النموذج الإماراتي يقود أردوغان إلى التخلي عن الشعارات والتفكير في المصالح أنقرة – تركت الزيارة التي قام بها ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد إلى تركيا تأثيرا واضحا على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي قال إنه سيزور الإمارات ومصر وإسرائيل، في تصريحات قال مراقبون إنها بمثابة عودة الوعي إلى الرئيس التركي من أجل تصويب علاقات بلاده الخارجية. وقال المراقبون إن زيارة ولي عهد أبوظبي إلى أنقرة كانت بمثابة قشة النجاة لأردوغان، وإنها قد تساعده على الخروج من عالم الأوهام الذي أحاط به نفسه، وتشجعه على التفكير في بناء علاقات تقوم على المصالح بدل الشعارات. وأشاروا إلى أن الزيارة التي قدمت من خلالها الإمارات وعودا كبرى بالاستثمار في تركيا، وتجنب خلالها الشيخ محمد بن زايد توجيه اللوم على تجاوزات الماضي والعداء المجاني لأبوظبي، قد يكون تأثيرها بمثابة الصدمة التي تجعل أردوغان يفيق على حقيقة العلاقات الخارجية لتركيا والمكاسب التي فوّتها على بلاده خلال السنوات العشر الماضية بسبب مواقفه غير المدروسة. وكشف الرئيس التركي عن عزمه زيارة دولة الإمارات في فبراير المقبل، وأن بلاده ستقدم على خطوات مشابهة مع مصر وإسرائيل على غرار ما قامت به مع الإمارات. الزيارة بمثابة الصدمة التي جعلت أردوغان يفيق على المكاسب التي فوّتها على بلاده بسبب مواقفه غير المدروسة ولا أحد يعرف ما هي الخطوات التي قد يلجأ إليها الرئيس التركي لإظهار الجدية في الخروج من مسار التصعيد السابق الذي ألحق ببلاده الكثير من الخسائر وكان وراء الأزمة الاقتصادية الحادة التي تعيشها، وكيف يمكنه استعادة ثقة المتعاملين الإقليميين. ولئن كانت الإمارات قد خطت خطوتها للتقارب مع تركيا وفق استراتيجية خاصة بها تقوم على تصفير المشاكل من أجل التفرغ لمشاريع التطوير الوطني، فإن دول المنطقة الأخرى لا شك أنها ستنتظر مواقف أكثر وضوحا من الرئيس التركي بشأن أجنداته الإقليمية وبخصوص ما إذا كان قادرا على بناء علاقات تقوم على المصالح المتبادلة أم يريد الحصول على المكاسب دون مراجعات فعلية أو تقديم التنازلات الكافية لبناء الثقة مع الشركاء الإقليميين. ويحرص أردوغان في تصريحاته على الإيحاء بأن التقارب الذي يجري مع دول مثل مصر والإمارات والسعودية يأتي بطلب من الجهة المقابلة وبحرص منها، وهو ما يلقي بظلال من الشك حول رغبته في الخروج من العزلة التي قاد نفسه وبلاده إليها منذ انطلاق موجة “الربيع العربي”. وقال الرئيس التركي “ستكون لي زيارة إلى الإمارات في فبراير المقبل على رأس وفد كبير، وسنقْدم على اتخاذ بعض الخطوات بقوة”. وتابع “لقد قدموا (الإماراتيون) خطوة استثمار بـ 10 مليارات دولار، سنبني مستقبلًا مختلفًا عبر تنفيذ ذلك، وستكون هناك تطورات إيجابية”. وأضاف “على الأقل استمرت المحادثات المتبادلة على مستوى أجهزة الاستخبارات (بين تركيا والإمارات)، كما استمرت علاقاتنا التجارية”. وأعرب عن ثقته بأن مواد الاتفاق الذي تم التوقيع عليه خلال زيارة ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد هي خطوة من أجل بدء فترة جديدة بين تركيا والإمارات وإبقاء ذلك دائمًا. وأشار إلى أن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو ورئيس جهاز الاستخبارات هاكان فيدان سيزوران الإمارات تحضيرًا للزيارة التي سيقوم بها هو. وستشهد المرحلة القادمة اختبارا لكلام الرئيس التركي بشأن تغيير أسلوبه في التعامل مع القضايا الإقليمية، وزيارة مصر -إن تمت- ستفرض عليه أن يقدم إجابات واضحة بشأن دعمه لجماعة الإخوان المسلمين، وما إذا كان على استعداد لدعوة القيادات الهاربة -التي حولت مدينة إسطنبول إلى مقر لأنشطة إخوانية إقليمية- إلى المغادرة وتفكيك شبكاتها المالية والإعلامية، أم أنه سيستمر في المناورة والاحتفاظ بهذه القيادات كورقة ضغط ومساومة وقت الحاجة. في المقابل ستوفر له زيارة إسرائيل فرصة التخلي عن شعاراته والاحتكام إلى المصلحة التركية، خاصة أن تلك التصريحات لم تخرج عن دائرة الرغبة في إظهار الزعامة دون أن تتبعها قطيعة مع إسرائيل، حيث لا يزال التعاون الأمني والاستخباري قويا، ولم تتوقف المعاملات بين الشركات الإسرائيلية والتركية. ويقول محللون إن إسرائيل تفهم جيدا شخصية الرئيس التركي، ولذلك لا تولي تصريحات المزايدة حول القدس أو غزة أهميةً، لكنها تتابع خطى تعاونه مع حركة حماس، وما إذا كان الأمر مجرد استثمار سياسي من أردوغان لذلك التعاون أم أن له تأثيرات أخرى، ولذلك تتمسك تل أبيب بمطلب أن تغلق أنقرة جميع مكاتب حماس على الأراضي التركية. ومنذ سنوات طويلة تسير العلاقات التركية – الإسرائيلية على مبدأ فصل الاقتصاد عن السياسة، في معادلة تثبت أنه ليس بالضرورة أن يكون هناك ربط بين التصريحات السياسية بشتى أصنافها اللاذعة أو السلسة وحجم التبادل التجاري بين دولتين معينتين. وتؤكد البيانات الرسمية الصادرة عن معهد الإحصاء والبنك المركزي التركي أن العلاقات الاقتصادية وحجم التبادل التجاري بين تركيا وإسرائيل لم ينقطعا، بل على العكس يزدادان، ويقابلهما أيضا تصاعد في حجم الاستثمارات المباشرة المتبادلة بين البلدين. وفي عام 2020 صدّرت تركيا ما قيمته 4.7 مليار دولار إلى إسرائيل. وبهذا الرقم احتلت الأخيرة المرتبة التاسعة بين الدول التي تصدر لها تركيا أكثر من غيرها. وفي الأشهر الأربعة الأولى من عام 2021 ارتفعت صادرات تركيا نحو إسرائيل إلى مليار و851 مليون دولار، بزيادة قدرها 35 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وأصبحت إسرائيل الدولة الثامنة لصادرات تركيا في هذه الفترة.
مشاركة :