بعد يوم واحد من اتهام المرجعية الدينية العليا في النجف للبرلمان العراقي الالتفاف حول الإصلاحات التي تقدم بها رئيس الوزراء حيدر العبادي، سعى الأخير إلى الاستثمار في هذا الاتجاه من خلال الحصول على دعم كبار مراجع النجف لحزمة إصلاحاته، لكن محاولته هذه باءت بالفشل، بعد رفض المرجع الأعلى علي السيستاني لقاءه، كما أنه لم يحصل على ما يريد بعد أن التقى ثلاثة من مراجع النجف الكبار (محمد سعيد الحكيم، وإسحق الفياض، وبشير النجفي). وتضاربت الأنباء بشأن رفض استقبال السيستاني للعبادي، وبينما قالت مصادر إن الأمر يعود إلى كون جدول زيارة النجف لم يتضمن اللقاء مع المرجع الأعلى، وهو أمر يستبعده المراقبون السياسيون «لأنه لا يمكن لأي مسؤول عراقي ينوي زيارة النجف وليس في أجندته لقاء المرجع الأعلى. وبين تأكيدات بعض المصادر أن مكتب السيستاني أبلغ العبادي اعتذار المرجع لاستقباله. لكن الأستاذ في الحوزة العلمية ورجل الدين الشيعي حيدر الغرابي أكد في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن «اللقاءات التي أجراها العبادي مع المراجع الثلاثة الكبار لم تكن لتحصل لولا وجود ضوء أخضر من المرجع الأعلى لحصولها، لكن ليس من أجل الإشارة بالإعلام عن دعم المرجعية لرئيس الوزراء، بل لكي يسمعوه كلاما، أستطيع القول إنه يرتقي إلى أن يكون زجريا، لا سيما أن المرجعية الدينية لم تقصر طوال الفترة الماضية بالوقوف إلى جانب العبادي وإصلاحاته مع مطالبته بالضرب بيد من حديد على رؤوس الفاسدين، وهو ما لم يحصل، وهو ما يفسر عدم رضا المرجعية عما يجري». وأضاف الغرابي أن «المأزق الذي واجهه العبادي حين مطالبته من قبل المرجعية الضرب بيد من حديد لكبار الفاسدين هو أنه اكتشف أن 80 في المائة من هؤلاء الذين يجب أن تشملهم الإصلاحات والإحالة إلى القضاء هم من حزبه (الدعوة) وكتلته (دولة القانون)، ولذلك اضطر إلى التراجع، وهو ما أدى في النتيجة إلى أن تعود الكتل السياسية والبرلمانية التي خشيت أول مرة غضب الشعب ودعم المرجعية إلى التكتل ثانية، وبدأت تسوق الأعذار هنا وهناك بسبب ضعف العبادي وتردده مع إشاراته بأنه يمكن أن يتعرض للاغتيال بسبب ذلك». وأوضح الغرابي أن «المرجعية بدأت تشعر بالخذلان، وهو ما يفسر عدم استقبال المرجع الأعلى له وهي رسالة بليغة، أعتقد أنها وصلت إلى العبادي سواء على صعيد هذه الجزئية أو من خلال ما سمعه من كلام من المراجع الثلاثة الذين التقاهم». لكن العبادي حصل على تأييد زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، وذلك خلال اللقاء الذي جمعه به بمقره بمدينة النجف. وقال العبادي في مؤتمر صحافي مشترك مع الصدر إن العراق بحاجة إلى تعاون الجميع لمواجهة تنظيم داعش، ودعا الجميع إلى توحيد الجهود لمواجهة خطر «داعش» والأزمة المالية والاقتصادية. وأضاف العبادي أن «العراق يواجه تحديا خطيرا يتمثل في وجود تنظيم داعش»، مؤكدا أن «العراق يحتاج إلى تعاون قيادات البلد كافة من أجل طرد التنظيم». من جانبه، قال زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، إن «لقاء اليوم كان لقاء مثمرا ولمست منه إصلاحا كبيرا في كل النواحي الأمنية والسياسية». على الصعيد ذاته، أكد القيادي البارز في التيار المدني الديمقراطي وأحد منظمي التظاهرات في العاصمة بغداد، جاسم الحلفي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «القرار الذي اتخذه البرلمان، سحب التفويض من العبادي، يمثل موقف الكتل المستفيدة التي لم يتمكن العبادي، عندما حصل على أعلى تفويض شعبي ودعم من المرجعية الدينية، من تفكيك منظومة فسادها الهائل الذي يعرفه الجميع، وهو ما عبر عنه الشعب عبر التظاهرات المستمرة منذ ثلاثة أشهر، حيث قال عبر الهتافات والشعارات والتضحيات كلمته فيهم، مشيرا إلى أنهم وبسبب من تراخي العبادي وعدم قدرته على الارتقاء إلى مستوى ما حصل عليه من دعم وتأييد قد أعادوا تنظيم أنفسهم من جديد، وهو ما جعلنا نفقد الأمل بهذه الطبقة السياسية سواء من كان مفوضا منها باسم الشعب مثل رئيس الوزراء أو من سحب التفويض منه ومثلما يقول باسم الشعب وهو البرلمان حيث أصبح كلاهما فاقدين للشرعية الجماهيرية بل وحتى الدينية». وأكد الحلفي أن «المتظاهرين أصدروا بيانا واضحا وصريحا بهذا الشأن وتم تسليمه إلى المرجعية الدينية وإلى الحكومة والبرلمان والسلطة القضائية، بالإضافة إلى أننا خلال التظاهرة الأخيرة قررنا إسماع صوتنا عن قرب، حيث توجهنا إلى المنطقة الخضراء، لكننا وبكل أسف تمت مواجهتنا بالرصاص الحي من قبل القوات الأمنية». وردا على سؤال بشأن كيفية مواجهة المتظاهرين بالرصاص، بينما رئيس الوزراء والقائد العام حيدر العبادي يطلب المزيد من التفويض، قال الحلفي إن «هذا طبعا أمر مؤسف جدا وفيه تناقض بالفعل، لكن ما أستطيع قوله إن هناك الكثير من الفاسدين من لا يزالون متنفذين في المؤسسة العسكرية ولديهم امتدادات فيها وهو ما يجعل موقف العبادي في حالة ضعف مستمر». وبالتزامن مع زيارة العبادي إلى النجف، فقد زار رئيس البرلمان سليم الجبوري النجف أيضا لكنه لم يلتق أي من مراجعها. وفي هذا السياق، أكد عماد الخفاجي المستشار الإعلامي للجبوري، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «زيارة الجبوري إلى النجف كانت بهدف حضور مؤتمر عشائري لدعم المصالحة الوطنية، وقد أكد رئيس البرلمان خلال الكلمة التي ألقاها هناك على أهمية الإصلاحات وضرورة مضيها، لكن في إطار الصيغ الدستورية التي يحرص عليها الجميع وفي مقدمتهم المرجع الأعلى السيد علي السيستاني». وأضاف أنه «لم تكن ضمن أجندة الزيارة اللقاء مع السيد السيستاني وأي من المراجع لكن كلا من العبادي والجبوري أديا الصلاة معا في ضريح الإمام علي بن أبي طالب وهما داعمان بعضهما لبعض على صعيد الإصلاحات ولا توجد أية خلافات مثلما تروج بعض الجهات».
مشاركة :