قادة "غولدمان" يتّبعون طرقاً جديدة ومبتكرة لزيادة أجورهم بأنفسهم

  • 12/11/2021
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

لعقود خلت، كان يُنظر إلى مركز القيادة في مجموعة "غولدمان ساكس" على أنه ذروة المال والسلطةK لكن في عصر تكوين الثروات المفرطة الحالي أصبح كبار قادة البنك يعتقدون أنهم لا يحصلون على ما يكفي من الأجور. كان الرئيس التنفيذي للمجموعة ديفيد سولومون ونوابه، الذين واجهوا ضغوطاً متزايدة لمكافأة المتدربين هذا العام، يبحثون عن طرق لتعديل أجورهم المكوّنة من ثمانية أرقام. وفي ظل هذه المساعي طُرحت أفكار كثيرة، من بينها: المشاركة في جزء من أكثر أشكال المكافآت ثراءً التي طُرحت من قِبل شركات الاستحواذ ذات الأغراض الخاصة التابعة لـ"غولدمان ساكس"، وهي شركات تُعرف أيضاً باسم شركات الشيك على بياض وتنتشر في وول ستريت. كما أنهم وضعوا الأساس للزيادات الكبيرة مع اقتراب عام 2022، وضغطوا بنجاح إلى حدّ ما للحصول على حزم الحوافز. فكرة أن مستويات أجور كبار المصرفيين، الذين يتقاضون أكثر من 20 مليون دولار سنوياً، تعتبر متدنية، هي فكرة مثيرة للتعجب أيضاً في عصر الثروات المفرطة. كما أن معايير النجاح القديمة يُتخلَّص منها في وقت تبلغ فيه ثروة الملياردير الأمريكي إيلون ماسك 300 مليار دولار، ويبدو أن كل يوم يحمل أنباء عن ثروة أخرى في عالم التكنولوجيا والعملات المشفرة والأسهم الخاصة. مع ذلك، ومنذ الأزمة المالية العالمية لعام 2008، واجه أعضاء مجالس إدارة البنوك الاستثمارية ضغوطاً للاحتفاظ بالقدرة على دفع أجور كبار المديرين. وهذا ينطبق بشكل خاص على ما يُسمى بالمسؤولين التنفيذيين المعينين (NEOs)، الذين يُكشف عن أجورهم بشكل روتيني وتُراقَب من كثب. البحث عن طرق جديدة في هذه الفترة، وبينما تحدد شركات وول ستريت سجلات الإيرادات والأرباح، يتّبع المصرفيون المبتدئون طرقاً مخادعة لزيادة أجورهم السنوية عند مستوى أعلى بكثير من 100 ألف دولار. كذلك يتنقل المتداولون وصناع الصفقات المحنّكون بين الشركات للحصول على أجور ومناصب أفضل. كما يشعر بعض من كبار المديرين التنفيذيين بحدود ما يمكنهم أخذه إلى المنزل، ما يجعلهم يفكرون في المكاسب التي يمكن جنيها في مكان آخر. تقدر حصة سولومون الإجمالية في "غولدمان ساكس"، بما فيها الأسهم الخاملة، بأكثر من 180 مليون دولار، إذ أقر مجلس إدارة المجموعة بمنحه 27.5 مليون دولار نظير أدائه الجيد في عام 2019، وهو أول عام كامل له رئيساً تنفيذياً، ثم منحه المبلغ ذاته مرة أخرى عن عام 2020. وفي أكتوبر، أعلن المجلس عن مكافأة مفاجئة بقيمة 50 مليون دولار ليتقاسمها هو والنائب جون والدرون، لكن حتى هذه المكافآت كانت نسخة بسيطة من مكافأة أكثر طموحاً كان فريق قيادة "غولدمان ساكس" يسعى إليها في السابق. يُستمَد هذا السرد للنقاشات المتعلقة بالتعويضات المالية داخل المجموعة من مقابلات أُجريَت مع تسعة أشخاص على دراية بالأمر، تحدثوا باستفاضة شريطة عدم ذكر أسمائهم نظراً إلى وصفهم المناقشات بالداخلية. قال بات سكانلان، المتحدث