أثبتت منظمة أوبك للدول المصدرة للنفط على الدوام أنها صمام الأمان لإمدادات الطاقة عالمياً ومع تحالفها الذي توسع ليضم الدول المنتجة من غير أعضاء المنظمة ارتفع مستوى التنسيق والتكامل للحفاظ على سوق نفط متوازن يجذب الاستثمارات له حتى تبقى الإمدادات مواكبة لنمو الطلب فلو نظرنا لآخر خمسة عشر عاماً الماضية نجد أن سوق النفط شهد تقلبات سعرية حادة بداية من الأزمة المالية العالمية عام 2008 وانتهاء بالأزمة الحالية التي تسببت بها جائحة كورونا ولكن على الدوام كانت أوبك بقيادة المملكة العربية السعودية تهدف لتوازن السوق ودعم صناعة النفط حماية للاقتصاد العالمي من ضعف نمو الطاقة الإنتاجية مما قد يؤدي لعواقب وخيمة على استدامة النمو الاقتصادي والعديد من التبعات السلبية. ولعل ما صدر عن الاجتماع الشهري لـ»أوبك +» يوم الخميس الماضي من الاستمرار بزيادة الإنتاج المقرة حسب الخطة المعتمدة بما يصل الى 400 الف برميل شهرياً بالرغم من ظهور متحور جديد بفيروس كورونا تسبب بحالة فلق عالمياً وادى لبعض الإجراءات التي تقلل الطلب على وقود الطائرات في أوروبا وإفريقيا بالإضافة لعزم بعض الدول المستهلكة ضخ كميات من احتياطياتها حتى تهدئ من أسعار النفط إلا أن لـ»أوبك +» نظرة مختلفة عمّا كان يتوقعه مضاربو أسواق النفط الذين اعتقدوا أن الاتجاه سيكون لتعديل بخطط زيادة إنتاج النفط الشهرية من المجموعة إلا أنها فاجأتهم بأنه لا تغيير بالخطة مع إبقاء الاجتماع بحالة انعقاد مفتوح للتعامل مع أي طارئ تحديداً ما يخص تطورات آثار المتحور الجديد أوميكرون فنظرة الدول المنتجة بالتحالف هي بعيدة الأمد وتنظر للسوق إستراتيجياً من حيث التوازن بين العرض والطلب وليس الهدف هو الأسعار فلو أنهم أخذوا قرارات بوقف أو خفض الزيادة دون أن تكتمل المعلومات عن آثار هذا المتحور فسينظر لقراراتهم أنها تهدف لرفع الأسعار وهذا ما لا تسعى له الدول المنتجة لأن الأسعار يحددها السوق بنهاية المطاف من خلال توازن العرض والطلب وحالة الاقتصاد العالمي وبعض المؤثرات الأخرى كضعف وقوة الدولار وإن كانت نسبة التأثير الكبرى على الدوام تبقى لصالح ضفتي السوق العرض والطلب. فالقرار جاء حكيماً ومتوازناً ويعبر عن هدف هذا التحالف الذي ينظر إلى أهمية استدامة نمو الاستثمارات بقطاع النفط ليلبي نمو الطلب العالمي حالياً ومستقبلاً خصوصاً أن التقلبات الحادة بالأسعار صعوداً وهبوطاً لا تشجع منتجي النفط على ضخ استثمارات جديدة لأن الممولين من البنوك وغيرها قد لا يكونوا متيقنين من مستقبل الأسعار ولن يغامروا بتمويل تلك الشركات خوفاً من تعثر أو تأخر السداد وهو ما يظهر حالياً في الدول التي لديها شركات عديدة تعمل بمجال إنتاج النفط الصخري بينما دول «أوبك +» بالمجمل لديها خطط دائمة لزيادة الاستثمارات والإنتاج لأنها صناعة أصيلة بالنسبة لهم وأساسية في تنمية اقتصادياتهم كما أنه يمكن أن يفهم أن ما سعى له تحالف «أوبك +» من خلال استمراره بخطته دون تعديل أن يرسل رسالة للعالم وللمستهلكين الكبار أنكم شركاء معنا في نهضة واستدامة هذه الصناعة المهمة للاقتصاد العالمي وأن توفير الإمدادات اللازمة هو الهدف وذلك لتعزيز مفهوم هذه الشراكة الاقتصادية بين المنتجين والمستهلكين. ثقة دول «أوبك +» وعلى رأسها السعودية بأن الطلب على النفط سيبقى جيداً بالمستقبل وأن هذه الصناعة تحتاج دائماً لضخ الاستثمارات لتحقيق التوازن المطلوب بالسوق ظهر بشكل واضح من خلال كل تحركات هذا التحالف منذ أكثر من أربع سنوات وبات ركيزة أساسية لحماية الاقتصاد العالمي بتوفير إمدادات النفط اللازمة له وهو ما بدأ ينعكس على أسواق النفط بأي استقرار لحركة الأسعار وإن كان من المبكر الحكم عليها نظراً لأن العالم ما زال يترقب النتائج النهائية للدراسات حول أثر متحور أوميكرون وهل ستحتاج مواجهته لأي إجراءات إضافية وإن كان من المستبعد حدوث أي اقفالات واسعة لكن الاستعداد لكل الاحتمالات يبقى هو الحل لمواجهة أسوأها.
مشاركة :