كابوس المواجهات العسكرية يعود إلى أوروبا

  • 12/3/2021
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

مع تزايد قلق الغرب من تخطيط روسيا لغزو محتمل لأوكرانيا، التقى كبار الدبلوماسيين الأميركيين الذين انضموا إلى حلف شمال الأطلسي وأوروبا في التحذير من عدوان، نظراءهم الروس بالسويد، في أجواء متوترة، لم تخلُ من التهديدات المتبادلة. على خلفية التوترات المتصاعدة بشأن أوكرانيا، حذَّر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أمس، من أن "سيناريو المواجهة العسكرية المرعب" بدأ العودة إلى أوروبا، في حين دعا نظيره الأميركي أنتوني بلينكن روسيا إلى "خفض التصعيد"، مهدداً مرة جديدة بـ"عواقب وخيمة إذا شنّت موسكو عدواناً على أوكرانيا". وخلال اجتماع منظمة الأمن والتعاون في أوروبا بالعاصمة السويدية (ستوكهولم)، اتهم الوزير الروسي حلف شمال الأطلسي "بتقريب بنيته التحتية العسكرية من الحدود الروسية"، ودعا الغرب إلى دراسة المقترحات التي ستقدمها موسكو "في المستقبل القريب" لمنع توسع التحالف إلى الشرق. وقال لافروف إن السيناريو المرعب للمواجهات العسكرية بدأ يعود إلى أوروبا، مشدداً على أن "موسكو ستصر على عدم تحرك الناتو نحو الشرق، لأن هيكل الاستقرار الاستراتيجي سينهار بسرعة، ويرفض الناتو النظر بشكل بنَّاء في مقترحاتنا لتهدئة التوترات ومنع الحوادث الخطيرة، بل على العكس من ذلك، تقترب البنية التحتية العسكرية للتحالف من الحدود الروسية، لذلك فإن سيناريو كابوس المواجهة العسكرية يعود". وأضاف لافروف: "في حوار مع الولايات المتحدة وحلفائها، سنصر على وضع اتفاقيات تمنع أي تحركات أخرى للناتو نحو الشرق ونشر أنظمة أسلحة تهددنا على مقربة شديدة من الأراضي الروسية، وسنقدم مقترحات ذات صلة في المستقبل القريب، ونتطلع إلى النظر فيها بجدية بشأن المزايا، من دون أعذار، ونعتقد أن منظمة الأمن والتعاون في أوروبا يمكن أن تلعب دورا مفيدا جدا هنا". وعلى هامش الاجتماع، قال وزير الخارجية الروسي لنظيره الأميركي، إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أوضح أن موسكو لا تريد خوض صراع جديد بشأن أوكرانيا. بوتين وأمس الأول، دعا بوتين إلى التوصل إلى "اتفاقيات ملموسة" تحول دون توسع "الناتو" شرقا ونشر أنظمة أسلحة قرب الحدود الروسية، مقترحا بدء "مفاوضات جوهرية" حول هذا الموضوع. وقال بوتين: "في الحوار مع الولايات المتحدة وحلفائها سنصر على وضع اتفاقيات ملموسة تمنع أي توسع لحلف شمال الأطلسي نحو الشرق ونشر أنظمة أسلحة تهددنا على مقربة شديدة من الأراضي الروسية". وأضاف خلال حفل تقديم خطابات اعتماد سفراء أجانب في الكرملين: "نقترح بدء مفاوضات جوهرية حول هذا الموضوع". وأكد الرئيس الروسي: "نحن بحاجة إلى ضمانات قانونية، لأن زملاءنا الغربيين لم يحترموا التزاماتهم الشفوية المناسبة، ويعلم الجميع أنه تم تقديم تأكيدات شفهية بشأن عدم توسيع الناتو باتجاه الشرق بعد سقوط الاتحاد السوفياتي. لقد فعلوا العكس تماما". واتهم بوتين الحلف الأطلسي، بأنه "تجاهل بذلك المخاوف الأمنية الروسية المشروعة ويستمر في تجاهلها". وأصر على أن روسيا تريد "ضمانات أمنية قوية وطويلة الأمد"، مشيرا إلى أن هذه الاتفاقيات يجب أن "تأخذ في الحسبان مصالح روسيا مثل جميع الدول الأوروبية الأطلسية". بلينكن من ناحيته، دعا بلينكن روسيا إلى "خفض التصعيد، والعودة إلى الدبلوماسية"، مهدداً مرة جديدة بـ"عواقب وخيمة" إذا شنت موسكو "عدوانا" على أوكرانيا. وقال بلينكن لنظيره الروسي خلال لقاء متوتر في السويد: "نشعر بقلق بالغ إزاء خطط روسيا لتنفيذ عدوان جديد على أوكرانيا"، مشيراً إلى أن روسيا ستواجه "عواقب وخيمة" إذا لجأت إلى المواجهة مع أوكرانيا. وكان الوزيران تصافحا خلال ثاني لقاء لهما عقداه أمس، بعد "تحية الكوع" في لقائهما الأول في مايو الماضي. إلى ذلك، أعرب نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، أمس، عن أمل بلاده في إقامة "تواصل" بين الرئيس الروسي ونظيره الأميركي جو بايدن "في الأيام المقبلة"، لكنه أكد "لم يتمّ التوافق على أي موعد حتى الآن". أوستن وخلال زيارته لكوريا الجنوبية، قال وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، أمس، إن أي رد أميركي على تصرفات روسيا تجاه أوكرانيا سيتم بالتنسيق مع المجتمع الدولي، ودعا موسكو إلى التحلي بالشفافية بشأن حشدها العسكري على حدود أوكرانيا. وعبَّر أوستن عن أمله في أن تعمل الولايات المتحدة وروسيا على "حل القضايا وتخفيف حدة التوتر في المنطقة". استعادة القرم إلى ذلك، أعلن المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، أمس، أن روسيا تعتبر النية التي أبدتها أوكرانيا باستعادة شبه جزيرة القرم، التي ضمتها موسكو عام 2014، "تهديدا مباشرا" لها، في إشارة إلى تصريحات للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينكسي، أمس الأول، في خطاب أمام برلمان بلاده، قال فيه إن "تحرير القرم هو هدف وفلسفة وطنية". وكان يتحدث بذلك عن جهود أوكرانيا في هذا الاتجاه على الصعيد الدبلوماسي، وليس عن تدخل عسكري. واعتبر بيسكوف أن "مثل هذه الصياغة تعني أن نظام كييف لديه نية استخدام جميع الوسائل بما في ذلك القوة، للتعدي على الأراضي الروسية"، وأعرب عن خشيته من عملية عسكرية لكييف في شرق البلاد. وعن احتمال نشوب حرب في دونباس، رأى بيسكوف أن "احتمال حصول عمل عسكري أوكراني في الشرق الانفصالي يبقى مرتفعا، إذ نلاحظ زيادة في كثافة الأعمال المستفزة على خط التماس". وفي الفترة الأخيرة، تعرب سُلطات كييف وبعض الدول الغربية عن قلقها بشأن حشد مزعوم لقوات روسية قرب حدود أوكرانيا. بيسكوف من جانبه قال إن روسيا تنقل قواتها داخل أراضيها ووفقا لتقديرها الخاص. وشدد على أن ذلك لا يهدد أحدا، ولا يجب أن يقلق أحدا. ويشهد شرق أوكرانيا حرباً بين كييف وانفصاليين موالين لروسيا اندلعت عام 2014، بعد ضم موسكو شبه جزيرة القرم. وأودى النزاع بحياة أكثر من 13 ألف شخص. وتراجعت حدة الاشتباكات كثيرا منذ إبرام اتفاقات سلام عام 2015، لكن لا تزال تندلع أعمال عنف بشكل