الخبر العاجل غير المهم للغاية!!

  • 12/10/2021
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

أدركُ تمامًا أن وزير الإعلام عن حزب المردة جورج قرداحي المعيّن بالترتيبات التي يفرضها قانون المحاصصة الطائفية المقيتة الذي يحكم التشكيل الوزاري في لبنان، بعد أن انهال عليه كم من الضوء والبهرجات الإعلامية، سيصبح حتمًا في طيّ النسيان في غضون زمن قصير على عكس ما كان عليه أمره عندما كان يقدم برنامج المسابقات «من سيربح المليون»، ولكن ما سبّبه هذا الوزير من أذى للبنان ولعلاقات لبنان مع شقيقاته العربيات في دول مجلس التعاون يحتم علينا تسليط الضوء عليه وعلى ما ترتب على أقواله غير المسؤولة، قبل أن يخبو هذا الضوء من حوله ويصبح الحديث عنه بلا جدوى.  خبر استقالة قرداحي جاء تحت عنوان عاجل، ولكن المذيع السعودي الشهير في قناة العربية محمد الطميحي أبدع حين كسر أهمية عجالة هذا الخبر لمّا وصفه بـ«الخبر العاجل غير المهم للغاية». والحقيقة أنه ما كان لقرداحي أن يتأخر في تقديم استقالته كل هذا الوقت، وما كان سيترتب على بقائه في منصبه كل هذا الجدل والعواقب السياسية والاقتصادية الوخيمة التي أوجعت لبنان وأثارت مخاوف اللبنانيين الذين يقارب عددهم في مهجرهم الخليجي الـ700 ألف لبناني مهاجر يسهمون في دعم الاقتصاد اللبناني بمبالغ تتفاوت تقديرات حجمها بين 8 ملايين إلى 12 مليونًا، لولا نفوذ «حزب الله» الإيراني وعبثه بالدولة اللبنانية، ولولا سلطة هذا الفصيل السياسي المسلح وكلمته المسيرة لرئيس «العهد القوي» ميشيل عون ورئيس البرلمان نبيه بري ورئيس الوزراء المغلوب على أمره، الرافضة لهذه الاستقالة التي وجد فيها انتصارًا لدول مجلس التعاون لا يرغب فيه أبدًا. فقد رأى «حزب الله» في استقالة قرداحي انتكاسة لمواقفه السياسية المعلنة ضد المملكة العربية السعودية وباقي دول مجلس التعاون.  كل التبريرات التي ساقها القرداحي منذ نشر مقابلته التي تجاوز فيها حدود اللياقة والأخلاق أيضًا بوصفه للحرب في اليمن ووقوف المملكة العربية السعودية مع الشرعية اليمنية وتقديمها الدعم العسكري لاستعادة هذه الشرعية من الانقلابيين الحوثيين المدعومين من إيران بأنهم «يدافعون عن أنفسهم في وجه اعتداء خارجي»، إنما هي لغط وثرثرة لا معنى لهما، أضفى بواسطتهما على نفسه هالة من الشجاعة لا يستحقها أبدًا، وأسهما في إطالة أمد المشكلة ومفاقمة عذابات الأسر اللبنانية التي تنتظر بفارغ الصبر صحوة من السياسيين في الداخل اللبناني المنغمسين في الفساد، ومبادرات خارجية تخفف من معاناتهم في الحصول أولاً على الكرامة التي يدوسها كل يوم «حزب الله» وعلى الأكل والدواء والخدمات الحكومية، والعدالة والإنصاف... والنظافة، من بعدها. كل ذلك لا يسأل عنه إلا «حزب الله» والمتحالفين معه ومن ضمنهم حزب المردة الذي إليه ينتمي جورج قرداحي.  المشكلة التي أثارها جورج قرداحي وإنكاره لحجم هذه المشكلة ومن ثم نزوله عن كبريائه واعتذاره قبل أن يقدم استقالته لم تكن الأولى على أي حال، فقد سبقه إلى ذلك وزير الخارجية السابق شربل وهبه، عندما قذف بلدان مجلس التعاون بأقذع الألفاظ وأكثرها كراهية في تعبير ظاهر عن تبنيه الكلي لمواقف «حزب الله» الإيراني في لبنان. فهو من موقعه وزيرًا لخارجية دولة تتسلم بانتظام دعمًا ماليًا من كل دول مجلس التعاون، اتهم هذه الدول بأنها هي من زرع تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في البلاد العربية، متغافلاً عمدًا عن حقيقة ترتقي إلى مستوى المسلمة التي لا جدال فيها مفادها أن إيران هي المؤسس الرسمي لكل التنظيمات الإرهابية والراعي الأول لها والحريص على انتشارها وامتدادها إلى كل البلاد العربية بلا استثناء، وأنها ما تزال تتعهد هذه التنظيمات وتفتح لها أذرع الحماية والرعاية والتمويل. وهذا الدعي الوقح هو من سمح له ضيق أفقه الفكري والذهني بأن يصف في مقابلة تلفزيونية بنبرة تحقير شعوب الخليج بالبدو ظنًا منه أن البداوة مذمة أو سبة تحرج عرب الخليج، ولم يكن يعرف هذا الوزير المسكين أن في ذلك فخرًا لا يضاهيه فخر، وأن في ذلك معدنًا أصيلاً نحت الصخر وحول الصحراء القاحلة الجافة إلى جنة يحلم بالعيش فيها هو وأمثاله.  ليس هذان الوزيران مثالاً للبنان وأهله الطيبين وأرضه المعطاء التي وهبتنا كبار الأدباء والمفكرين والفنانين، ومثلت في وقت من الأوقات همزة وصل بين العالم العربي وقيم الحداثة، ولكن حضورهما فاعلين في الساحة السياسية اللبنانية يثير مزيجًا من المشاعر تتوزع بين الدهشة لتمكن هؤلاء من احتلال صدارة المشهد السياسي رغم ضحالة مستوياتهم، والقرف لحجم البذاءة والرداءة التي يمثلونها والتي تشهد بما وصل إليه العفن السياسي من مدى في الجسد اللبناني المنهك بطائفية مقيتة وبصبيانية الفصائل التي تمارس السياسة فيه بلغة الوعيد والتهديد، والرأفة لهذا البلد الذي لن يكون خلاصه إلا بتغيير جذري يقتلع كل هذه الأورام السرطانية الخبيثة من الجسد اللبناني اقتلاعًا من الجذور؛ ولعلّ ما أثير بواسطة هذين الوزيرين خير دليل على أن في استمرار نظام المحاصصة الطائفية إخمادًا لصوت الدولة الذي ما أن يختفي أو يخفت حتى يتكلم الأدعياء وأصحاب الضغائن والأحقاد ومن في قلوبهم مرض اسمه الأوحد العمالة لإيران، ومن المستحيل أن يتكلم أمثال هؤلاء من أمثال «حزب الله» وحلفائه في لبنان بما سيكون يومًا متوافقًا مع سياسات دول مجلس التعاون.

مشاركة :