الفساد أنواع يا سادة..!

  • 12/7/2021
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

نعود الى الحديث عن الفساد.. اليوم العالمي لمكافحة الفساد الذي يصادف بعد يوم غد الخميس «9 ديسمبر» حاملاً هذا العام شعار «احفظ حقك، العب دورك، قل لا للفساد»، استوجب هذه العودة كما لو اننا على موعد يذكّرنا بالفساد الذى ينتشر ويتألق فى أصقاع الأرض، فساد يرفضه الجميع، والغالبية تحجم او تعجز عن مواجهته بينما هو يكبر ويتسع ويستفحل ويتكيف مع المتغيرات ويمضي باصرار وثبات من جانب من يصنعونه ويعيدون انتاجه وينشرونه ويوزعونه ويوجدون له بيئات حاضنة، ويفتحون له آفاق جديدة على مختلف المستويات وعلى كل الصعد، وهو الأمر الذي يعيق الأمل في الاصلاح والتنمية.. لن ندخل في تفاصيل نخلص فيها الى ان الفساد يعتبر خللاً وانحرافاً، او اهتراء في حواشي اي دولة او نظام، ولا ماذا تقول التقارير الدولية عن الفساد في يومه العالمي، فذلك يستحق وقفات ووقفات، ولكن اسمحوا لنا هذه المرة التوقف على انواع من الفساد في منطقتنا العربية التي بات الفساد في كثير منها او معظمها لا يشبه اي فساد، والفاسدين فيها غير كل الفاسدين، هناك من يرى بأنهم أبرع وأفسد من كل الفاسدين في العالم..!، وأسوأهم وأخطرهم اولئك الذين يفترض انهم في صدارة من يتصدى ويحارب الفساد بضراوة، ولكنهم يعملون على تمرير الفساد ويغطون عليه، ويعممون مناخات غلبته على جهود مقاومته، مناخات تؤدي الى انقاذ وتكبير المفسدين وتوسيع قاعدتهم وتحويل المقاومين للفساد الى متهمين او مشاريع متهمين، مناخات تبقي على اشخاص يمارسون الفساد ويتسترون عليه ويدعمونه ويحمونه ويمنعون محاسبته، لا تنفع معهم استراتيجيات مواجهة ولا تقارير رقابية، ولا أجهزة مكافحة، ولا تشريعات حمائية او عقابية، ولا سياسات ردع، ولا مجالس نيابية عليها اكثر مما لها، ولا اي شيء من هذا القبيل، اذا تمت كل تلك الآليات أعجز ما تكون على تنفيذ دورها وما هو مطلوب منها وبقي هدف محاربة ومقاومة الفساد في الاطار النظري..!  نأتي الى صلب الموضوع، انواع الفساد، هناك على سبيل المثال فساد رجال دين، وفساد سياسيين، وفساد نواب، وفساد بجامعات، وفساد نقابات ونقابيين، وفساد أندية، وفساد رياضي، وفساد اعلاميين، وفساد صحفيين، ومثقفين، ومحامين، وأطباء، وفساد قطاع خاص، وفساد امتد الى مؤسسات مجتمع مدني، انواع من الفساد بصورة او بأخرى في كل شأن ومجال وميدان، كلها تمثل حالات من التردي التي تقّلب المواجع وتدمغ واقعنا العربي بما ينال من عافيته ويهدد مناعته ويذهب به الى المزيد من التراجع والبؤس والسقوط، دعونا نتوقف سريعاً وبقدر ما أمكن امام بعض هذه الأنواع لان المضي في هذا المجال يحتاج الى صفحات..! بالنسبة لفساد من هم بحسبة رجال دين يتجلّى في صور شتى أسوأهم وأخطرهم أولئك الذين يرون بأنهم أدوات الله لتحقيق ارادته فيما هم يتلاعبون باسم الدين، يسعون لتقييد المجتمع بولاءات يفرضونها عليه، يكرسون التخلف، يشكلون خط الدفاع الأول عن الفساد، يكيّفون الدين حسب أهواء الحاكم او رغبات احزابهم وتياراتهم ومصالحهم، وجعلوا الدين سلعة يتاجرون بها ويتربحون، ومن يختلف معهم هو جاهل وسفيه وكافر ومرتد وزنديق وخارج عن الملّة...