تساءلت صحيفة “التايمز” عن السبب الذي قد يدفع الولايات المتحدة لتوجيه ضربة لإيران. وأجاب مراسلها في الشرق الأوسط، ريتشارد سبنسر، قائلا إن المفاوضات حول الاتفاقية النووية عام 2015، ومحاولة دفع إيران للعودة إليها مستمرة، لكن خلف الأضواء تجري تحضيرات أقوى للرد على النشاط النووي الإيراني. وقال سبنسر، إن إسرائيل والولايات المتحدة تهددان ومنذ عدة سنوات بضرب إيران، بطريقة لم يعد أحد يلاحظها. ففي عام 2007 مزح السناتور جون ماكين في أثناء حملته للرئاسة وعلى أنغام أغنية باربرا لبيتش بويز، بأنه يريد “قصف، قصف، قصف، قصف إيران”. وفي عام 2015، دعا جون بولتون الذي عمل مساعدا لوزير الخارجية لشؤون التحكم بالسلاح في إدارة جورج دبليو بوش، إلى ضربة عسكرية في مقال تحت عنوان “لوقف القنبلة النووية اقصفوا إيران” وجاء فيه: “الوقت قصير بشكل رهيب ولكن الضربة ستنجح”. وأصبح بولتون لاحقا مستشارا للأمن القومي في إدارة دونالد ترامب، ولكنه فشل في تحقيق ما يريد، وبدلا من ذلك، سخر ترامب من نزعاته الداعية للحرب، قائلا إن بولتون يريد “قصف” كل دولة لا يحبها، وسأله في مرة إن كانت أيرلندا “على قائمة” الدول التي يريد غزوها. وفي هذا السياق، سُربت أخبار ليلة الأربعاء حول خطط المسؤولين العسكريين الأمريكيين والإسرائيليين لمناورة عسكرية بهدف تدمير المنشآت النووية الإيرانية، ولكن لم يحدث التسريب أي هزّات. وجاءت التسريبات في وقت استُؤنفت المحادثات النووية في فيينا والتي تهدف لدفع إيران للالتزام ببنود اتفاقية عام 2015 مقابل تخفيف العقوبات عنها. وليس من السهل النقاش أن واشنطن في هذه التحركات تحاول ممارسة مزيد من النفوذ على إيران. وفي هذه المرة، فالأمور قد تغيرت، فقد اتخذت إيران الخطوات التي ستقود بشكل واضح إلى القنبلة النووية. وقامت بتخفيف كميات يورانيوم بنسبة 60% من النقاء وليس بعيدا عن نسبة 90% اللازمة لبناء القنبلة النووية، ولكنها نسبة أعلى من أي مستوى استخدم في الأغراض غير العسكرية. وأكثر من هذا، فقد اعترفت إيران لأول مرة أن برنامجها النووي يحتوي على عناصر عسكرية. الأمر الثاني هو أن إسرائيل تتخذ وبنشاط، خطوات باتجاه العمل العسكري. ففي أكتوبر/ تشرين الأول، تم زرع تقرير وبحذر في الصحافة الإسرائيلية جاء فيه أن حكومة نفتالي بينيت، خصصت 1.1 ميار دولار لشراء طائرات ومسيرات وقنابل خارقة للملاجئ لضرب إيران إن دعت الحاجة. وبعد أيام، أعلنت القوات الأمريكية عن نجاحها في اختبار قنبلة خارقة للملاجئ موجهة بالليزر “جي بي يو-72”. والقنابل الخارقة للملاجئ مهمة وهي مصممة لاختراق الحواجز الصلبة والتي استخدمتها إيران في البناء حول المواقع النووية التي بني معظمها داخل الجبال. وتحدث وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، هذا الأسبوع، بلهجة متشائمة، قائلا إنه “ليس متفائلا” بنجاح محادثات فيينا. واختار بلينكن كلامه بدقة، فلم يحدث أن أنكرت إدارة أمريكية الخيار العسكري ضد إيران، وكان بلينكن وفريقه واضحين بأن هناك “خيارات أخرى” موجودة على الطاولة غير المفاوضات. وحتى روبرت مالي، المبعوث الأمريكي لإيران، والمعروف بحمائميته، عبر قائلا إن الولايات المتحدة “لن تجلس متفرجة” وإيران تتقدم في برنامجها النووي. ونقل عن مسؤول أمريكي آخر، كان يتحدث عن الخيارات المطروحة في حالة فشل المحادثات النووية قوله قبل فترة: “عندما يقول الرئيس بايدن إن إيران لن تحصل أبدا على السلاح