استمر القطاع الاستهلاكي بدعم التعافي الاقتصادي في الكويت، وذلك بفضل مجموعة العوامل التي تضمنت تخفيف القيود المفروضة على الحركة والتنقل، وتزايد معدلات طرح اللقاحات، وتأجيل سداد مدفوعات أقساط قروض المواطنين الكويتيين. وهو الأمر الذي دفع الإنفاق الاستهلاكي إلى بلوغ مستويات قياسية في أكتوبر الماضي منذ انتهاء حالة الإغلاق في صيف عام 2020. إلا أن وتيرة النمو تباطأت مقارنة بالمستويات المسجلة في وقت سابق من العام الحالي، وذلك على خلفية تلاشي التأثيرات الأساسية خلال الفترة المقابلة من العام الماضي. وما تزال آفاق النمو على المدى القريب تبدو قوية في ظل التعافي التدريجي للاقتصاد، وانخفاض معدل الإصابة بفيروس كوفيد -19، وارتفاع أسعار النفط، مما يساهم في تعزيز معنويات الثقة. في الوقت ذاته، قد يبدأ نمو الإنفاق في التراجع ليقترب من مستوياته الاعتيادية بداية العام المقبل، مع استئناف سداد مدفوعات أقساط القروض. إلا أن بعض المخاطر السلبية المتمثلة في إمكانية تفشي موجات جديدة من الفيروس، وانخفاض أسعار النفط، وتباطؤ وتيرة نمو الوظائف، وارتفاع أسعار المستهلك، وتآكل دخل الأسر، قد تؤثر سلباً على آفاق النمو للإنفاق الاستهلاكي. تعافي نمو الإنفاق نما الإنفاق الاستهلاكي بنسبة 24 بالمئة على أساس سنوي (+0.6 بالمئة على أساس شهري) إلى 2.55 مليار دينار في أكتوبر الماضي. ويعد هذا المعدل أقوى نمو يشهده الإنفاق الاستهلاكي منذ يونيو، وأعلى مستوى إنفاق شهري على الإطلاق. وعلى أساس تراكمي منذ بداية العام، ارتفعت معدلات الإنفاق بنسبة 39 بالمئة تقريباً مقارنة بالفترة المماثلة من العام الماضي. وتجدر الإشارة إلى أن ارتفاع النشاط الاستهلاكي جاء حتى في الوقت الذي تم فيه تحويل المزيد من الإنفاق نحو الخارج بعد تخفيف قيود السفر خلال الصيف. وتستمر قنوات الإنفاق عبر الإنترنت في اكتساب المزيد من الشعبية، إذ نمت بنسبة 58 بالمئة على أساس سنوي في أكتوبر، لتستحوذ على نحو 39 بالمئة من كل معاملات كي نت (كانت المستويات المسجلة في شهر مايو 2020 أعلى بنسبة 48 بالمئة، على الرغم من أن تلك الفترة تزامنت مع فرض حظر شامل للتجول في كل أنحاء البلاد، مما فرض بالتالي ظروفا غير نمطية). ثقة المستهلك في تحسُّن مستمر ووفقا لمؤشر ثقة المستهلك الصادر عن شركة آراء للبحوث، واصلت ثقة المستهلك، اتجاهها الصعودي في سبتمبر، إذ وصلت قراءته إلى 107 نقاط مقابل 103 في أغسطس، فيما يعد أعلى مستوى يصل إليه المؤشر منذ أكتوبر 2019، ويعود الفضل في ذلك إلى انخفاض حالات الإصابة بالفيروس إلى أدنى المستويات التي لم نشهدها منذ مارس 2020، وهو أول شهر كامل لظهور الجائحة، إلى جانب معنويات التفاؤل تجاه البيئة الاقتصادية في ظل ارتفاع أسعار النفط. إلا أن المؤشر كشف أيضاً عن مخاوف المستهلك بشأن ارتفاع تكلفة منتجات التجزئة. وعلى عكس معظم المكونات الفرعية التي أظهرت اتجاها إيجابيا، انخفض مؤشر شراء السلع المعمرة بشكل حاد من 102 في أغسطس إلى 88 في سبتمبر. ويمكن تفسير ذلك جزئياً نتيجة لارتفاع تكاليف السفر (خاصة الرحلات الجوية) وزيادة النفقات ذات الصلة خلال فصل الصيف، ربما تكون تلك العوامل قد أجبرت المستهلكين على تقليل أو تأجيل الإنفاق على السلع المعمّرة. وتكشف أحدث البيانات الرسمية لمؤشر أسعار المستهلك أن المكون الفرعي للتضخم "السلع المعمرة" وصل إلى أعلى مستوياته المسجلة في 8 سنوات بوصوله إلى 6.4 بالمئة على أساس سنوي في يونيو (إلا أن معدل التضخم الإجمالي كان أقل). الاستهلاك يتأثر بارتفاع التضخم كشفت الأرقام الرسمية أن معدل التضخم الإجمالي ارتفع إلى 3.4 بالمئة على أساس سنوي في يونيو مقابل 3.0 بالمئة في ديسمبر 2020، في ظل ارتفاع أسعار المواد الغذائية دولياً