تناولت في مقالي الأخير تحت هذا العنوان، كيف حفل دستور الكويت بالمبادئ الإسلامية السامية في المساواة والتعاون والتراحم بين الناس جميعا، وأنه لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى، كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام، وبالقيم الإنسانية الرفيعة التي حفل بها الدستور، كما حفل بها قانون الوحدة الوطنية، وغيره من تشريعات الرعاية الاجتماعية والإنسانية. وقد أردت في المقال السابق استظهار سقف التشريع الوطني الذي لا يتناسب وحملة الكراهية وبغض الآخرين، الذي يصب زيته مرتادو "فيسبوك" على نارها، فتزداد اشتعالا كل يوم. الكويت لا تزال إمارة الإنسانية وفي هذا السياق لا أحد ينكر الأعمال الإنسانية التي تقوم بها دولة الكويت في مجاهل إفريقيا وآسيا، وفي مواجهة النكبات والكوارث التي تصيب شتى دول العالم، وما تقوم به كذلك منظمات المجتمع المدني الكويتية في هذا الشأن، وعلى رأسها جمعية العون المباشر والهلال الأحمر وغيرهما. وقد كان موقف الهلال الأحمر القريب ورئيسه الفاضل الدكتور هلال الساير وزميلاه الفاضلة مها البرجس وأنور الحساوي، وموقف جمعية العون المباشر برئاسة الدكتور عبدالرحمن السميط ومساعداه العنزي وخالد الزيد، في تلبية النداء الإنساني لشعب لبنان الشقيق، شهادة صدق على مكانة الكويت الدولية في الإسهام في ركب العطاء الإنساني، لتكون جديرة دائما باللقب الذي أطلقته عليها الأمانة العامة للأمم المتحدة، بأنها إمارة الإنسانية، بالرغم من الخلل الإعلامي الداخلي في بعض قنوات التواصل الاجتماعي ضد الآخر، والذي يقف المسؤولون فيه ومسؤولو منظمات المجتمع المدني موقف اللامبالاة، وكأن الأمر لا يعنيهم، حتى جمعية حقوق الإنسان في الكويت لا تصدر بيانا أو تصريحا يشجب ويستنكر حملة الكراهية ضد الوافدين من العرب بوجه عام. الصحافة ساحة للحوار والنقاش إن أعظم ما في الفكر هو الاختلاف، وإن أجمل ما في الاختلاف هو الحوار، وقد كانت الصحافة في الماضي ساحة للحوار والنقاش، الذي غاب عن بعض قنوات التواصل الاجتماعي التي تغشاها العدواة والبغضاء للآخر، والويل والثبور وعظائم الأمور لمن يخرج على هذا النهج في كراهية الآخرين. كانت هناك تقاليد صحافية تمنع نشر الأخبار والموضوعات التي تسيء إلى الذوق العام أو تجرح المشاعر بأي صورة من الصور، وكانت هناك قواعد مهنية حتى في نشر أنباء الجرائم ما يباح وما لا يباح نشره حماية للأخلاق والتقاليد والعادات وللنظام العام في الدولة. وقد حرص دستور الكويت في المادة (46) على النص على أن احترام النظام العام ومراعاة الآداب العامة واجب على كل سكان الكويت. المناظرة في مفهوم الأئمة وقد تعلمنا من أئمة الفقه الإسلامي تواضعهم في العلم والمناظرة، فالإمام أبو حنيفة، رحمه الله، يقول "علمنا هذا رأي، فمن جاءنا بخير منه قبلناه"، ويقول الإمام الشافعي، رحمه الله، "ما ناظرت أحداً قط، إلا وتمنيت أن يوفق ويسدد ويعينه الله ويرعاه فيما يطرحه، ولن أبالي إذا بين الله الحق في المسألة محل المناظرة سواء على لساني أو على لسانه". وكان الأئمة الكبار والعلماء يهتدون في هذا بهدي النبي، عليه الصلاة والسلام، فيما أرساه من مبادئ سامية وقيم رفيعة، ومن هذه المبادئ والقيم أن الرجوع إلى الحق فضيلة في قول النبي: "إنما أنا بشر أخطئ وأصيب، وإنكم تختصمون إلي ولعل أحدكم ألحن بحجته من بعض، فمن قضيت له بحق أخيه فلا يأخذه فإنه جمرة من نار". شعب الكويت جزء من الأمة العربية هذا ما نصت عليه المادة الأولى من الدستور، وفي تفسير المذكرة التفسيرية للدستور لهذا النص تقول إن المقصود بشعب الكويت أن للكويت كيانها السياسي المتميز منذ قرون، مما جعل من الكويتيين شعبا بالمعنى الدستوري، ولكنه جزء من الأمة العربية، فوجب ألا تدخل على عبارة "شعب الكويت" أداة التعريف حتى لا يكون في هذا المزيد من التخصيص، بما يجافي وحدة هذه الأمة الشاملة، ولذلك كان الاصطلاح المذكور أفضل من اصطلاح الشعب الكويتي وأكثر تجاوبا مع القومية العربية. ولم يكن نص الدستور في هذا السياق يرفع شعاراً أو يدغدغ المشاعر بهذا النص، فالدساتير تضع التصور العام للدولة بأركانها الثلاثة الشعب والأرض والحكومة، فالدستور كان يقنن حقيقة ثابتة وراسخة وأصيلة وكامنة في وجدان كل عربي رغم اختلاف التيارات السياسية وأنظمة الحكم لأنها قوة ذاتية كامنة في نفوس العرب جميعا، لا تحدها الحدود الجغرافية للأقطار العربية. وإن النعرات الإقليمية مصيرها إلى زوال رغم أنف بعض قنوات التواصل الاجتماعي، وبثها للكراهية والبغض في صفوف أبناء الأمة العربية، ولا يخفى علينا أن من شأن هذه النعرات الإقليمية العنصرية أن يتحول كل قطر عربي إلى جزيرة منعزلة في وسط بحر عاصف متلاطم الأمواج.
مشاركة :