دليل حسين كامل لمستقبل مقتدى السياسي آخر رسائل مقتدى الصدر للمرجعية الشيعية: لن أخضع لكم ولا لغيركم. عفوت عنك، فمن يحميك! يفاقم زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر بعد فوز كتلته بالانتخابات التشريعية الأخيرة، الجدل عن كونه زعيما سياسيا قادما إلى الدولة العراقية من الحوزات الدينية. وبينما يتحدّث الصدر في بياناته عن الدولة والحكم الرشيد ومحاربة الفساد ومصادرته السلاح المنفلت، يقوم عناصر جيش المهدي باعتقال ناشط مدني جراء تغريدة واقتياده معصوب العينيين للاعتذار من السيّد مقتدى. لا شيء يجمع بين الرجلين غير الأميّة والافتقار للقدرة على التفكير، لكن الأول المقتول بسبب عجزه عن معرفة مكانته الحقيقية ووضع نفسه في موقع الرجل غير المناسب، ترك ما يمكن أن يكون دليل عمل لمقتدى الصدر الذي بات يتصرف منذ فوز التيار الصدري بالانتخابات التشريعية، كرجل سياسة لحكم العراق، من دون أن يجيب على السؤال التاريخي، عما إذا كان قد غادر المواصفات التي بقي يحلم بها لرجل الدين، الذي لم يصل إلى هامشه. فلن يُؤهل اعتمار العمامة السوداء الشخص ليكون رجل دين. يكاد يكون حسين كامل تعبيرا عن أهم إشارات ضعف نظام الرئيس العراقي السابق، مثله مثل عدد آخر ممن تقلدوا مناصب عليا في الدولة العراقية من دون كفاءة حقيقية. ولأن المنصب كان أكبر من قدرة حسين كامل نفسه، فقد قتله الغرور وتحرك أكثر من المساحة التي كانت يمكن أن تسمح له بها تقاليد الدولة العراقية، مستغلا غطرسته وفرض سلطاته بحكم قربه الأسري من رئيس الدولة. فحسين كامل الذي كان يدوس رؤوس علماء العراق من المهندسين، وهو الجاهل، وحسين كامل الذي كان يدير مخططات عسكرية بين كبار ضباط الجيش العراقي وهو الذي لا يعرف المنهج الأولي لطلبة الكلية العسكرية، وهو نفسه الذي كان يحضر اجتماعات رسم مستقبل البلاد من دون أن يفهم طرق رسم الاستراتيجيات. كان يحاول أن يكون جديرا بكل ذلك فحاول الحصول على شهادة دكتوراه في العلوم السياسية واستعان بأستاذ ليدرّسه، ومن ثم ليكتب له الرسالة. وما أهميتها عندما يكون هو نفسه عاجزا عن التفكير. ما يؤكد ذلك العجز هو ارتكابه أكبر خيانة عظمى بحق العراق في هروبه أولا وكشف أسرار الدولة، قبل خيانة الرئيس الذي منحه ابنته كزوجة. ومن ثم العودة إلى ميدان المذبحة وكأنّ شيئا لم يكن. الأمر الذي يكشف عن جهله المريع بطبيعة سلطة نظام كان يفترض أن يكون جزءا من سلطته التي لا تتردد في قمع الخارج عن ولائها! درس تاريخي ليس بين العراقيين من كان يكنّ أي نوع من الاحترام لحسين كامل قبل مقتله، ولم يترحّم عليه أحد بعد ذبحه، لكنه ترك في سيرته خارطة طريق يسير عليها مقتدى الصدر ذلك درس تاريخي في المدونة السياسية العراقية، فالأسماء الملهمة التي مرت على هذا التاريخ من نوري السعيد ومحمد فاضل الجمالي حتى سعدون حمادي وطارق عزيز، تسلل إلى جوارها نماذج مثل حسين كامل، مثلما يتسلل اليوم حفنة من الأفّاقين ولصوص الدولة وذوي الأصول الوضيعة. مقتدى الصدر وهو يقاتل اليوم ليكون الحاكم الفعلي لعراق السنوات الأربع القادمة، يكاد يكون المعادل السياسي لتخلف حسين كامل. ولسوء حظ العراق أن خصومه وداعميه لا يختلفون كثيرا عنه، فنوري المالكي أكبر “تفاهة سياسية” تقدم نفسها بصلف، بينما نماذج هادي العامري وقيس الخزعلي وقادة الميليشيات، نسخ متدنّية من تخلف مقتدى، وهكذا بقية الأسماء… دعك من الكلام المفرط في مبالغته بشأن فهم مقتدى اللعبة السياسية القائمة وفق الرثاثة التي تحكم العراق اليوم، فمقتدى مثل حسين كامل، عاجز عن التفكير، قبل أن يكون عاجزا عن إيصال ما يريده بجملة مفيدة، لأنه يفتقر إلى الوعي اللغوي الذي عادة ما يستعرض به رجل الدين قدرته في الإقناع، لم يتقدم مقتدى في تعليمه الأوّلي مع كل الدعم والتحريض الذي رافق حياته ولم يستطع عبور المراحل الأولى لدروس الحوزة سواء في النجف أو قم، وهو في عمر الآن وترف مالي وجاه سياسي يحول دون عودته إلى مقاعد الدراسة لإعادة تأهيل نفسه، بوصفه معمما وفق التقويم المفرط بالتفاؤل. فإذا كان حسين كامل يمارس أقسى أنواع الإهانات الشنيعة لعلماء العراق بوصفه مسؤولا للتصنيع العسكري، فإن لمقتدى قدرة التصفية الجسدية وتهشيم الرؤوس والاختطاف باسم