الى آخر القائمة..!  بالنسبة لفساد النواب اسمحوا لنا ان نقف امامه وقفة مطولة فهو من أسوأ الأمور التي تواجه اي شعب، فساد من يمثل هذا الشعب، فساد من يفترض انهم اول من يتصدى ويحارب الفساد، وأول من يجعل الفساد في صدارة اهتماماته وأولويات عمله، وأول من يضع الآليات والتشريعات والقوانين التي تضع حداً للفساد، وعلينا ان نلاحظ كيف كان فساد النواب ضمن المحركات الرئيسة للاحتجاجات والانتفاضات الشعبية في العراق، ولبنان، والجزائر، وتونس، وربما في غير ذلك من بلدان عربية اخرى.. فساد نواب في بعض المجالس البرلمانية العربية وجدناه يتجلى في برلمانيون «قننوا» الفساد، جعلوه القانون الذى لا يجوز الخروج عليه، نواب مارسوا الاحتراف والبراعة في المواقف السياسية وبيع الكلام وإزعاج الناس بمواقف ذات صوت وضجيج تظهرهم وكأنهم تجار شنطة سياسية، ويتجلى في ارتهان بعضهم لإملاءات خارجية، ولمشاريع مشبوهة تمزق الممزق، وتفتت المفتت وتغذى وتعمق الفتن تحت راية من الرايات، الحزب او الدين او المذهب او القبيلة او العشيرة او راية هذا من جماعتنا، وحتى المصلحة الوطنية تلاعبوا بها كيفما يشاؤون، منهم من شرّق وفقاً لما يريده الأرباب ومن يحركونهم كالدمى، وبدل ان يمارسوا الديمقراطية جعلوها ديمقوخراطية، يكفى ان نتمعن واقع الحال فيما جرى ويجري في بعض بلداننا العربية سواء على صعيد شراء الأصوات والضمائر، او تمييع قيم النزاهة والشفافية وتعطيل المحاسبة النيابية وأخضاعها لعراقيل ومحاذير وحسابات، ويضاف الى ذلك أداء يتسم بالقحط ويغلب عليه الطابع الهزلي..! في البحرين، فساد بعض النواب ليس جديدًا علينا، بل كان قديمًا ومتداولاً، وجدناه في البداية في ترويع وترهيب وترغيب وترهيب الناخبين لتجيير او شراء الأصوات أيام الانتخابات، وجدناه أيضًا وقد تجلى في محاولات بعض النواب طأفنة مشاريع استجوابات ماتت قبل ان تولد، وجدناه كذلك في مساومات ومقايضات معينة من خلف الستار لفرض تعيينات في بعض المواقع والمراكز، وفي ذلك الجدل الواسع الذي أثير قبل سنوات حول استغلال 9 نواب لمقاعدهم النيابية ونفوذهم في تغيير تصنيف منطقة سكنية الى منطقة تجارية بعد ان استملكوا مجموعة من الاراضي في احدى المناطق السكنية، وبذلوا كل جهد ممكن من اجل تغيير تصنيفها لترتفع اسعار أراضيهم 3 أضعاف في ظل جدل شعبي وصمت رسمي ونيابي، وقيل ان المقابل مهادنة النواب او تجاهلهم لملفات ليس من الواجب السكوت عليها، وبالنهاية هو أمر مثير لشبهة فساد. فساد النواب وجدناه أيضًا يتجلى في نواب حوّلوا الممارسة