رغم أن عديدا من الدول المتقدمة والمستثمرين تدفع من أجل تسريع انتقال الطاقة، إلا أن واقع احتياجات الطاقة واستهلاكها يظهر أن العالم لا يزال بحاجة إلى النفط والغاز وسيكونان جزءا مهما من مزيج الطاقة العالمية لعقود مقبلة. بالفعل سيكون انتقال الطاقة مستحيلا بدونهما. في هذا الجانب، دعا أعضاء "أوبك" وغيرهم من المشاركين في مؤتمر أبوظبي للبترول "أديبك 2021" الحكومات والمؤسسات الدولية إلى توخي الواقعية بشأن انتقال الطاقة العالمي. رغم أن دولا مثل السعودية والإمارات تعمل باتجاه انتقال الطاقة، إلا أنها تجادل أن العالم بحاجة إلى قبول دور النفط والغاز في مزيج الطاقة العالمي. فخلال مشاركته، في مؤتمر "أديبك 2021"، أوضح الأمير عبدالعزيز بن سلمان وزير الطاقة السعودي أن المملكة تركز بشكل أكبر على خفض الانبعاثات، لمواجهة ظاهرة تغير المناخ. إذ أشار إلى أنه يتعين التركيز على خفض الانبعاثات، وليس مصادر الطاقة، قائلا: "علينا أن نركز على أمن الطاقة والنمو المستدام وتنوع الاقتصاد، وأن نكون واعين لتغير المناخ". وتحدث أيضا عن إنجازات المملكة في الطريق نحو الحياد الكربوني الذي تستهدف تحقيقه عام 2060. وأضاف أن ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، أعلن تأسيس صندوق للاستثمار في حلول تقنيات الاقتصاد الدائري للكربون، ما يعني أنه سيجري تنفيذهما مبكرا. من جانبه، قال الرئيس التنفيذي لشركة أدنوك: "لقد اختتم المجتمع الدولي لتوه مؤتمر COP26، وكان ناجحا بشكل عام. ومع ذلك، كشفت ديناميكيات الطاقة الحالية عن معضلة أساسية. بينما وافق العالم على تسريع انتقال الطاقة، لا يزال يعتمد بشدة على النفط والغاز". وأكد "رغم أن الطاقة المتجددة هي القطاع الأسرع نموا في مزيج الطاقة، إلا أن النفط والغاز لا يزالان يمثلان النسبة الأكبر إلى حد بعيد، وسيظلان كذلك لعقود مقبلة." أيدت دول الطاقة الإفريقية، خصوصا هذه الرسالة، مدعية أنها ستتخلف عن الركب إذا جف تمويل وتطوير صناعة النفط والغاز. بالفعل، طالما أن هناك طلبا على النفط والغاز، فسيكون هناك دائما من يقوم بتوريده. إذا كانت الصناعة ستبقيها في الأرض، فسيكون نقص الطاقة أمرا لا مفر منه. ما علينا سوى إلقاء نظرة على ما حدث مع أزمة الغاز الطبيعي في الأشهر الأخيرة - أسعار مرتفعة للغاية لسلعة لا تزال حيوية للحفاظ على الإضاءة والتدفئة. في الأسابيع الأخيرة، أرسلت شركات النفط الكبرى رسالة واضحة إلى السوق - نمو الطلب على النفط لم يمت العام الماضي مع الوباء، وستكون هناك حاجة إلى النفط لعقود، حتى لو لم تكن هناك حاجة إليه بكميات قياسية. الرسالة المصاحبة هي أن هذه الشركات التي تهدف الآن إلى أن تكون شركات طاقة كبيرة تعمل على توفير أفضل ما يمكن من النفط والغاز، أي: بأقل انبعاثات ممكنة. والرسالة الثالثة، ولا سيما من الشركات الأوروبية الكبرى، هي أن نشاطها التقليدي في مجال النفط والغاز سيكون المحرك المالي الذي سيدفع تكاليف أعمالهم المتنامية في مجال انتقال الطاقة. في هذا الجانب، قال الرئيس التنفيذي لشركة بريتيش بتروليوم: إن النفط والغاز سيكون لهما دور يلعبانه في