تعيش المملكة فترة من التحولات الكبرى في جميع المجالات وعلى كافة الأصعدة، لا تقتصر على قطاع دون آخر، إذ تستمد رؤية المملكة 2030، أهدافها الرئيسية من رغبة القيادة الرشيدة في تحقيق طفرة تنموية شاملة تعم كافة أرجاء المملكة. وفي الوقت ذاته تواجه المملكة كما دول العالم تحديات كبيرة فرضتها الأزمات العالمية المتعاقبة مثل تفشي جائحة كورونا، وجهود التصدي للجماعات المتطرفة التي تتخذ الدين ستارا لأهدافها السلطوية، بجانب العديد من الأسباب التي تعوق التنمية المستدامة والشاملة التي تسعى إليها المملكة. وانطلاقا من تلك القضايا والموضوعات وفي محاولة للإجابة عن هذه التساؤلات، أجرينا حوارا صحفيا خاصا مع المحلل السياسي والاقتصادي ومقدم الدورات السياسية «جهاد العبيد»، حول تلك القضايا الهامة وكان لنا معه الحوار التالي: في البداية.. بعد مرور أكثر من 5 سنوات على تدشينها.. ما هو تقييمك لـ«رؤية المملكة 2030» من حيث أهدافها وبرامجها؟ وكم نسبة ما تم تحقيقه من مستهدفاتها حتى الآن؟ لست بموقع الحديث عن رؤية المملكة 2030، لأنها تتحدث عن نفسها فعندما نشاهد العديد من المستهدفات التي تحققت قبل موعدها ونشاهد هذا النمو، بجانب توجه الحكومة لإعلان الأرقام والتعامل بشفافية بشكل كامل فإن ذلك يثبت جديتها. بالإضافة إلى أن وجود عوامل الإرادة السياسية، والإرادة الشعبية، وتوفر الموارد، كفيل بإنجاح الرؤية. والرؤية نراها متقدمة وتسير بشكل متصاعد، كما أن البرامج الحكومية وبرامج الرؤية كلها تسير بشكل مميز. وهل تأثرت برامج رؤية المملكة 2030 بتداعيات انتشار جائحة كورونا، وما مدى وشكل هذا التأثير؟ بكل تأكيد جائحة كورونا أثرت على كل دول العالم في تقدم الأعمال وجني الإيرادات وفي كل شيء تقريبا، ولكن في المملكة كان تأثيرها محدودا جدا على المملكة بسبب متانة الاقتصاد السعودي وإطلاق رؤية المملكة 2030 قبل ظهور الجائحة وهو سبب المرونة الكبيرة في تعامل الحكومة مع الجائحة والمرونة في الإنفاق مع وجود احتياطيات للمملكة، حيث سبق أن استعدت المملكة لمثل هذه الظروف الطارئة ومن هنا نرى أن برامج رؤية المملكة 2030 تسير على أحسن ما يكون، ونرى اليوم ونحن في أواخر 2021م أن الرؤية لم تتأثر بالشكل الملحوظ وتقدمها لم يتأثر كذلك بسبب الجائحة، وبكل تأكيد هناك عزم وإرادة على التعويض إذا كان هناك نقصا قد حدث بسبب الجائحة، ولكن نرى على وجه عام أن المشاريع تعمل كما هو مخطط لها ولم تتأثر، وأوجه الإنفاق ضمن الميزانيات المرصودة مستمرة على المشاريع الكبرى . ونرى أن المملكة في نهاية 2021م، بدأت تتعافى بشكل كبير، والأرقام والمؤشرات المؤسسات المالية العالمية مثل صندوق النقد الدولي وغيره كلها تبشر بنمو غير مسبوق، وكذلك أسعار النفط حاليا في مستويات رائعة جدا، ونرى أن 2022 ستشهد الصحوة القوية الحقيقة للاقتصاد السعودي ما بعد الجائحة ويمكن للجميع أن يرى ذلك على أرض الواقع وأن يقرأه بالأرقام أيضا. بالحديث عن أسعار النفط وارتفاعها مؤخرا.. كيف ترى دور المملكة في عالم الطاقة وهل أصبحت المملكة هي قاطرة الطاقة عالميا؟ المملكة هي القاطرة الحقيقية لقطاع الطاقة على مستوى العالم وذلك يرجع لسببين، الأول هو ما تملكه من قدرة هائلة على الإنتاج وما تتمتع به من احتياطيات ضخمة وهذه القدرة لا يمكن تغافلها بالتأكيد في الحديث عن تأثيرها في السوق. والسبب الثاني هو أن المملكة تحظى بثقة العالم كقائدة في هذا القطاع، فعلى مر عقود كانت المملكة تلعب دورا مهما جدا في استقرار الأسواق وكانت دائما تراعي مصالح المنتجين والمستهلكين وفي نفس الوقت كانت دائما تعامل السوق بحكمة وروية ولم تستخدم أبدا موضوع الطاقة في تحقيق مصالح سياسية أو ضربات في دول لها خلافات سياسية معها، لذلك هذه الثقة في المملكة وقيادتها والتي تم بناؤها خلال عقود من الزمن بالتأكيد تجعلها تتبوأ هذه المكانة. وهنا أذكر أن اتفاق «أوبك بلس» الذي قادته المملكة وروسيا أثبت أن السعودية ليست فقط مؤثرة بل وموثوقة وهناك فرق بين أن تكون فقط مؤثرا وأن تكون مؤثرا وموثوقا وهذا ما تتمتع به المملكة. لماذا دخلت الكثير من الدول العربية في آتون صراعات وأزمات كبيرة خلال السنوات العشر الماضية.. وكيف نجحت الدول الخليجية ولا سيما المملكة في تفادي كل تلك الصعاب وتحويلها إلى إنجازات؟ سبب أزمات وصراعات الدول العربية يعود إلى نقطتين، الأولى أن تلك الدول كان بها نوع من الهشاشة وقابلة للانفجار بسبب الأوضاع الاقتصادية المتردية. والأمر الثاني هو عدم تصدي تلك الدول للجماعات المتطرفة مثل تنظيم الإخوان منذ البداية. وهنا نفرق بين الدول العربية التي عانت من الثورات وسيطرة الإخوان على مفاصل الحكم فيها مثل مصر وليبيا وتونس والدول الخليجية التي تتمتع بصلابة كبيرة ولذلك يوجد لدى الشعوب الخليجية وحمية ووفاء لدولهم وحكوماتهم حتى وإن طالبت الشعوب الخليجية بتغيير بعض الأمور إلا أنهم مازالو مؤيدين لدولهم ويرفضون أن يتم المساس بها. ودول الخليج تقدمت خلال السنوات العشر الأخيرة عكس الدول العربية الأخرى لسببين أولها وجود قيادة حكيمة لهذه الدول استوعبت الأخطار والتحديات القادمة، وتمتعها بنظرة أبعد مع شعوبها، والسبب الثاني أن الشعوب الخليجية استوعبت الخطر بعدما شاهدت ما حدث في سوريا وليبيا وغيرها من الدول. أما في المملكة، فإنها لم تتأثر بدعوات الصراعات بسبب ولاء الشعب للقيادة حيث استوعب الشعب السعودي ذلك الخطر. والمملكة بعدما نجحت في احتواء المخاطر التي واجهت الدول العربية الأخرى دخلت مع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود في مرحلة جديدة انطلقت من خلالها في تنفيذ خططها التنموية خاصة أن المملكة يعرف عنها أنها دولة معتدلة ترفض التشدد والتطرف كما ترفض الانحلال والانفتاح بالشكل الغربي وبالتالي هي دولة وسطية تمثل الإسلام الوسطي السمح القيم. لماذا يشكل تنظيم الإخوان خطرا على محيطه والدول العربية ولماذا فشلت كل تجارب التنظيم في أغلب الدول العربية؟ تنظيم الإخوان مثل أي حزب أو تنظيم له أيديولوجية يستخدمها للوصول إلى السلطة، حيث يستخدم التنظيم الإسلام السياسي للوصول للحكم، أما أسباب فشله فيرجع إلى أن التنظيم أصبح في مرحلة الرصد بمعنى أننا نستطيع الآن أن نرصد ما قالوه منذ عشرين أو ثلاثين سنة ونقله وتفنيده أيضا. كذلك تبدل مواقف التنظيم وتغيرها حيث بات بإمكاننا أن نفضخ هذه المواقف أمام الرأي العام ولذلك صار التنظيم مكشوفا أمام عامة الناس. بالطبع تعاطف الشعوب مع الدين أمر طبيعي لدى جميع الشعوب والتي تميل عادة للتعاطف مع رجال الدين، لكن الشعوب صارت أكثر وعيا في الوقت الحاضر وقد ذاقت مرارة أن يحكمها الإخوان، والتجارب أثبتت فشل الإخوان حتي في صناعتهم للأوطان، لأن الإخوان يقولون إن الوطن ما هو إلا حفنة من تراب لذلك نرى أن الإخوان تنظيم كُشف وانتهى وحان الوقت لاندثاره ربما سيعودون في طريقة غير مباشرة ولكن أيديولوجية الإسلام السياسي أصبحت مرفوضة تماما من قبل الشعوب التي صارت أكثر وعيا. بالحديث عن الوضع اليمني.. كيف ترى المشهد باليمن في ظل التصعيد العسكري الميداني ورفض مليشيا الحوثي دعوات الحوار والسلام؟ لا شك أن المبادرة السعودية للسلام رسمت خارطة طريق لإنهاء الحرب وإحلال السلام باليمن وإنقاذ الشعب اليمني من إجرام مليشيا الحوثي الإرهابية الإيرانية، ولكن بطبيعة الحال وككل التنظيمات الإرهابية التي تخدم أيديولوجية خارجية مثل أيديولوجية إيران فمن الطبيعي أن مليشيا الحوثي لن تبحث عن السلام رغم الفرص الكثيرة التي منحتها دول التحالف العربي وعلى رأسهم المملكة للحوثي للسلام والانخراط في العمل السياسي بما يحقق مصالح الشعب اليمني. من هنا نجد أن اتباع المملكة ودول التحالف سياسة طول البال والصبر جاء مراعاة لظروف الشعب اليمني وحفاظا على مكتسباتهم بقدر المستطاع وليس ذلك ضعفا في قدرات التحالف. ونلاحظ أيضا أن قوات التحالف توسعت مؤخرا في الضربات النوعية التي توجه لمليشيا الحوثي بعد أن تمادى الحوثي وأصبح يتجرأ على قصف المناطق المدنية رغم تحذيرات التحالف أن ذلك سيكون له عواقب وخيمة. والحل في اليمن يكمن في المبادرة السعودية للسلام، وهي مبادرة طبيعية ومنطقية للسلام في اليمن والتي تكفل حق الحوثي في المشاركة بالعمل السياسي كجزء من مكونات الشعب اليمني، أما إذا استمر تعنت الحوثي فالحل سيكون بيد قوات الشرعية اليمنية مدعومة من قوات التحالف والتي تحقق انتصارت كبيرة، وهنا نشير إلى أن الحوثي بات يستخدم الدعاية ويستخدم وسائل التواصل الاجتماعي لنشر أكاذيب عن انتصارات وهمية بينما في الميدان يتلقى ضربات قوية من قوات التحالف وقوات الشرعية حتى تجرأ واعترف مؤخرا بالخسائر. والمشهد الميداني يقول أن الحوثي في أضعف حالاته وأنه يفقد أي شرعية له من قبل أتباعه في اليمن، وبالنسبة للسلام فإنه يظل مطروحا على الطاولة لكن ما يعوقه أن الحوثي يخدم إيران وأيديولوجيتها إلإرهابية والتي لا تأبه باليمن ولا مكتسباته ولا بنيته التحتية. أخيرا.. كيف ترى مستقبل المملكة والمنطقة العربية على المدى المتوسط والبعيد؟ في ظل القيادة الحكيمة للمملكة ورؤية 2030 التي ننطلق إليها ننظر بتفاؤل لمستقبل المملكة، والمؤشرات تبشر بذلك ونتائج كبيرة تحققت قبل موعدها، وبإذن الله القادم أفضل بما لدينا من قيادة تتطلع دائما للأفضل تسابق الزمن وحكومة مرنة جدا في تفاعلها مع الظروف والأحداث. أتوقع أن المنطقة بشكل عام والمملكة بشكل خاص ستكون في أفضل حالاتها خلال السنوات الثلاث أو الأربع القادمة قبل حتى اكتمال موعد الرؤية.. التفاؤل موجود وبإذن الله سنشهد جميعا هذا النجاح قريباً..
مشاركة :