في مجموعتها القصصية الجديدة، الصادرة عن نادي أبها الأدبي، بالتعاون مع مؤسسة الانتشار العربي، تغوص القاصة السعودية، سعاد عسيري، في قضايا اجتمع من خلال شخوص وبطلات قصصها النساء، ولا يغيب عنها استحضار تراث وطنها، من مأثورات ومفردات ذلك التراث الثري والغني بكل القيم الإسلامية والإنسانية. وكما لا تغيب النساء عن قصص المجموعة، فإن الرجل له حضوره أيضًا، وهي لا تنسى في مقدمة المجموعة أن تهديها لزوجها باعتباره «ملهمها في الكتابة، والرجل الذي وقف بجانبها في مشوراها الأدبي والإعلامي». كما تشكل أصوات النساء، مصدر إلهام آخر لسعاد عسيري، وخاصة مجموعات النسوة اللاتي لا يُجدن فن البوح عما يختلج بدواخلهن من مشاعر... في تأكيد على أن المرأة ربما هي فقط من تُجيد فهم المرأة. مجموعة «ظل عاشق» تتكون من ثماني عشرة قصة، جاءت جميعها في لغة مكثفة وحمّالة، وجمل ومواقف تلمس شغاف القلوب.. مازجة في موضوعاتها ما بين الواقع والخيال. وتطرح قضايا ربما تكون شائكة في العلاقة ما بين الزوجين، مثل الإهمال والخيانة، مرورًا بمشاكل الانفصال وغير ذلك من المشاكل الزوجية التي تحتاج لمثل ذلك النوع من الطرح الهادئ الذي جاء في لغة محببة للقلوب. ونقرأ في المجموعة استحضارًا لشخصيات واقعية من التراث السعودي، كما ترتسم في بعض القصص ملامح الأسواق الشعبية، بكل ما تحمله من مظاهر تراثية، ومأثورات شعبية. كما يحضر السحر في قصص المجموعة الجديدة لسعاد عسيري، التي تجول بنا في عوالم السحر والشعوذة، وتسرد لنا بعضًا من تفاصيل الحياة السرية للمشعوذين والسحرة، وذلك العالم الذي يسقط في أسره كثيرون في مجتمعاتنا العربية، وذلك مثل ما جاء في قصة «الديك الأسود»، وهي قصة تأتي ضمن ذلك الطرح المؤثر لكثير من مشكلات المجتمع الإنساني وقضاياه.. وكيف يملك هؤلاء المشعوذون تلك القدرة على إقناع البعض بصدق رواياتهم ومعالجاتهم الكاذبة، مستغلين معاناة الناس وبؤسهم وسعيهم لطرق شتى من أجل وضع حد لمعاناتهم وحل مشكلاتهم المجتمعية والصحية.. وكأن «سعاد عسيري» تريد بما طرحته في مجموعتها أن تطلق جرس إنذار لبعض فئات المجتمع التي تكون بمنزلة صيد سهل للسحرة والمشعوذين. ولا تتوقف قصص المجموعة عند ذلك الحد من الطرح القوي للكثير من مشكلات المجتمعات العربية، والمجتمعات الغربية أيضًا، والتي يأتي من بينها قضية الأطفال اللقطاء.. وهي من القضايا التي قد يهرب البعض من طرحها.. واستطاعت أن تعرضها لنا سعاد عسيري، في سرد أدبي بعيدًا عن الابتذال والإثارة غير المطلوبة بالطبع. وكأن المجموعة قد جاءت لتتناول من خلال قصصها الكثير من القضايا المسكوت عنها في المجتمعات العربية، فتسرد من خلال خيال خصب، بعض تأثيرات قضية «الواسطة والمحسوبية» على أفراد المجتمعات.. وتأتي كل قصص المجموعة بصوت نسائي، يبوح ويصرح ويسلط الضوء على كل ما هو مسكوت عنه من مشكلات وقضايا باتت تؤرق عالمنا العربي.. وبرغم كل تلك القضايا المجتمعية التي تتناولها المجموعة.. إلا أن الكاتبة لم تغفل أن تحكي لنا عن الحب ولحظات الفراق بين الأحبة في لوحات سردية تزينها ألوان الحياة. ولأن الأديبة سعاد عسيري، هي فنانة تشكيلية أيضًا، فإن قصص المجموعة، جاءت في نسق إبداعي استطاعت من خلاله الكاتبة أن ترسم لنا شخوص وأبطال قصصها بدقة عالية، من خلال الحروف والكلمات، فجاءت تلك الشخصيات لترتسم في مخيلة القارئ وكأنها قد رسمت بالريشة والألوان. يُذكر أن سعاد عسيري، كانت قد أصدرت مجموعتها الأولي «الرقص على رصيف الأحلام» عام 2019.. وبجانب ممارستها للكتابة الأدبية والصحفية، فهي أيضًا تمارس الفنون التشكيلية، وهي فنانة تتمتع بعضوية الجمعية السعودية للفنون التشكيلية (جسفت)، ولها الكثير من المشاركات التشكيلية محليًا وعربيًا. ** **
مشاركة :