وصلت لألمانيا ارتدادات ترشح اليميني التمتطرف المثير للجدل إريك زمور للانتخابات الفرنسية، في تحول قد يحدث زلزالا سياسيا بتداعيات قد تمس ألمانيا بل وكامل أوروبا، وفق تعليقات عدد من الصحف والمنابر الإعلامية الألمانية. قد يصبح الخامس من ديسمبر/ كانون الأول 2021، إما يوما تاريخيا يؤسس لانزلاق فرنسا سياسيا إلى أقصى اليمين المتطرف، أو مجرد فقاعة سرعان ما ستندثر وسط التدافع الذي تشهده الساحة السياسية الفرنسية. ففي مساء ذلك اليوم احتشد الآلاف من أنصار اليميني المتطرف إريك زمور، تحت مطر باريسي وبرد شتوي قارس في حفل الإعلان الرسمي عن ترشحه للانتخابات الرئاسية، وهم يهتفون بشكل جنوني "زمور رئيسا". فيما تجمع آلاف المعارضين لهذا الترشح والذين يرون في زمور تهديدا للديموقراطية الفرنسية. مشهد يؤسس لانقسام عميق بدأت إرهاصاته منذ سنوات. زمور دعا أنصاره إلى "تغيير مجرى التاريخ" والمضي نحو "استرداد" فرنسا، وأضاف بأن "هناك 15 ألفا منكم اليوم تحدوا الصواب السياسي وتهديدات اليسار المتطرف وكراهية الإعلام". فيما لوح أنصاره المتحمسون بالأعلام الفرنسية وهتفوا "زمور رئيسا". زمور بنى خطابه السياسي على رفض الهجرة والإسلام، معتبرا أن "الرهان هائل، في حال فزت سيكون ذلك بداية استرداد أجمل بلدان العالم"، وتابع أن "الشعب الفرنسي يعيش هنا منذ ألف عام ويريد أن يظل سيدا في بلده". كما اشتكى من الاضطهاد الذي يتعرض له من قبل "مجموعة من السياسيين والصحافيين والجهاديين". وبهذا الصدد كتب موقع "تاغسشبيغل" الألماني (30 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021) أن زمور الذي ينحدر من عائلة يهودية جزائرية "يعتبر نفسه المنقذ لفرنسا يسعى لمنع (الاستبدال العظيم) المزعوم للسكان من قبل المهاجرين المسلمين. لذلك كان مقطع الفيديو الخاص (بترشيحه) مليئًا برسائل الهوية: نساء محجبات ومسلمون يصلون والعنف في الشوارع. مصحوبة بأصوات السمفونية السابعة لبيتهوفن. تسجيلات من حقبة الستينيات من القرن الماضي مقتطعة في صورة مشوهة". ساعة ونصف من العنف والكراهية.. التجمع الانتخابي الأول لإريك زمور غير أدوات الخطاب السياسي الذي انزلق إلى أقصى اليمين المتطرف بلغة عنصرية صريحة كسرت بشكل رسمي كل التابوهات. وهو ما يعكس تغييرا في ذهنية الناخبين في زمن باتت فيه الأحزاب اليمينية المتطرفة والشعبوية قوة سياسية متنامية. عنف خطاب زمور هو مزايدة لصد خطر الخسارة الكارثية لليمين المتطرف خلال الانتخابات البلدية في صيف 2020، وبالتالي تجنب سيناريو عام 2017، وبالتالي كان لابد من التصعيد في لغة العنف والوقاحة السياسية. وبهذا الشأن كتب موقع "شبيغل أونلاين" (السادس من ديسمبر/ كانون الأول 2021) "قام متطرفون يمينيون بضرب النشطاء المناهضين للعنصرية وهددوا الصحافيين، لكن إريك زمور استمر في الحديث. أمسية كسرت كل المحرمات - ولكن ربما كانت هذه البداية فقط لما هو قادم". زمور رفض أمام أنصاره توصيف حركته بـ"اليمين المتطرف"، ووعد بإنهاء الهجرة وإلغاء حقّ لم شمل أسر المهاجرين، وطرد غير