انتقدت الناشطة السويدية الشابة في مجال حماية المناخ، جريتا تونبرغ، زعماء العالم الذين احتشدوا في قمة الأمم المتحدة للمناخ بغلاسكو أخيراً، وقالت إنهم لا يتقنون إلا الثرثرة، دون تحرك فعلي. ويرى المحلل السياسي أندرياس كلوث، في تحليل نشرته وكالة بلومبرغ للأنباء، أنه لو كانت قضية تونبرغ هي الحرية وليست البيئة، ربما كانت ستوجه القدر نفسه من التهكم إلى الزعماء الذين سيشاركون، افتراضياً، في «القمة من أجل الديمقراطية»، التي دعا الرئيس الأميركي جو بايدن إلى عقدها يومي التاسع والعاشر من ديسمبر المقبل. ومضيف القمة هو بايدن، الزعيم المفترض للعالم الحر، وستضم ضيوفاً من نحو 110 دول يراها الرئيس الأميركي ديمقراطية، بالقدر الذي يؤهلها للمشاركة. وقد أثارت المعايير التي تبناها بايدن في هذا الصدد جدلاً واسعاً، حيث تشعر الصين، التي لم تتلق بالطبع دعوة للحضور، بالغضب إزاء مشاركة تايوان، التي لا تعترف بها الولايات المتحدة حتى كدولة، ولكنها على الأقل مفعمة بالديمقراطية. ولا ينطبق هذا المعيار على دول أخرى مدعوة للقمة، مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية، وزامبيا، وباكستان. ومع ذلك، فإنه على مدار الأعوام الأخيرة، تحوّل عدد من الدول المشاركة، مثل البرازيل والهند والفلبين، إلى نماذج ترمز إلى «تراجع» الديمقراطية، حيث يقوم قادة هذه الدول الشعبويون الأقوياء باقتباس أساليب من نهج السلطويين، وتخريب الأعراف الليبرالية. وهناك أيضاً الدولة المضيفة، فقد كانت القوة العظمى الأميركية، خلال حقبة الحرب الباردة، غالباً ما تضطر إلى تحمل اتهامات لها بالنفاق، في الوقت الذي كانت تقود فيه العالم ضد الكتلة الشيوعية. ولكن أميركا كانت بشكل عام جديرة بعباءة «الديمقراطية الليبرالية» الرئيسة على كوكب الأرض. ورغم ذلك، صارت الولايات المتحدة، خلال السنوات الأخيرة، تشبه في بعض الأحيان مسلسلاً تلفزيونياً مأساوياً، يشاهده العالم كله كثيراً. وأشار المحلل كلوث إلى التقرير الأخير للمعهد الدولي للديمقراطية ومساعدات الانتخابات، ومقره السويد، عن حالة الديمقراطية في العالم، والذي اتسم بالتشاؤم الشديد. وقد أعرب المعهد عن قلقه في التقرير من أن الولايات المتحدة «حصن الديمقراطية العالمية»، قد سقطت هي نفسها ضحية نزعات سلطوية، فقد تحولت إلى مجتمع يتسم بالاستقطاب الشديد، ويرفض فيه من يخسر الانتخابات النزيهة قبول الهزيمة، بل ويسعى إلى نشر الأكاذيب عن «سرقة» الانتخابات. لقد اعتاد الأميركيون إعطاء دروس للدول الأخرى بشأن مثل هذه المساوئ، مثل قمع الناخبين، والعنف السياسي. أما اليوم، فهم يمثلون الطرف الذي يتعين عليه أن يقدم تفسيرات لما يحدث في بلادهم. ويقول كلوث: «بالطبع، التراجع الديمقراطي بعيد كل البعد عن أن يكون ظاهرة أميركية، فهو يحدث في كل مكان، تقريباً، انحدار بشدة إلى الطغيان، كما هو الحال في ميانمار، وأفغانستان، وبيلاروس، أو انزلاق تدريجي، كما هو الحال في المجر، وتركيا». ولم يدعُ بايدن أياً من تركيا أو المجر إلى قمة الديمقراطية. وبحسب المحلل السياسي كلوث، يعيش نحو ثلثي العالم في ظل نظم استبدادية، أو نظم ديمقراطية متهاوية. ويتعلق