الحفاظ على المذهب وسمعة أسرة الصدر. بالأمس اعتقلت ميليشيات جيش المهدي الناشط المدني في انتفاضة تشرين أحمد الوشاح واقتادته معصوب العينيين ليقدم فروض الولاء والطاعة والاعتذار للصدر لمجرد كتابته تغريدة متهكمة على والد مقتدى! أحرقت مزرعة الوشاح وتم تطويق منازل أسرته وأقربائه من قبل عناصر الميليشيات، ومستمر التحريض على قتله. فمزاعم الصدر بأنه أعفى عن الوشاح بمثابة رسالة لا تقبل اللبس لقتَلة جيش المهدي! علينا هنا إذا كان بمقدورنا، أن نعد ضحايا أبودرع الذي كان يهشم الرؤوس على الهوية وهو يهتف باسم مقتدى وآل الصدر ويحظى ببركاته بالأمس واليوم “آخر تصريحات أبودرع يقول كنا أشخاصا سرسرية والسيد الصدر أعاد تربيتنا”، كم أبودرع يوجد في جيش المهدي؟ جهل مقتدى المعرفي لا يقلّ عن المحيطين به وهو يقدمهم كمفاوضين سياسيين وقادة لحكومة يعد لها، فمن يؤمن بجاهل لا يمكن أن يكون أكثر معرفة منه، كذلك هم قادة التيار الصدري. رضا المرجعية كل المؤشرات توحي بأنه لا يمكن الرضا عن مقتدى، من قبل أقطاب المرجعية الشيعية، فمثلما عملت هذه المرجعية على محاربة والده بوصفه خارجا عن طوعها إلى درجة اتهمته بالبعثية ووصفته بمرجع النظام آنذاك، فهي لا يمكن إلا أن تتحسب من الانتقام الكامن والكراهية التي يكنها الصدر لأقطاب هذه المرجعية. وآخر تصريحات الصدر كانت الرسالة الأهم في كل ما جرى بعد الانتخابات التشريعية، عندما يتعلق الموضوع برضا المرجعية عمن يقود الحكومة العراقية، فقد قال الصدر وهو يستقطب مجموعة من الفائزين في الانتخابات “من المستحيل أن أخضع لوصاية خارجية، فأنا لم أخضع لمراجع وليس لدول”. هو يدرك تماما من هم قتلة والده محمد الصدر. وإذا كانت مكانة المرجع الأعلى علي السيستاني تمنع مقتدى من الانتقام اليوم، مثلما “ذبح” عبدالمجيد الخوئي ابن المرجع الشيعي الأسبق بعد ساعات من وصوله إلى النجف مع دخول القوات الأميركية عام 2003، فإنه يعد منذ سنوات للانتقام ممن وقف خلف قتل والده من أقطاب المرجعية سواء من آل الحكيم أو غيرهم، بمجرد وفاة السيستاني. المرجعية لا تثق بمقتدى أولا كشخص، وتدرك تماما طريقة تفكيره، لذلك ستحمي نفسها ومصالحها منه. وإذا افترضنا أنه سيتم السماح لتياره بتشكيل الحكومة، فهل هذا ما ينتظره العراقيون للخروج من مستنقع الفساد والفشل السياسي واستعادة دولتهم المخطوفة من قبل الميليشيات الطائفية. الجهل المعرفي لمقتدى لا يقلّ عن المحيطين به وهو يقدمهم كمفاوضين سياسيين وقادة لحكومة يُعدّ لها الواقع، لا يمكن تخيّل أن العراق سيقف على رأسه كائن سياسي مثل مقتدى الصدر، إلا إذا افترضنا من قبل أن حسين كامل سمح له برئاسة العراق! اليوم مقتدى يحاول تعلم اللعبة السياسية، والاستفادة من الدرس الأول الذي يلقن للسياسيين المستجدين من أن السياسيين الكبار، كذابون كبار! لذلك يتحدث كثيرا عن العدالة ومحاصرة الفساد ومصادرة السلاح المنفلت، ويتحدث كثيرا عن مفهوم الدولة، وهو يجهل بشكل مريع أن تقاليد المسجد والحسينية والطائفة التي تسيره لا يمكن أن تبني دولة. يعرض مقتدى نفسه لدول الإقليم وللولايات المتحدة بوصفه حلا مقبولا، حيال الميليشيات المارقة التي تهدد مصالحها، من دون أن يدرك أنه بكل الخدمات التي يعرضها لا يمكن أن يحظى بثقة الأميركيين. كل التحليلات المفرطة في المبالغة بشأن ذكاء مقتدى الصدر وإدراكه قواعد اللعبة التي تجري في العراق، مجرد كلام أجوف وواهن، فمقتدى كان شريكا فاعلا في المذبحة التي جرت منذ عام 2003 لذلك لن يكون حلا لمستقبل العراق، كما أنه لن يحظى بثقة العراقيين وإن وضع خنجره على رقابهم. كما وضع على رقبة أحمد الوشاح! ليس بين العراقيين من كان يكنّ أي نوع من الاحترام لحسين كامل قبل مقتله، ولم يترحم عليه أحد بعد ذبحه، صحيح كانت الغالبية العظمى تخشى بطشه وتتجنبه. وهكذا ترك حسين كامل في سيرته خارطة طريق يسير عليها مقتدى الصدر، فالذين يحيطون به اليوم مجرد مجموعة من الأفّاقين الباحثين عن مصالحهم الأنانية التي لا علاقة لها بأي مفهوم وطني. ولن يجد من العراقيين مثله مثل نوري المالكي وعمار الحكيم وهادي العامري وقيس الخزعلي.. من يكنّ له احتراما اليوم وغدا، حتى الذين يخشون انتقامه. كرم نعمة كاتب عراقي مقيم في لندن
مشاركة :