نظام الطاقة العالمي لعقود مقبلة. وقال على هامش مؤتمر "أديبك 2021": "قد لا يكون من الشائع القول: إن النفط والغاز سيظلان في نظام الطاقة لعقود مقبلة لكن هذا هو الواقع". وأضاف: "ما أريد أن نفعله هو التركيز على الهدف، وأتمنى أن تكون لدينا مواقف أيديولوجية أقل ومزيد من التركيز على الهدف، وهو في هذه الحالة خفض الانبعاثات". وهذا يتماشى مع توجه المملكة. من جانبه، قال الرئيس التنفيذي لشركة شل: "شل تعمل في بيئة عدائية كبيرة وشيطنة لقطاعنا". وأضاف "لكن لنكن واضحين جدا، لا يزال العالم في حاجة إلى النفط والغاز، وأعتقد بالتالي، أنه ليس قانونيا فحسب، بل إنه أمر مشروع وضروري أن يتم توفير منتجات النفط والغاز، ومن الأفضل توفيرها من قبل الشركات التي بادئ ذي بدء تعرف كيفية القيام بذلك، ولديها موقف مسؤول للغاية للقيام بذلك. بالفعل رغم حقيقة أن عديدا من الشركات الأوروبية الكبرى ستضخ كميات أقل من النفط في المستقبل، إلا أن أنشطتها التقليدية في النفط والغاز ستمول مشاريعها منخفضة الكربون. ومع ذلك، فإن الاستثمار المتسارع في الطاقة منخفضة الكربون لا يعني أن صناعة النفط يجب أن تتخلى عن مشاريع النفط وتتوقف عن ضخ النفط. العالم يحتاج الآن إلى القدر نفسه من النفط كما كان عليه قبل الوباء مباشرة. الطلب على النفط لن يعود إلى تلك المستويات فحسب، بل سيتجاوزها قريبا ليسجل ارتفاعات قياسية جديدة. في الواقع، الطلب العالمي على النفط يستمر في النمو وقد وصل في تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري إلى مستوى ما قبل الوباء البالغ 100 مليون برميل يوميا، وفقا لـ JPMorgan Chase. يكاد يجمع معظم المحللين أن الطلب الآن عند مستويات 2019 أو نحوها. حتى المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية، أكد "الحاجة إلى استثمارات إضافية لتلبية الطلب المستقبلي، موضحا أن الطلب على النفط والغاز الطبيعي لن ينخفض بشكل كبير حتى من خلال طريقنا نحو التحول إلى الطاقة المتجددة". ما دام هناك طلب متزايد أو مستقر على النفط، كما هو الحال بعد الجائحة، يجب أن تكون هناك جهة ما لتزويد هذا النفط. إذا لم تكن شركات النفط الكبرى، التي تتعرض لضغوط متزايدة من المساهمين النشطاء والمستثمرين، فستكون الدول مثل السعودية، وروسيا، والعراق، والإمارات، والكويت وغيرها. لا يستطيع الاقتصاد العالمي تحمل تكلفة انحسار الإمدادات بينما يستمر الطلب في الارتفاع. في هذا الجانب، أكد محمد باركيندو الأمين العام لمنظمة أوبك خلال عدة اجتماعات أن العالم سيحتاج إلى إمدادات الهيدروكربونات ليس فقط لتلبية الطلب الحالي لكن أيضا لمواجهة الدعوات المتزايدة من الاقتصادات الناشئة في إفريقيا والهند وأماكن أخرى. مع النمو السكاني لأكثر من ملياري شخص في العقود المقبلة، هناك ضغط لزيادة جميع خيارات الطاقة في هذا المزيج. رسالة منتجي النفط والغاز للعالم واضحة. إذا كان تحول الطاقة يحتاج إلى أن يصبح قصة نجاح، فسيحتاج إلى أن يكون انتقالا، وسيستغرق وقتا. دون التعاون والتفاهم بين المنتجين والمستهلكين والحكومات، سيكون الانتقال أكثر صعوبة.
مشاركة :