لماذا لا نشعر أبداً بمرور الزمن؟ أو ربما أننا نشعر لكننا منسجمون مع أفكارنا القديمة نفسها، لا نتطلع إلى جديد مهما تغير وجه الحياة من حولنا، ومهما سعت الأمم إلى تحديث أفكارها مع مستجدات العصر. ولكم يؤسفني ألا نكون جزءاً من تطور الأمم وبلدنا كل يوم يشهد جديداً. بلدنا كل بضع سنوات يشهد تحولاً كاملاً تقريباً، سواء في عمارته ومرافقه وخدماته وأيضاً أهله الذين يسايرون التطور العالمي على نحو مثير للإعجاب، إلا أن مفاهيم بعينها ما زال الاقتراب منها أشبه بالاقتراب من لغم أرضي قديم راسخ في الأرض لا تبدو منه إلا قمته، في حين يتحفز جسده للانفجار فيك في أي لحظة، ما إن تتجرأ على الاقتراب منه. لكم أثار إعجابي وفخري معاً ابنتنا ضحية المعتدي الأثيم الذي تجرأ على أعراضنا قبل أيام، قبل أن يسقط في يد إخوتنا رجال الحسبة، الذين ندخرهم لهذه الصنوف المريضة من البشر، بعد بلاغ من الفتاة الشجاعة بموافقة أهلها بالطبع، وأتصور أن هذا الإجراء الذي أعرف كثيرين يعدونه عيباً بل عاراً وفضيحة، سيكون رادعاً لأمثال هذا المريض بهوس الجنس، وما أكثرهم، حين يعلمون أن الأمور لن تمر مرور الكرام، وأن الفتاة لن تتكتم على الأمر خشية الفضيحة.. وأي فضيحة يا بناتنا العزيزات لمغصوبة مغلوبة على أمرها، لا حول لها ولا قوة في مواجهة وحشين بشريين وربما يكونان في مرات أخرى أكثر من ذلك؟ إن الفضيحة فضيحة الجاني، والعار عاره، يعبر به ويعاقب في الدنيا، ثم يلقى جزاءه في الآخرة، أما أنت يا ابنتي فما أشجعك على المواجهة، هذا أشرف لك وأكرم من أن تتركي ذئباً مثل هذا يفلت بفعلته. ومن يدري لعلها ليست المرة الأولى، لكن الأكيد أنه لو لم يبلغ عنه لما كانت الأخيرة، ما يدعونا لوقفة تقدير للوقفة الشجاعة من والد الفتاة، ذلك الأب الذي لولا دعمه لابنته وتربيته إياها على الشجاعة والمواجهة، لظلت هذه الكارثة ربما خوفاً تعيش به مدى الحياة، خوف ربما يصنع منها حالة رهاب غير قادرة على التعايش مع البشر، وغير قادرة على الزواج وحمل مسؤولية أسرة أو الشعور بالأمان مع رجل، حتى إن كان هذا الرجل زوجها. فملفات مختصي الأمراض النفسية والعصبية مكتنزة بمئات حالات الاكتئاب والرهاب والعصاب التي يحار في أمرها الأطباء، وما هي إلا حالات خوف قديم دفين في نفوس أشخاص لم يجدوا السبيل للشكوى أو إعادة التأهيل النفسي المبكر الذي أحسب ابنتنا الآن في حاجة إليه، وما من شك في أنها ستحصل عليه بيسر، ما دام لديها مثل هذا الأب الرحيم الذي ربى ابنته على الحب والثقة والأمان، وكان سندها في شدتها، وليس معاناة إضافية، فتحية لك أيها الأخ الكريم. إن هذا المسلك الشجاع من ابنتنا الضحية، وأسرتها، سيشجع من يتعرضن لمثل هذه الجرائم، وما أكثرهن، على الكشف عن هوية الجناة، حتى لا يقعن ضحايا ابتزازهم، ثم تتطور الأمور إلى ما لا تحمد عقباه، وأيضاً حتى لا يواصل هؤلاء مسيرتهم الإجرامية بالتعدي على ضحايا جدد. ومن خلال متابعتي لكثير من صفحات مواقع التواصل الاجتماعي التي تناقلت هذه الواقعة، لاحظت قدراً كبيراً من التفهم والتقدير لمسلك الفتاة والتعاطف معها، وهذا يعني أن المجتمع لم يعد يرى في الكشف عن مثل هذه الجرائم عيباً، بل إجراء صحياً على سبيل تحرير المرأة من أسر ثقافة العيب بداعٍ ومن دون داعٍ، وفي حالة مثل هذه لا يعلم إلا الله ما الذي يمكن أن تدفعه أي فتاة أو امرأة ثمناً لهذه الثقافة، التي ما من شك في أن المرأة وحدها من يدفع ثمنها، في حين أن أهلها مطمئنون على سمعتهم وسيرتهم، حتى الجاني يواصل جنايته وجرائمه مطمئناً، والمسكينة وحدها تدفع الثمن. ولعلها أيضاً تكون سانحة لنتساءل: هل ما نزال مصرين بعد هذه الجرائم التي نعلم جميعاً أنها تحدث من دون أن يكشف عنها أحد، خشية الفضيحة، وأن نراجع أفكارنا في حق بناتنا وزوجاتنا وأخواتنا في التمتع بحريتهن وأمانهن الشخصي خلف مقود سيارة لا يشاركها خلوتها فيها رجل، ولا يطمع فيها طامع، أو حتى تحدثه نفسه بالإثم وإن لم يفعل؟ أما آن الأوان لتشعر نساؤنا أنهن مثل نساء العالمين؟ أسأل الله أن يهدينا سواء السبيل.
مشاركة :