ويشكل الموارنة التابعون للكنيسة الكاثوليكية ولا يتجاوز عددهم حاليا نحو سبعة آلاف نسمة، أقل من واحد في المئة من سكان قبرص الذين تنتمي غالبيتهم الى الطائفة الأرثوذكسية. وهم يتحدرون من موارنة قدموا من لبنان وسوريا بين القرنين الثامن والثاني عشر. ويرأس كنيستهم أسقف تنتخبه الكنيسة المارونية في لبنان التي تتبع لها أبرشية قبرص المارونية. ويعبّر مطران الأبرشية سليم صفير عن سعادته بزيارة البابا فرنسيس، ويقول لوكالة فرانس برس "أنا أشعر بفرح كبير على غرار الكثيرين من الذين يتطلّعون إلى استقبال البابا. لقاء البابا في جزيرة قبرص لقاء جميل". ويتذكر زيارة البابا بنيديكتوس السادس عشر الى الجزيرة في العام 2010، التي اعتبرت "تاريخية"، وفق قوله، كون "رأس الكنيسة الكاثوليكية زرع خلالها روح الحوار مع الكنيسة الأرثوذكسية"، مضيفا "اليوم، يكمل البابا فرنسيس هذه العلاقات بزيارته التي تحمل طابعا إنسانيا بامتياز"، كونها ستركز على معاناة المهاجرين. وتقول إيلينا التي هاجر أجدادها من شمال لبنان إلى الجزيرة قبل عقود طويلة واستقروا فيها، لوكالة فرانس برس "أنتظر بفارغ الصبر وصول البابا فرنسيس، وطلبت إجازة من العمل حتى أتمكن من المشاركة في هذا الحدث التاريخي". "نحب البابا" وتتابع "نحن نحبّ البابا كثيرا لأنه شخص استثنائي"، واصفة إياه بأنه "متواضع ومدافع عن الفقراء والبساطة والسلام". وتروي أنها انضمت إلى الجوقة التي شكلت لخدمة القداس العام الذي سيحييه البابا في نيقوسيا "لأشعر بأنني جزء من الحدث ولكي أكون قريبة قدر المستطاع من الحبر الأعظم. أنا متحمسة جدا ولا أستطيع أن أصف مدى سعادتي لرؤيته". قرب الكنائس المارونية والكاثوليكية في المدن، علقت ملصقات كبيرة كتب عليها "تعالوا وصلّوا مع البابا فرنسيس في قبرص". وعمل متطوعون في الرعايا على تسجيل أسماء الراغبين بحضور القداس ورفعت الأسماء الى السلطات القبرصية التي اشترطت أن يكون جميع المشاركين ملقحين ضد كوفيد، أو لديهم شهادة فحص طبي سلبي. في ليماسول (جنوب)، كان صوت الأرغن يصدح الأحد مترافقا مع أصوات ترانيم دينية في كنيسة مدرسة سانت ماري الكاثوليكية. هنا تجمّع 120 شخصا من الرجال والنساء والأطفال من كل الطوائف الكاثوليكية للتمرين. ويقول قائد الجوقة جوزف كارتابانيس "بدأنا التمرينات قبل أسابيع"، مضيفا "سننشد ترانيم بالعربية والإيطالية واليونانية والإسبانية واللاتينية"، لأن "الجوقة تضم أشخاصا من أصول مختلفة ونحن نساعد بعضنا بعضا في تهجئة الكلمات ولفظها بالطريقة الصحيحة". ويقول كارتابانيس "إنهم سعيدون جدا بزيارة البابا ويبذلون جهدا كبيرا ليكون الحدث على مستوى الزيارة". ويؤكد نيوفيتو خريستوفو، وهو قبرصي ماروني يعيش قرب ليماسول، أنه سيشارك مع عائلته في قداس البابا، مضيفا بحماس "نأمل بأن تساهم الزيارة في فتح ثغرة في جدار الأزمة القبرصية التي لم تنجح المفاوضات برعاية الأمم المتحدة في الوصول إلى نتيجة مثمرة فيها". ويتابع "هناك الكثير من القبارصة، اليونانيين والأتراك والموارنة، الذين خسروا أراضي بسبب الحرب، ويجب أن يستعيدوا حقوقهم وبالتالي أن يعيش القبارصة معا كشعب واحد. وهنا نعوّل على قداسة البابا أن يحرك الأمور في الاتجاه التوحيدي". وقبرص مقسمة منذ غزت تركيا ثلث الجزيرة الشمالي العام 1974 ردا على انقلاب قام به قوميون قبارصة بهدف ضم الجزيرة إلى اليونان. ونزح الموارنة بعد الاجتياح من الشمال حيث كانوا يستقرون بشكل أساسي وتوزعوا في أنحاء الجزيرة، أو غادروها. لكنهم لا يزالون يحنون الى العودة الى قراهم شبه المهجورة. وذكر المطران صفير أن البروفسور كوستاس بابانيكولاس، رئيس معهد "سايبروس إنستيتيوت"، يعمل على تصميم صليب نسخة طبق الأصل عن صليب ماروني قديم موجود في بلدة كرباشا الواقعة في الشطر الشمالي، لتقديمه كهدية تذكارية الى البابا. "معجزة" كذلك، تثير زيارة البابا الحماس لدى أفراد الطائفة الكاثوليكية (قرابة عشرين ألفا)، ومعظمهم من العمال الأجانب الآسيويين. ويقول رئيس أساقفة رعية الصليب المقدس التابعة للبطريركية اللاتينية في القدس ومنسق زيارة البابا الى قبرص جيرزي كراج لوكالة فرانس برس "نريد أن يصبح الملعب كاتدرائية في الهواء الطلق". أما الفيليبينية جينيفر بالان (45 عاما)، فتقول بفخر إنها أخبرت كل عائلتها في الفيليبين بنبأ زيارة البابا، "وسأشاركهم كل لحظة بإرسال صور ومقاطع فيديو لها". ويترقب اللبنانيون الموارنة المقيمون في قبرص بدورهم زيارة البابا، وقد ازداد عددهم كثيرا خلال الأشهر الأخيرة مع وصول آلاف اللبنانيين الى الجزيرة القريبة من لبنان هربا من أزمة اقتصادية وسياسية خانقة ومستقبل مجهول. ويقول اللبناني مارون عازار في لارنكا (جنوب شرق) "زيارة البابا تعني لي الكثير خصوصا في هذه المرحلة التي نمر بها كلبنانيين إذ نحتاج بشدة إلى بصيص أمل أو إشارة إلى أن المستقبل سيكون أفضل لنا ولأطفالنا". ويضيف "نحن نأمل في إيصال رسالة إلى البابا لكي يساعد لبنان بعدما يئسنا من السياسة والسياسيين الذين يضعون مصالحهم قبل مصلحة الوطن. ونتمنى أن يخص لبنان بزيارة قريبة تكون جامعة وتاريخية تماما مثل زيارة يوحنا بولس الثاني (في العام 1997) فتلك الزيارة كانت أشبه بمعجزة، ولبنان يحتاج الآن إلى معجزة".
مشاركة :