النووي، فهو يعني ما يقول”. ولو دفعت إيران باتجاه بناء القنبلة النووية، فسيكون هذا أسوأ فشل فوضوي للسياسة الغربية، منذ غزو العراق على الأقل. من الناحية الرسمية، لا تزال الحكومتان الأمريكية والإيرانية ملتزمتين باتفاقية 2015. وكلاهما شجبت قرار دونالد ترامب تمزيق الاتفاقية وإعادة فرض العقوبات على إيران. وكان هذا واحدا من شعارات بايدن في حملته للرئاسة. وتريد الدول الأخرى الموقعة على الاتفاقية، الصين وروسيا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، إحياء الاتفاقية. ففي العام الماضي وعد بايدن في محاولة للرد على الانتقادات بأنه يتعامل بلين مع إيران، وأقل ولاء لإسرائيل من ترامب، بأن العودة للاتفاقية ستعقبها مفاوضات أخرى حول الدور الإيراني في الشرق الأوسط، بما في ذلك دعمها للجماعات المسلحة المعادية لإسرائيل. وعليه الالتزام بهذا، مع أن إيران ترفض إضافة هذا الشرط. وكان على الرئيس الإيراني الجديد، إبراهيم رئيسي، تقديم وعود للمتشددين. ورغم اختلاف الدينامية السياسية في إيران عن الوضع في أمريكا، لكن الأثر واحد. وعادت إيران للمفاوضات الأسبوع الماضي وبمطالب جديدة، بما فيه تعويضات من الولايات المتحدة ووعد بأنها لن تنسحب أبدا من أي اتفاق يتم توقيعه، ومن طرف واحد. وهو وعد لا يستطيع بايدن قطعه على نفسه، وخاصة في ظل تهديد ترامب بالعودة للسباق الرئاسي عام 2024. وأصبح الموقف أن الإدارة الحمائمية لم تعد بعيدة عن إمكانية العمل العسكري، مقارنة مع ترامب الذي زاوج بين موقفه المتشدد بتجنب التورط في حرب. ويقول سبنسر، إن السؤال للأمريكيين يظل هو إن كان التورط في حرب جديدة بالشرق الأوسط، ممكنا عسكريا وسياسيا؟ ونفس السؤال يظل بالنسبة لإسرائيل. فهناك شك واسع النطاق حول قدرة واستعداد وكذا تسليح إسرائيل، رغم كل تهديدات رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو، والتصريحات الغاضبة من خليفته، نفتالي بينيت، ووزير الدفاع، بيني غانتس، للقيام بحرب ضد إيران. ويقول رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي أفيف كوخافي: “نتذكر أن قرار الحرب يتم تحقيقه عبر الهجوم. نحن نقوم بتعزيزه بشكل مستمر ونوعي. وتحديدا ضد إيران منذ العام الماضي”. ويضيف الكاتب أن بعض المصادر تصر على ضرورة أن يكون الهجوم “سهما في القلب” أي في العمق، ليس فقط لإلحاق الضرر بالبرنامج النووي بل تدميره، مع أن المشككين يذهبون إلى أبعد من ذلك. ويقول أفنير كوهين، وهو مؤرخ إسرائيلي وخبير في سياسات الردع النووي، إنه إذا كانت إيران مصممة على امتلاك القنبلة، فسوف يتطلب الأمر تغيير النظام في طهران لوقفها. وكتب في صحيفة “هآرتس” قائلا: “جاهل من يعتقد أن قوة خارجية، سواء كانت وكالة استخبارات (الموساد أو وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية) أو الجيش، يمكنها ردع بلد يبلغ عدد سكانه 85 مليون نسمة وببنية تحتية نووية وصناعية من النوع الموجود الآن في إيران”. ويقول كوهين: “صحيح أنه من خلال الخداع، من الممكن إحداث ضرر وتأخير ما لا مفر منه، وفي أفضل الأحوال الحصول على عام آخر أو أكثر. لكن علينا أن نفهم أنه لا توجد قوة خارجية يمكن أن توقف إيران المصممة على تصنيع أسلحة نووية، إلا من خلال غزو عسكري شامل”. وهذا بالتأكيد يفوق قدرة إسرائيل وإرادتها. كما أنه يتجاوز إمكانية الولايات المتحدة، على الأقل حتى عودة جون بولتون إلى منصبه من جديد.
مشاركة :