باسم "غولدمان ساكس": "عرضنا منذ فترة طويلة فرصاً للاستثمارات المشتركة لصالح كبار المسؤولين التنفيذيين لدينا، الذين تتوافق اهتماماتهم مع المستثمرين. ولا غرابة في أن يستكشف مجلس الإدارة فرصاً إضافية". الانتقال إلى مؤسسات أخرى حصل بعض موظفي "غولدمان ساكس" الذين غادروا مؤخراً على وظائف جيدة خلال العام الماضي، إذ يعمل غريغ ليمكاو، الرئيس السابق للخدمات المصرفية الاستثمارية، على إدارة شركة "إم إس دي بارتنرز" (MSD Partners) المملوكة لمايكل ديل. والآن، يشغَل إريك لين، الرئيس السابق لإدارة الأصول في المجموعة، منصب رئيس عملاق الاستثمار التكنولوجي "تايغر غلوبال" (Tiger Global). كما جرت ترقية بابلو سالامي، وهو رئيس التداول السابق، في نوفمبر للمساعدة في إدارة صندوق التحوط العملاق "سيتيدال" (Citadel) البالغة قيمته 43 مليار دولار. عادةً ما يشهد كل من تشيس كولمان، مؤسِّس "تايغر غلوبال"، وكين غريفين، مالك "سيتيدال"، ارتفاع صافي ثروتيهما بمليارات الدولارات سنوياً على مؤشر "بلومبرغ" للمليارديرات، كما أن شركاتهما تُعَدّ موقعاً مناسباً لجني كبار المسؤولين التنفيذيين الآخرين الثروات. يحاول قادة "غولدمان ساكس" المحافظة على دقة النتائج، ولذلك استجوب سولومون بشكل شخصي بعض العاملين القدامى المخضرمين الذين غادروا المجموعة المالية لمعرفة ما إذا كان المال هو الدافع الرئيسي لقرارهم بانتهاء رحلتهم المهنية في "غولدمان ساكس". عندما شارك بطل السوبر بول سبع مرات توم برادي في اجتماع شريك "غولدمان ساكس" الذي عُقد في ميامي الشهر الماضي، كانت قائمة المواعيد لا تزال تضم مقابلة نادرة بين سولومون وسلفه لويد بلانكفين، وهما اثنان من قادة "غولدمان" تعكس فترة ولايتيهما حقبة مختلفة. التحوّل إلى ملياردير أصبح بلانكفين مليارديراً خلال فترة عمله رئيساً تنفيذياً لمجموعة "غولدمان ساكس"، وساعده في ذلك شَغْله منصبَ كبير الرؤساء التنفيذيين في مايو 1999، عندما أنهت الشركة شراكتها الطويلة وطرحت أسهمها للاكتتاب العام، ما أدى إلى تعيين جيل من المديرين لتحقيق المكاسب التي تضخمت مع ارتفاع قيمة الأسهم. ثم وصل سولومون بعد بضعة أشهر من ظهور بلانكفين للمرة الأولى في السوق. بعد أقل من عقد من الزمان، ترقَّى بلانكفين ليحتل الوظيفة العليا بالمجموعة في لحظة حماسية في وول ستريت، إذ حصل على 68.5 مليون دولار في العام الأول الكامل من توليه منصب الرئيس التنفيذي في عام 2007. في المقابل، طُلب من سولومون التنازل عن 10 ملايين دولار من أجره الخاص في عام 2020، في ظل مساعي مجلس الإدارة لاتخاذ تدابير للمساءلة من جانب قيادة "غولدمان" بعد أن حسمت المجموعة تحقيقاً جنائياً في فضيحة فساد صندوق التنمية الماليزي "1 إم دي بي" (1MDB). تعتبر أعمال شركات الاستحواذ ذات الأغراض الخاصة من الأمور الجيدة التي يمكن للمجموعة الاستفادة منها لزيادة أجر سولومون. هذه المشاريع -التي تتمثل في شركات الاستحواذ ذات الأغراض الخاصة- تجمع الأموال من العامة سعياً لتحقيق أهداف الاستحواذ. والجدير بالذكر أن