النظاميين منهم. ويتضمن برنامجه أيضا إلغاء المساعدات الاجتماعية والطبية للأجانب غير الأوروبيين، وهي وعود ألهبت حماس الجمهور الحاضر. ويقوم تصور زمور على انصهار تام للأجانب الذين اختاروا العيش في الهوية الفرنسية. وتعهد بطرح اقتراحاته على الفرنسيين في استفتاء شعبي. ويذكر أن موضوع الهجرة يشكل العمود الفقري لبرنامجه الانتخابي، وهو أهم ما يجذب الناخبين إليه. "ترامب فرنسي مثقف" ـ زمور يعيد انتاج "الترامبية" "ترامب الفرنسي" هكذا عنونت الأسبوعية الفرنسية "شالانج" أحد أعدادها (أكتوبر/ تشرين الأول 2021) الذي يحمل صورة زمور بعنوان فرعي "أكاذيبه - استفزازاته - حضوره الإعلامي". الموضوع يصف كيف ألهمه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، موظفا مزيجا من الدعاية والاستفزاز ضد "النظام القائم" بالتركيز على موضوع الهجرة والإسلام. عندما سُئل زعيم حملة ترامب الانتخابية سابقا ستيف بانون عن زمور في مقابلة مع صحيفة "لو باريزيان" الفرنسية، أجاب بأن الأمر يتعلق بـ"ظاهرة مثيرة للاهتمام". لكن الرجلين يختلفان في شيء واحد: زمور «مثقف» على عكس ترامب الذي يرى نفسه رجل أعمال ذكي جدًا، لكنه ليس مثقفًا. ويرى زمور أن الولايات المتحدة ليس لها حلفاء، بل مجرد أتباع، مؤكدا أنه سيتعين على بلاده الانسحاب من القيادة العسكرية لحلف شمال الأطلسي الذي تهيمن عليه واشنطن. كما يعتبر أن ألمانيا تسيطر بالكامل على الاتحاد الأوروبي. وهو يعارض أيضا معاهدة شنغن ويسعى لإغلاق الحدود مع إسبانيا وإيطاليا للقضاء على الهجرة غير النظامية إلى فرنسا. ويسعى زمور، إلى تجاوز زعيمة حزب التجمع الوطني اليميني المتشدد الذي تتزعمه مارين لوبان وبالتالي خوض الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية ضد الرئيس إيمانويل ضد ماكرون . وأوضح زمور أنه قرر خوض غمار السباق الرئاسي "حتى لا تضطر بناتنا إلى ارتداء الحجاب وألا يكون أبناؤنا خاضعين (..) لم يعد الوقت مناسبًا لإصلاح فرنسا، بل لإنقاذها". وأوضح "ترامب الفرنسي" أن جان دارك ولويس الرابع عشر، ونوتردام وكنائس القرى آخذة في الاختفاء". وبهذا الصدد كتب موقع "شتيرن" الألماني (الأول من ديسمبر/ كانون الأول 2021) " إنه يدافع عن أسطورة "الاستبدال العظيم" المنتشرة في الأوساط اليمينية المتطرفة، والتي يتم بموجبها استبدال السكان الأوروبيين بالمهاجرين المسلمين وأحفادهم. بالنسبة لزمور، الحجاب والجلباب يمثلان "زي جيش محتل" . كما يسعى لمنع الأسماء الأجنبية. وبسبب مواقفه هذه يقارن البعض زمور بالرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب". مركزية الهوية ـ الهجرة سبب كل المشاكل وفي مقابلة مع القناة الفرنسية الثانية "فرانس 2" (سبتمبر / أيلول 2021) دعا زمور إلى الحفاظ على الهوية والثقافة الفرنسيتين وكذلك "العيش على الطريقة الفرنسية (..) يعني إعطاء ألقاب وأسماء فرنسية لأولاد المسلمين والمهاجرين ومنع تعدد الزوجات وارتداء ملابس غريبة والأكل على الطريقة الفرنسية، مثل تناول الأجبان، إضافة إلى احترام التاريخ الفرنسي. وفي نفس المقابلة أوضح زمور أنه بمجرد انتخابه رئيسا "سأقوم بما قام به نابوليون بشأن اليهود إبان الثورة الفرنسية" حين سن قانونا يمنع حمل الأسماء غير الفرنسية للمولودين الجدد. وسبق لزمور أن ألف كتاب "الانتحار الفرنسي" الذي كان له صدى واسع في فرنسا، واعتبر فيه أن قضايا الهجرة خرجت عن السيطرة ويجب حلها بشكل راديكالي، وهو ما تعجز عنه النخب الحاكمة التي تتداول على السلطة منذ عقود. ويذكر أن عدد المسلمين المقيمين في فرنسا يقدر بحوالي 5,7 مليون نسمة وهو ما يعادل 8,8 بالمائة من مجموع السكان. وبهذا الصدد وصفت "يوديشه ألغماينه" (الثامن من ديسمبر/ كانون الأول 2021) زمور بالقول "إنه الشخصية المظلمة للحملة الانتخابية الفرنسية: زورو زمور، أهو منتقم للفقراء أم حفار قبور للجمهورية؟ بالنسبة للبعض فإن إيريك زمور هو من ألد أعداء فرنسا، وبالنسبة للآخرين، "هو الرجل المنتظر"، الشخصية العظيمة التي يمكنها تقرير مصير بلد مزقته الأزمات". غير أن أكثر ما يزعج منتقديه هو أنه يوجد على أقصى يمين مارين لوبين التي تتزعم أقدم حزب يميني متطرف في البلاد. غير أن زمور يرى أن لوبان ليست يمينية بما يكفي، رغم أنها سبق، على سبيل المثال لا الحصر، وأن شبهت إقامة المسلمين الفرنسيين صلاة الجمعة على الطرقات بالاحتلال النازي لفرنسا. هل يتجاوز إريك زمور زعيمة اليمين المتطرف مارين لوين وينجح في الوصول إلى الدروة الثانية في الانتخابات الفرنسية القادمة؟ كاتب ألمعي من أصول يهودية جزائرية.. ولكن! ولد إريك زمور في مونتروي في 31 من أغسطس / آب 1958 من أصول يهودية جزائرية. وبعد تخرجه من معهد الدراسات السياسية في باريس بعد فشله مرتين في امتحان الالتحاق بالمدرسة الوطنية العليا للإدارة التي يتخرج منها غالبية شخصيات النخبة السياسية الفرنسية. عرف زمور كصحافي وكاتب افتتاحيات في الصحف الفرنسية المحافظة قبل أن يتحول إلى البرامج الحوارية في القنوات التلفزيونية العمومية منها والخاصة. عمل زمور في البداية في صحيفة "لوكوتديان دو باري" قبل أن ينضم لفريق "آنفو كماتان" ثم أسبوعية "غلوب إيبدو". وفي عام 1996 أصبح كاتب عمود سياسي في صحيفة "لوفيغارو" المحافظة. بعدها عمل ككاتب عمود في محطة "إر.تي.إل" الإذاعية الفرنسية ثم التحق بفريق برنامج "أونيبا كوشي" الحواري الشهير على القناة العمومية الثانية، قبل أن ينتقل عام 2019 إلى قناة "سي.نيوز" الإخبارية التي كان اسمها في الماضي "إي.تيلي". بعدها حقق كتابه "الانتحار الفرنسي" صدى واسعا، وهو كتاب يدافع فيه على أطروحة مفادها أن سبب الأزمة العميقة التي تعرفها البلاد تعود لفقدان الفرنسيين الثقة في بلادهم، حيث ضعفت سيطرتهم عليها بسبب عدم التحكم في ظاهرة الهجرة. وفي ديسمبر/ كانون الأول أنهت قناة "إي.تيلي" عملها مع زمور، بعدما صرح لصحيفة "كوريري ديلا سيرا" الإيطالية والتي أكد فيها أن "قانون المسلمين المدني هو القرآن، وهم يعيشون منغلقين على أنفسهم في ضواحي المدن...