ضمت المكتبة العربية مؤخراً، كتابا بعنوان: "شِعر الرِّثاءِ عِندَ نِساءِ العصرِ الجاهليِّ"، الصادر عن دار تكوين، للباحثة والكاتبة والأكاديمية خديجة جازي الجهني، حيث يركز الكتاب على شعر المرأة، ويكشف عن أسماء بعض الشاعرات المغمورات، اللواتي غاب ذِكرُهنَّ عن ساحة الإبداع الأدبي. وتسعى الجهني من خلال مؤَّلفها، إلى تحليل وتعليل الأنماط الشعرية النسائية المختلفة، عبر تضمين دفتي الكتاب، بنماذج رثائية من شعر النساء مركزة قي الدراسة والإحصاء على شعر الرثاء الجاهلي، ضمنت الكتاب قصائد مختارة لرثاء شاعرات في العصر الجاهلي، وقصيدة رِثاء لشاعرة في العصر الحديث، وقصيدة رِثاء لشاعر جاهلي؛ للبحث في الجوانب البلاغيَّة المشترَكة بين الرجُل والمرأة، فيما فتشت الجهني في عالَم المرأة وعاطفتها، وأبانت عن اختلاف وتشابه الانفعالات الوجدانية باختلاف المرثي. ووقف الكتاب على عدة ظواهر، مثل إسقاط وتهميش الشاعرات عند التعريج على صفوة الشعراء، وندرة الحديث عن بلاغتها وشاعريتها في العصر الحديث، التي وصفه البعض بالضعف، رغم أن شعرها لم يحظ بالنقد العلمي الدقيق لإثبات تلك الأحكام، فيما كانت الخنساء، من أبرز الشاعرات ظهوراً وأكثرهن حضوراً حين تُذْكَر نخبة شعراء الجاهلية، مع قَلَّة ورود ذكر الشاعرات الأخريات مقارنة بالشعراء في ذلك العصر، إلا أنها خاضت السباق مع الشعراء حتى رَسَخَ شعرها وذاع صِيتُها، وحرص الكتاب على إبراز إبدعهن ولم يظهر إنتاجهن من بطون الكتب. وبعد تشريح أبعاد الرثاء وقضية تغيب رثاء المرأة من النواحي الأدبية والنفسية والاجتماعية ودور الضاغط الثقافي، وكيف كان الأدب شاهداً للتدرج في المعالجة الثقافية توصل الكتاب إلى نتائج تتضمن غزارة رثاء الشاعرة الجاهلية للأخ، خاصة الأخ غير الشقيق، ثم يليه الابن، ثم الأب، مقابل قلة رثائها للزوج، وكذلك خلت قصائدها من رثاء قريباتها، حيث شاركها الرجل في هذا التَّغيب. وأثمر البحث الذي توصلت إليه الجهني، إلى أن هناك فوارق دقيقة بين الرجل والمرأة في الأدوات والصور الشعرية، لعب فيها العصر دوراً مهماً، من حيثية تقبل فاجعة الموت، إذ اتفق السواد الأعظم من العلماء أن المحبين قلوبهم متساوية أمام خطف هادم اللذات للمقربين منهم، الأمر الذي يخالفه الكتاب إذ توصل إلى أن المرأة أعمق في رثّائها للمقربين منها، عكس الرجل الذي يصعب بوح شعور الانكسار إثر فقد ذلك القريب، لذلك تميزت التجارب الشعرية النسائية عن نظائرها لدى الشعراء، بحكم الطبيعةِ النوعية للمرأة وأسلوبِ التعامُل مع الظروف التي تعيشها، الأمر الذي ينعكسُ بالضرورة على إبداعها الشعري.
مشاركة :