يبدو أن الأزمة بين روسيا وأوكرانيا مستعصية على الحل، حيث تشهد بين الحين والآخر مزيدا من التصعيد في ظل تمسك كل دولة بموقفها، وهو ما ينذر بخطر اندلاع حرب جديدة في المنطقة قد تتسع لتتحول إلى حرب عالمية.ويناقش العالم مجددا إمكانية إقدام روسيا على شن حرب ضد أوكرانيا، إلا أن الظروف هذه المرة تعد استثنائية.وفي الربيع الماضي، انتهى حشد القوات الروسية لإجراء مناورات عسكرية بالقرب من حدود أوكرانيا بسلسلة من الاتصالات بين الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيسي روسيا فلاديمير بوتين وأوكرانيا فلاديمير زيلينسكي، أعقبتها قمة عقدت في فصل الصيف بين بايدن وبوتين، وفي ذلك الوقت تم تفسير تصاعد التوترات بأنه نتيجة للرغبة في وضع الصراع بمنطقة دونباس على أجندة الرئيس الأمريكي الجديد للضغط من أجل إجراء محادثات جديدة حول هذه القضية.وقال الباحث الروسي ألكسندر بونوف، الزميل البارز في مركز «كارنيجي» للدراسات في موسكو، في تقرير نشره موقع المركز: إنه على الرغم من أن التصعيد الحالي يشبه التصعيد الذي حدث في الربيع، دخلت مجموعة كبيرة من الظروف الجديدة في الموقف، وقد انتهكت وزارة الخارجية الروسية محظورا دبلوماسيا من خلال نشر مراسلات دبلوماسية سرية مع ألمانيا وفرنسا بشأن أوكرانيا «وهو أمر كان بحاجة إلى الحصول على موافقة من أعلى المستويات في الدولة».وخلال حديث في وزارة الخارجية بعد هذا بفترة قصيرة، دعا بوتين إلى «ضمانات جادة وطويلة المدى تضمن أمن روسيا في حدودها الغربية، لأن موسكو لا يمكن أن تفكر باستمرار بشأن ما يمكن أن يحدث هناك غدا».ويقول بونوف: إنه لم تتضح الصورة التي ستأخذها هذه الضمانات، ولكن من المرجح أنه قبيل قمة أخرى محتملة بين بوتين وبايدن، ستحب موسكو أن تحصل على تأكيدات مشابهة لتلك التأكيدات التي قدمت لبكين، بعدم الدخول في صراع مفتوح مع الصين وعدم محاولة تغيير النظام السياسي الصيني، وبدلا من هذه التأكيدات، شهدت روسيا سفنا عسكرية غربية قريبة من الحدود الروسية، ومشروع قرار تم تقديمه إلى الكونغرس الأمريكي يعلن بشكل تلقائي أن حكم بوتين غير شرعي فيما بعد الانتخابات المقبلة المقررة في 2024.ويبدو أن روسيا لا تمتلك نفس النفوذ الذي تمتلكه الصين لتحصل على تلك التعهدات التي قدمتها قوة عظمى إلى قوة عظمى أخرى، وكقوة عظمى تجسدت مؤخرا، تعتبر روسيا هذا الموقف مزعجا بشكل خاص، وتسعى لاستخدام الصراع المشتعل في شرق أوكرانيا للحصول على مزيد من النفوذ.ويضيف بونوف إنه «لذلك، يجد الغرب نفسه، يواجه معضلة غير مريحة تتمثل في تعزيز وضع روسيا، وبذلك يكافئها على استغلال صراع مشتعل، أو رفض منحها التعهد الذي ترغب في الحصول عليه، وبذلك يبقي على الصراع في وضعه المشتعل».ورأى بونوف أن قيام روسيا بالكشف عن الاتصالات الدبلوماسية ودعوة بوتين للحصول على ضمانات، يمكن تفسيرهما بطريقتين، وهما إما أن موسكو لديها معلومات أن «كييف» تدرس جديا حلا عسكريا لمشكلة انفصاليي دونباس، وإما أن تكون روسيا نفسها تستعد لعملية عسكرية في شرق أوكرانيا، وهذه البيانات الانفعالية مجرد محاولة للتبرأ من المسؤولية عن أفعالها المستقبلية، وكأنها تقول «إنه للأسف، موسكو حذرت من العاصفة القادمة، ودعت إلى اتخاذ إجراء، ولكن بلا فائدة».واعتبر بونوف، أن المشكلة هي أنه إذا حدث السيناريو الأول وهو استعادة أوكرانيا لدونباس بالقوة، فإنه سيتحول إلى السيناريو الثاني على الفور، وهو غزو روسيا لأوكرانيا، ولن يكون هناك وقت كاف لدى الصحفيين والسياسيين الغربيين لاتخاذ قرار بشأن مَن الذي بدأ الحرب، أو الدافع وراء ذلك، نظرا لأن تحرك أوكرانيا سيكون على أرض يعترف المجتمع الدولي بأنها تابعة لها، على عكس روسيا التي سيتم وصفها حتما بالطرف المعتدي.وحتى إذا كانت روسيا ترد فقط على إجراء اتخذته أوكرانيا، فإن تحركها سيعتبر غزوا، وهو شيء حذر منه الغرب. وسيكون تحديد طبيعة الرد المناسب على استخدام القوة عملية طويلة وصعبة.واختتم بونوف تقريره قائلا: إن موسكو وكييف اختارتا في الوقت الراهن، زيادة أهميتهما من خلال إظهار -أنهما بسلوكهما المنضبط والمسؤول- ينقذان الإنسانية من خطر اندلاع صراع عالمي.
مشاركة :