منتظم. وأعلنت روسيا، أمس، القبض على 3 يشتبه في أنهم عملاء للمخابرات الأوكرانية، واتهمت أحدهم بالتخطيط لتنفيذ هجوم باستخدام عبوتين ناسفتين. ونفت كييف هذه المزاعم ووصفتها بأنها ملفقة. ووسط هذه الأجواء، قُتل جندي أوكراني على الجبهة أثناء اشتباكات مع الانفصاليين الموالين لروسيا، ما يرفع حصيلة القتلى في صفوف الجنود الأوكرانيين إلى 61 منذ مطلع العام في شرق البلاد، حيث تخوض قوات كييف منذ 2014 حربا أسفرت عن 13 ألف قتيل. «سيناريو جورجيا» أم مناورة قبل القمة مع بايدن؟ بدأت التحذيرات من غزو روسي في أواخر أكتوبر، عندما جرى تداول مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي تظهر تحرك قوات روسية ودبابات وصواريخ نحو الحدود الأوكرانية. وقال مسؤولون أوكرانيون في ذلك الوقت، إن روسيا أرسلت نحو 115 ألف جندي إلى المنطقة. ودائما تتهم كييف وحلفاؤها الغربيون موسكو بإرسال قوات وأسلحة عبر الحدود لدعم الانفصاليين الموالين لها، الذين سيطروا على منطقتين شرقيتين في عام 2014، بعد وقت قصير من ضم روسيا لشبه جزيرة القرم. وعززت روسيا في السابق قواتها على الحدود الأوكرانية هذا الربيع، فيما توقع بعض المحللين أن الهدف من ذلك هو جني فوائد دبلوماسية. لكن روسيا أعادت سحب تعزيزاتها بعد وقت قصير من إعلان الرئيس الأميركي، جو بايدن، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين عقد قمة بينهما. وقال بعض الخبراء إن بوتين قد يعود إلى الحيلة نفسها مع استمرار المحادثات بشأن عقد قمة أخرى الشهر المقبل. وأشار آخرون إلى أن أوكرانيا أغضبت روسيا باستخدام طائرات مسيّرة صنعت في تركيا، العضو في حلف "الناتو"، ضد الانفصاليين. واتهم بوتين الغرب بتجاهل "الخطوط الحمراء" لروسيا من خلال إجراء تدريبات في البحر الأسود، وإرسال أسلحة حديثة لكييف مطالبا بـ"ضمانات قانونية" من حلف شمال الأطلسي بعدم التوسع شرقا. في مقال نشر في يوليو، وصف بوتين أوكرانيا بأنها معقل تاريخي للشعب السلافي وحذر الغرب من محاولة قلبها ضد روسيا. وكتب فيه "لن نسمح أبدا باستخدام أراضينا التاريخية والأشخاص القريبين منا الذين يعيشون فيها ضد روسيا". وأضاف "للذين سيشرعون في محاولة مماثلة، أقول لهم إنهم بهذه الطريقة سيدمرون بلادهم". ونفت روسيا مزاعم تحضيرها لغزو، واصفة إياها بأنها "هستيريا"، وقال بوتين إن موسكو لم تغزو هذا الربيع كما كانت قد أشارت إليه مخاوف مماثلة. وقال ألكسندر بونوف من مركز كارنيغي في موسكو لوكالة "فرانس برس" إنه "لا يستطيع تخيل غزو بدون سبب"، متسائلا عما ستكسبه روسيا من ذلك. غير أن بعض العمليات العسكرية الروسية الأخرى تطورت بسرعة. في عام 2008، قصفت روسيا أهدافا في جورجيا، بعدما أرسل رئيسها آنذاك ميخائيل ساكاشفيلي قوات لمحاربة الانفصاليين. في نهاية نوفمبر، قارن جهاز الاستخبارات الخارجية الروسي الوضع الحالي في أوكرانيا بالوضع في جورجيا عام 2008، ودعا زيلينسكي إلى عدم ارتكاب الخطأ نفسه الذي ارتكبه ساكاشفيلي، مذكرا إياه بأن "ذلك كلفه غاليا".

مشاركة :