كيف نواجه الواقع الفائق؟

  • 12/6/2021
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

فى مطلع الثمانينيات الفائتة، حاول المفكر الفرنسى جان بودريار التعليق على الحالة المعلوماتية التى يتجه إليها العالم بقوله: «فى هذا العالم تزداد المعلومات أكثر فأكثر.. بينما يصبح المعنى الحقيقى أقل فأقل.. ستضحَى التشبيهات فى المجتمع المعولم أشدّ مصداقية من الواقع ذاته.. ستكون واقعًا فائقًا Hyper Reality، واستنادًا إلى ذلك الواقع، الذى هو فى حقيقته مفبرك ومصطنع، سيُشكَّل الوعى والوجدان لقطاعات كبيرة من الجمهور». لم يكن عالم «التواصل الاجتماعى» قد أطل علينا بتطوراته المذهلة حينما طوّر «بودريار» نظريته عن ذلك الواقع الفائق، فى كتابه «التشبيه والمحاكاة»، الذى نشره عام 1981، ومع ذلك فإن هذا المفكر الكبير استطاع أن يتنبأ بحالتنا المعلوماتية الراهنة قبل الوصول إليها بعقود. يدق «بودريار» ناقوس الخطر إذن، إذ يعتقد أن العناصر المُختلَقة، التى باتت تلعب الدور الأكبر فى تشكيل وعى الجمهور ووجدانه، ستشكل ما يمكن اعتباره واقعًا موازيًا، وهو واقع مُختلَق بالكامل من شأنه أن يأخذ الجمهور إلى تصورات منحرفة وقرارات خاطئة. سيأتى مُنظِّرون ومفكرون آخرون لاحقًا مثل الأمريكى نيل بوستمان والإيطالى أومبرتو إيكو بشىء من هذا الوصف، لكن الفضل سيبقى لـ«بودريار»، كونه اتخذ من الواقع الفائق محورًا أساسيًا لمشروعه الفكرى. يعتقد «بودريار» أن فيضان المعلومات المُضلِّلة سينتج واقعًا فائقًا يحاكى الواقع الراهن فى سمته ولا يشبهه فى تفصيله، بل هو يختلق تفاصيل مصطنعة ضمن هذا السمت بحيث تُغرى بتصديقها وتبنيها. لقد تفاقمت تأثيرات الأخبار المغلوطة عبر الوسائط الجديدة بسبب ما تمتلكه من أدوات إقناع أَمْضَى وقدرات انتشار أوسع، حتى إن دراسة مهمة، صدرت عن جامعة نورث ويسترن، قبل عامين، أفادت بأن معدلات ثقة الجمهور العربى فى وسائل الإعلام تراجعت بنسب تراوحت ما بين ٣٩٪ و٤٢٪. وأكدت الدراسة، التى استهدفت عينة من سبعة آلاف مبحوث فى سبع دول عربية، أن أكثر من نصف المبحوثين يعتقدون أن الأخبار السياسية معظمها «ملفق». ثمة عدد من الخطوات الضرورية التى يمكن باتباعها تحجيم أثر الأخبار الزائفة ولجم الشائعات واحتواء مخاطرها إلى أقصى درجة ممكنة، وهى خطوات لا تتضمن سَنَّ قوانين عقابية، لكنها تحتاج إرادة وعملًا مدروسًا مستديمًا لكى تظهر نتائجها على المديين المتوسط والبعيد. أولى هذه الخطوات يتمثل فى علاج الحالة المعلوماتية المصرية، وتحويلها إلى حالة معلوماتية أكثر كفاءة وشفافية، عبر صدور قانون الحق فى تداول المعلومات، الذى ينص عليه الدستور فى المادة 68. عندما تتوافر المعلومات الدقيقة، سيقل الميل إلى الاختلاق والتزوير، وستدحض الأخبار الصحيحة نظيرتها الزائفة وتبعدها عن مجال التأثير. أما ثانية هذه الخطوات فتتصل بتوفير برامج تدريب جادة للعاملين فى مهنة الصحافة والإعلام، وبفضل هذه البرامج، ستتم ترقية مهارات الصحفيين فيما يتعلق بالتعاطى مع الإفادات الواردة من وسائط التواصل الاجتماعى. وثالثة هذه الخطوات تتعلق بضرورة إصدار أدلة مهنية لتنظيم التعامل مع المعطيات المتوافرة فى «السوشيال ميديا»، وتوضيح طرق استخلاص الحقائق منها فى حال كانت موجودة. أما رابعة تلك الخطوات فتتعلق بضرورة تعزيز المجال الإعلامى الوطنى التقليدى، ومنحه ما يستحقه من حرية وتعدد وتنوع لأن كل تراجع فى هذا المجال يشكل فرصة للأخبار المغلوطة ويعزز الميل إلى التضليل. يجب أيضًا تشجيع مستخدمى وسائط التواصل الاجتماعى، خصوصًا من الشباب، على تبنى آليات التنظيم الذاتى لأدائهم على تلك الوسائط، ومن بين ما يمكن فعله فى هذا الصدد وضع آلية للإبلاغ عن الأخبار الزائفة والتعليقات المسيئة التى تدعو إلى الكراهية والعنف، واتخاذ إجراءات فورية ضد المستخدمين الذين اعتادوا نشر الشائعات والمحتوى الضار، مثل إبلاغ إدارتى «فيسبوك» و«تويتر» بإغلاق حساباتهما، إضافة إلى تبنى المبادرات التى تكشف الأخبار الزائفة وتعمل على توفير المعلومات الصحيحة.

مشاركة :