البرلمانية الى ممارسة شكلية او خاضعة لاعتبارات وأرضيات وحسابات، او حين يتصرفون كموظفين عند هذا الوزير او ذاك المسؤول او تلك الجهة، وليس كممثلين عن الشعب، وجدناه ايضاً في لقاءات مغلقة بين نائب ووزير لتمرير معاملة خاصة، او تخليص معاملات بعض أبناء دوائرهم الانتخابية من الأحباب والأنصار دون مراعاة لمبدأ المساواة وتكافؤ الفرص والأولوية وأحقية الآخرين، وتجلى في التدخل في فرض تعيينات خارجة عن القواعد والأصول، وجدناه ايضاً يتمثل فى قصور متعمد عن الواجبات الرقابية بشكل صحيح، ويمكن هنا ان نسترجع مشهد لا ينسى حين بذل بعض النواب جهودًا في تعطيل آليات المحاسبة والمساءلة من خلال تعديل اللائحة الداخلية للمجلس النيابى في يونيو 2014 وتكبيل عملية الاستجواب بإقرار اشتراط موافقة ثلثى اعضاء على آلية الاستجواب في خطوة قيّدت وعقدت استجواب اي وزير..!، او حين عطلوا تشكيل لجان تحقيق، او حين غلب منطق «الكيدية» في التعامل مع بعض الملفات..! نتوقف هنا فيما يخص فساد النواب، تلك مجرد أمثلة ليس إلا، فالحديث في هذا الشأن يطول..! هناك فساد من نوع آخر، هو الفساد الذي امتد الى مؤسسات مجتمع مدنى الذي وجدناه يتجلى بعزم وثبات في استمرار هيمنة اشخاص على بعض أمور هذه المؤسسات لحساب مصالح ومآرب خاصة، قزّموا هذه المؤسسات لصالح حضورهم والانانيات التى تطغى عليهم، قلصوا غايات ومنطلقات وآمال هذه المؤسسات بذريعة او بأخرى، او لصالح أفراد، او شلل، او غايات مكشوفة وغير مكشوفة، واستظلوا بأهداف او عناوين براقة، وجعلوا حال هذه المؤسسات لايختلف بشيء عن حال غابة سائبة تسودها شريعة القوى والمصالح المبطنة والصريحة..!  هناك أيضًا انواع اخرى من الفساد مثل التعيينات التي تعتمد على «الولاءات» و«المحاصصات» و«الواسطة» و«المحسوبية» والاعتبارات إياها التي تضرب كل معايير الاستحقاق، يضاف الى ذلك الاستهتار بالعمل وأخلاقياته، استغلال الوظيفة والمنصب وتقديم المصلحة الخاصة على المصلحة العامة، الابتزاز والتزوير وإفشاء اسرار العمل، وهروب نواب او موظفين من تأدية الواجب بعد الصلاة، كل ذلك وغيره في مجمله يصب بالنهاية في مجرى الفساد، تلك أمثلة ليس إلا، بئس الأمثلة..! بقي علينا أن نؤكد بأن هناك ما هو أخطر من الفساد بتعريفه الضيق او الواسع، الواضح او الملتبس، عندما يحمل مفسدون راية الاصلاح ومحاربة الفساد، وعندما يتخندق هؤلاء بالقيم والمبادئ والدين ويضيع الحق من الباطل ويلتبس على الناس معرفة الصادق من المخادع، والأخطر على الاطلاق حين يتم القفز على المسببات الحقيقية والعميقة للفساد وترك الأبواب مفتوحة ومشرّعة امام تبريرات تصمت او تغطي او تمرر او تجاري او تهوّن او تشرعن الفساد بذريعة أو بأخرى، الفساد يتسع ولا يقابل الا بشعارات وكلام ذا طابع مسرحي، لا يفيد معنى، ولا يصلح حال، ولا ينال من فاسد، والإدانة بالنهاية تشمل الجميع..!!

مشاركة :