤسسات التي لعبت دوراً رئيسياً في الازمة المالية ضمن درجة الاستثمار، حيث إن هذه المؤسسات التي كانت تحتفظ بالاوراق المالية المضمونة بالرهونات العقارية السكنية أو تؤمن عليها، لم يتم إعادة تقويمها من قبل وكالات التصنيف حتى وقت قريب جدا من الازمة المالية العالمية في 2008، وعلى سبيل المثال أعطت وكالة ستاندر اند بورز بنك Lehman brothers درجه A وأعطت شركة American international group – A.I.G درجة A- وذلك قبل أيام معدودة من تلك الازمة وكما نعلم جميعا فان بنك Lehman brothers قد أعلن أفلاسه واختفى بشكل كان من صناعة الرهون العقارية في الولايات المتحده الاميركية أما شركة التأمين العملاقة American international group – A.I.G فقد قامت الحكومة الاميركية بضخ ما يعادل 85 مليار دولار أميركي من أموال دافعي الضرائب لانقاذ الشركة، وما يشد الانتباه والاستغراب في حقيقة الامر الطريقة التي كانت تعمل بها تلك الشركة في ذلك الوقت العصيب، فكيف لوكالة ستنادر اند بورز بخبرتها العريقة وفريق عملها المحترف والواسع الاطلاع على معلومات الشركات وبياناتها أن ترتكب مثل تلك الاخطاء الفادحة بشكل مثير للدهشة والريبة في وقت واحد. وحتى لا نتهم باننا نتحامل على وكالة ضد أخرى فانني أدعو القارىء الكريم الى مراجعة بعض المواقع المتخصصة وسيجد تصريحا موثقا للسيد " فيل أنجيليدس" رئيس هيئة التحقيق في الازمة المالية" يذكر فيه ان وكالة موديز كانت مصنعاً لتصنيفات AAA أدى توسعها في إصداره إلى أن يقفز سعر سهمها ستة أضعاف في الفترة من عام 2000 إلى عام 2007 وأكمل قائلا (إن المستثمرين الذين اعتمدوا على التصنيفات الصادرة عن وكالة موديز لم يحققوا درجة كبيرة من النجاح) لذلك، فليس مستغربا أن تتجه أصابع الاتهام إلى تلك الوكالات بشأن مدى مصداقيتها وشفافيتها والسبب يعود الى وجود عيوب كثيرة في عمليات التصنيف التي تجريها تلك الوكالات وكذلك الاجراءات المتبعة في هذه التصنيفات. هناك قناعة لدى مجموعة من الحكومات الغربية المتضررة وعلى رأسها الحكومة الاميركية أن وكالات التصنيف الائتماني العالمية (وعلى وجه الخصوص الاميركية منها) ساهمت وإن بشكل غير مباشر في الازمة المالية العالمية كما أن القائمين على تلك الوكالات يعلمون جيدا ان تلك الاخفاقات ساهمت بشكل واضح في إضعاف مصداقيتها وخفض درجة شفافيتها، وإمكانية تعريضها للمساءلة، وهذه حقيقة يعرفها الجميع بما في ذلك الحكومات والمؤسسات المالية وحتى الافراد المستثمرين، ولا نعلم إن كانت الحكومة الاميركية أو باقي الحكومات الغربية حاليا تبحث أهمية وجود هيئة رقابية حكومية لتقييم وكالات التصنيف الائتماني نفسها بعد أن بات واضحاً أن عملها يفتقر في الكثير من الحالات إلى الشفافية. إن إصلاح وكالات التصنيف الائتماني العالمية ومراقبته العالمين فيها ووضع الانظمة والتشريعات مطلب مهم فوجود وكالات التصنيف الائتماني في الاسواق المالية أساسي ولا يمكن الاستغناء عنه ودورها محوري في البنية التحتية للاقتصاد العالمي لما لها من دور فعال في تزويد وتسليح المستثمرين بالادوات والمعلومات اللازمة لا تخاذ قراراتهم. نحن هنا لا ندافع عن أي جهة حكومية سواء وزارة المالية او مؤسسة النقد أو حتى البنوك السعودية الخاصة فهم بالتأكيد أدرى باوضاعهم وكيفية ادارتها، كما أننا نعلم ان التحديات الاقتصادية الحالية بسبب الانخفاض في أسعار النفط والاحداث السياسية والجيوسياسية في منطقتنا لها دور في كتابة مثل تلك التقارير، الا اننا بالتأكيد نرى أن وكالة ستاندر اند بورز لم تكن موفقة في تقريرها الاخير فيما يتعلق بالتصنيف السيادي للمملكة. المراجع : - بحث الأستاذ / مدني أحمد – كلية العلوم الاقتصادية والتجارية وعلوم التيسيير - الاكاديمية للدراسات الاجتماعية والانسانية الصفحة 53 الى 61 -Peter s.Rose.Jone W.Kolari& Donald R.fraster financial institutions & Managing financial services Boston, Irwin, fourth edition 1993 P:10 - مقال بتاريخ 07/08/2011 على الرابط الالكتروني التالي: http: //www.argaam.com/portal/content/articledetail aspxarticleid-224560 - موقع وكالة موديز ووكالة ستاندر أند بورز ووكالة فيتش على الشبكة العنكبوتية.

مشاركة :