الأمر في بعض الأحيان باستشراء الفساد، وبما يرتبط به من انتشار فقدان الثقة وعدم الاكتراث بين السكان. وفي أحيان أخرى، تتعلق المشكلة بالتفكك التدريجي للضوابط والموازين، مثل استقلال القضاء، كما هو الحال في بولندا، المدعوة رغم ذلك إلى لقمة. وقد زادت جائحة كورونا الأمر سوءاً، حيث وفرت للمستبدين قدراً كبيراً من المبررات لفرض مزيد من القيود التعسفية. وفي كل مكان تقريباً، تغذي المعلومات المضللة ونظريات المؤامرة الاستقطاب، والانقسام، والتشكك، حيث إنها تنتشر في عصر الإنترنت أسرع من أي وقت مضى. أعداء الديمقراطية والعقول المدبرة وراء هذه الحملات هم في الغالب الأعداء المعروفون للديمقراطية الليبرالية، مثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ونظيره الصيني شي جين بينغ. وأوضح كلوث أن ذلك يقود إلى الغرض الحقيقي وراء «قمة بايدن للديمقراطية»، فالهدف من القمة هو أن تشكل فرصة كبيرة للحديث الحماسي للبقية الباقية من الديمقراطيين في العالم، من النشطاء، والزعماء المدنيين، والساسة أصحاب النوايا السليمة. بل أكثر من ذلك، يراد للقمة أن توجه دعوة حاشدة للدول الليبرالية، بشكل أو بآخر، للدخول في تحالف تقوده أميركا ضد القوى الاستبدادية. وقد اعتبر بايدن نفسه هذه القمة بأنها «صراع عالمي بين الديمقراطية والاستبداد». وأشار كلوث إلى خطورة أن تتحول القمة إلى ما دفع الفتاة السويدية تونبرغ إلى التهكم على زعماء العالم في قمة المناخ، ففي أسوأ الحالات، قد تتحول قمة بايدن الديمقراطية إلى مجرد ثرثرة، وقد يتمكن بايدن من حشد الديمقراطيين، الحقيقيين والمدّعين، لإجراء حديث مطول، يتسم بالنفاق، عن أمور غير ذات أهمية، ولالتقاط الصور، وبذلك لن يصبح أي إنسان في أي بقعة من الأرض أكثر حرية، بل وسيتفشى التشاؤم على نطاق أوسع. وفي أحسن الأحوال، ستدرك الديمقراطيات التي تحتشد في القمة، وبينها أميركا، الدولة المضيفة، أنها جميعاً تواجه نوعين من الأعداء، الأول واضح، وهو عدو خارجي، يتمثل في نظم استبدادية، مثل روسيا والصين، والثاني أكثر مكراً أو غدراً، ويتمثل في خائني الحرية والانهزاميين المحليين. وفي عام 1987، عندما كانت الديمقراطية تتقدم ولا تتراجع، قال الرئيس الأميركي الراحل، رونالد ريغان، بشكل واضح: «الحرية ليست أبداً أكثر من أن بيننا وبين الانقراض جيلاً. يتعين على كل جيل أن يكافح من أجل الحرية والدفاع عنها». ويرى كلوث في ختام تحليله أن على بايدن أن يجدد هذه الموعظة أمام ضيوفه في قمة الديمقراطية، وأمام جميع الأميركيين. • أميركا «حصن الديمقراطية» سقطت ضحية نزعات سلطوية، وأصبحت مجتمعاً شديد الاستقطاب، ويرفض فيه من يخسر الانتخابات النزيهة قبول الهزيمة. • على مدار الأعوام الأخيرة، تحوّل عدد من الدول المشاركة في قمة الديمقراطية، مثل البرازيل والهند والفلبين، إلى نماذج ترمز إلى «تراجع» الديمقراطية، حيث يقوم قادة هذه الدول الشعبويون الأقوياء باقتباس أساليب من نهج السلطويين، وتخريب الأعراف الليبرالية. تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news Share طباعة فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App
مشاركة :