بعدما أرغموا الفرنسيين الأصليين على مغادرتها". بعدها سأله الصحافي عما إذا كان يقترح إذًا ترحيل خمسة ملايين مسلم فرنسي، فأجابه إريك زمور بالقول "أعرف طبعًا أن هذا الحل ليس واقعيًا، لكن من كان يتخيل أن يغادر مليون فرنسي من الأقدام السود الجزائر بعد الاستقلال أو أن يترك ما بين 5 و6 ملايين ألماني أوروبا الوسطى والشرقية حيث كانوا يعيشون منذ قرون". وهو تصريح أثار جدلا واسعا وإدانات بالعنصرية من كل الجهات. في سبتمبر/ أيلول 2016 انتقد زمور وزيرة العدل السابقة رشيدة داتي (مغربية الأصل) لإطلاقها اسما عربيا على ابنتها (زهرة). وقال إن هذا الاسم يجعلها "أقل فرنسية" من الآخرين، كونه لا يأتي من قائمة الأسماء الفرنسية المسيحية الرسمية. وطالب بإعادة العمل بقانون يحدد أسماء المواليد المسموح بها في فرنسا، والذي ألغي عام 1993 بعد مئتي عام من العمل به. في المقابل وصفت داتي تصريحات إريك زمور "بالمرضية". اتهامات بالعنصرية والتحريض العرقي كثيرا ما لعب إريك زمور دور الضحية معتبرا أنه يتعرض لهجوم متواصل من قبل "السلطة ووسائل إعلامها"، رغم أن أحكاما قضائية صدرت ضده بهذا الصدد مرتين. غير أنه ينفي كل هذه الاتهامات بالجملة، بل تجده يتفاخر بأنه هو "من يدافع عن حرية الفكر والتعبير والنقاش والكلام، بينما يحلم الجميع بمنع تجمعاتي وإدانتي". في عام 2011 مثل زمور لأول مرة أمام العدالة بعد قوله في برنامج تلفزيوني بأن "معظم المهربين سود وعرب .. الأمر كذلك، إنها حقيقة." واعتبرت هذه التصريحات تمييزية، فقررت جمعيات مناهضة للعنصرية رفع القضية أمام العدالة، حيث أدانته المحكمة بالتحريض على الكراهية وبدفع غرامة قدرها ألف يورو. فيما قضت محكمة الاستئناف بأن التصريحات "تستهدف المسلمين ككل وتشكل تحريضا ضمنيا على التمييز". وفي عام 2016، نظرت محكمة الاستئناف في باريس في "عمود رأي" تم بثه على قناة "إر.تي.إل" هاجم فيه زمور "مجموعات الشيشان والغجر والكوسوفيين والمغاربيين والأفارقة الذين يسرقون أو يمارسون العنف أو يسرقون". غير أن المحكمة برأته في نهاية المطاف. وفي عام 2016 أعاد الكرة وصرح لقناة "فرانس 5" بأن فرنسا تعيش تحت وطأة غزو إسلامي منذ ثلاثين عاما وأنها باتت مسرحا "للجهاد" الذي يهدف إلى "أسلمتها". وفي هذه القضية فرضت عليه المحكمة غرامة قدرها 5 آلاف يورو بسبب تصريحات "تسببت في وصم الجالية المسلمة بأوصاف عنيفة وقطعية"، حكم أكدته محكمة الاستئناف. ولا يزال زمور يحاكم في قضايا أخرى منها ما رفع أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان ولم تصدر فيها بعد قرارت نهائية. كما صدم زمور الرأي العام الفرنسي حين صرح عام 2019 بأن الجنرال بيتان "أنقذ" يهود فرنسا إبان الحرب العالمية، وهو المعروف بتعاونه مع النظام النازي. وبهذا الصدد كتبت صحيفة "تاغس تسايتنوغ" (الثامن من ديسمبر/ كانون الأول) "يسعى إريك زمور لأن يصبح الرئيس القادم لفرنسا. لمن لا يعرف زمور، فهو أدين مرتين بتهمة "التحريض على التمييز العنصري". وإذا كانت حتى المحاكم الفرنسية أدركت الخطر الذي يمثله هذا الرجل، فلا بد أن يكون ذلك الخطر كبيرا جدًا. حسن زنيند
مشاركة :