وقيود سلسلة التوريد التي أدت أيضاً إلى ارتفاع معدلات التضخم على مستوى العالم. وما يزال هذا المعدل أقل بكثير مما هو عليه في العديد من الدول الأخرى (في الولايات المتحدة على سبيل المثال، بلغ معدل التضخم أخيرا 6.2 بالمئة)، لكنّ الزيادة المستمرة للأسعار قد تضع مزيدا من الضغوط على دخل المستهلك، وقد تبدأ في التأثير على النفقات التقديرية في الأشهر المقبلة. وكما يتضح من الرسم البياني 3، تسارعت وتيرة نمو التضخم في معظم قطاعات مؤشر أسعار المستهلك في النصف الأول من العام، كما ترتفع المعدلات الآن بوتيرة أسرع في عدد من القطاعات من ضمنها المواد الغذائية (11.5 بالمئة على أساس سنوي)، والترفيه (8.4 بالمئة) والملابس (6.2 بالمئة). من جهة أخرى، تساهم الزيادات الضئيلة التي شهدتها إيجارات المساكن (0.2 بالمئة) على إبقاء مستوى التضخم الإجمالي منخفضاً، نظرا لارتفاع الوزن النسبي لهذ المكون (33 بالمئة) في سلة مؤشر أسعار المستهلك. وبصفة عامة، نتوقع تراجع معدل التضخم العام المقبل، لكننا ندرك مخاطر تصاعد الضغوط الأخيرة الناجمة عن القوى العالمية وإمكانية استمرارها لفترة أطول مما نتوقع. القروض الاستهلاكية تعزز الإنفاق أدى النمو القوي للائتمان الشخصي إلى تحسّن الإنفاق الاستهلاكي. وبلغ نمو القروض أعلى مستوياته المسجلة في عدة سنوات بوصوله إلى 11.2 بالمئة على أساس سنوي في أغسطس وسبتمبر، مع زيادة القروض السكنية والقروض الاستهلاكية بأكثر من 11 بالمئة على أساس سنوي. واستفاد الإنفاق أيضا من تزايد معدلات الادخار المرتبط بالجائحة، وذلك بفضل قرار الحكومة تأجيل سداد مدفوعات أقساط القروض (الاختياري) لـ 6 أشهر للمقترضين من المواطنين الكويتيين، والذي ينتهي هذا الربع. ووفقا لبعض التقديرات العامة، ربما يكون هذا القرار قد أدى إلى زيادة الدخل المتاح بشكل مؤقت بنحو مليار دينار. بدأ سوق العمل في التحسن تدريجياً، في ظل انتعاش أنشطة الأعمال هذا العام. ووفقاً لنظام معلومات سوق العمل، بقي معدل نمو الأجور قوياً عند مستوى 4.7 بالمئة على أساس سنوي في الربع الثاني من عام 2021، فيما يعد أقل بقليل من نسبة 4.8 بالمئة المسجلة في الربع الأول من العام، إلا أنه أعلى بكثير من متوسط عام 2020 البالغ 3.1 بالمئة، كما أنه أعلى أيضا من معدل التضخم. ويعزى هذا التحسن بصفة عامة إلى تسارع وتيرة نمو أجور القطاع الخاص (+5 بالمئة على أساس سنوي). في المقابل، استمر نمو أجور القطاع العام في التباطؤ، إذ وصل إلى 1.1 بالمئة في الربع الثاني من 2021، مما يعكس إلى حد ما قرار الحكومة الخاص بمعالجة العجز المالي الناجم عن صدمة الجائحة. وبصفة عامة، يبدو أن مزيجاً من العوامل التي تتضمن النمو الاقتصادي بمعدلات معتدلة وإمكانية مغادرة المزيد من الوافدين قد تؤثر على نمو التوظيف في المستقبل، ويمكن أن تساهم في خفض آفاق نمو الإنفاق استهلاكي، وذلك في ظل مغادرة 190 ألف وافد (6 بالمئة) البلاد خلال الفترة بين نهاية عام 2019 ويونيو 2021، وترك نحو 184 ألف (7 بالمئة) وظائفهم. ويترجم ذلك عملياً في هيئة انخفاض إجمالي التوظيف على مستوى الدولة بنسبة 6 بالمئة بصفة عامة (ارتفع توظيف المواطنين الكويتيين بنسبة 3 بالمئة خلال الفترة نفسها). وتشكل غالبية الوظائف المفقودة في الفئة المنخفضة الأجر نسبياً، مما قد لا ينتج عنه تأثير قوي على الإنفاق الاستهلاكي. إلا أن الانخفاض المستمر في العمالة الوافدة قد يؤثر على سوق العمل فور احتواء الجائحة. وفي ظل النقص المحتمل في العمالة التي بدأت تظهر في قطاعات أو مهن محددة، بمستويات مختلفة من المهارات، فقد ترتفع أجور القطاع الخاص، مما قد يؤدي إلى تحسّن الإنفاق، على الرغم من أنه قد يعرّض الشركات أيضا لمواجهة ارتفاع التكاليف.
مشاركة :