عامل الجذب الأهم بالنسبة إلى مديري شركة الاستحواذ ذات الأغراض الخاصة هو ما يُعرف في الشركات باسم "المكافأة"، وهو هيكل التعويضات المالية الذي عادةً ما يتيح للمؤسِّسين أخذ 20% من أسهم المشروع مع إجراء خصم كبير، ويمكن للأسهم المشتراة بآلاف الدولارات الارتفاع سريعاً إلى الملايين. شركات الاستحواذ لأغراض خاصة تدير "غولدمان" شركة استحواذ ذات أغراض خاصة داخلية حتى في وقت تقدم فيه المشورة للغرباء من تلقاء نفسها، إذ طرحت المجموعة بالفعل شركتَي استحواذ ذواتَي أغراض خاصة، وكشفت عن خطط لإنشاء عديد منها. ومن المتوقع أن يسهم كثير من المكافأت في إفادة "غولدمان"، لكن جرى تخصيص أجزاء للمديرين التنفيذيين المشاركين بشكل مباشر في المشاريع، على حد قول أشخاص ملمّين بالأمر. لقد دفع سولومون لتوسيع نطاق توزيع أسهم المؤسسين إلى مجموعة صغيرة في الإدارة العليا للبنك، وهذا ما يثير غضب أعضاء فريق شركة الاستحواذ ذات الأغراض الخاصة، وجعلهم في مواجهة بشكل أساسي مع الرئيس التنفيذي للحصول على حصة من الغنائم. أحد الانتقادات الشائعة التي تلاحق شركات الاستحواذ ذات الأغراض الخاصة هو أن المساهمين العامّين يتحملون معظم المخاطر فيما تحصد الجهات الراعية المكافآت. وبالتالي، لكي يُتجنَّب مثل هذه الأفكار، أتاحت "غولدمان" بدء استحقاق أسهم المؤسِّسين إذا جنت شركة الاستحواذ ذات الأغراض الخاصة ما لا يقل عن 20% فقط. رغم أن البنك أتاح لرؤسائه منذ فترة طويلة الشراء في صناديقه، فإنّ الاستثمار في المكافآت التابعة لشركة الاستحواذ ذات الأغراض الخاصة سيكون بارزاً، نظراً إلى فرص تحقيق عوائد ضخمة في غضون بضعة أعوام فقط من أدوات الاستثمار العامة، حتى إنّ هيكلته باعتباره استثماراً ذا قيمة سوقية عادلة ما زالت تعِد بتحقيق مكاسب أكبر من الفرص الأخرى المتاحة للمسؤولين التنفيذيين، على حد قول الأشخاص الذين هم على دراية بالأمر. كانت الفرق الداخلية تسعى جاهدة إلى معرفة كيفية هيكلة شركة الاستحواذ ذات الأغراض الخاصة والكشف عن الاستثمار فيها لصالح المسؤولين التنفيذيين المعينين مع تجنب ظهور الزيادة في الأجور. لكنّ مصدَرين أفادا بأن الموافقة على الاقتراح قد تفشل. محاولات بحث سابقة هذه ليست المرة الوحيدة التي يستكشف فيها قادة "غولدمان ساكس"، في ظل عهد سولومون، طرقاً كفيلة بزيادة حصتهم من الأرباح من أدوات الاستثمار الداخلية. ففي مرحلةٍ ما، بحثوا في ما إذا كانت الصناديق الخاصة التي يديرها البنك التجاري للشركة يمكنها استقطاع شريحة أكبر من المكافآت المتعلقة بأداء الصندوق لصالح كبار المديرين مقارنة بما يمكن للشركاء الآخرين تحصيله. بما أن ذكريات عمليات الإنقاذ التي يمولها دافعو الضرائب في عام 2008 تتيح المجال لزيادة الوعي العام بمستوى التفاوت في الدخل، فإن عديداً من مجالس إدارات البنوك يظل حذراً من منح المديرين التنفيذيين أجوراً بسخاء شديد. هذا الأمر غالباً ما يقود المديرين للعب لعبة الأحاجي، وجعلهم يسعون إلى زيادة أجور الرؤساء التنفيذيين تماشياً مع ما يفعله المنافسون، لكن مع الحرص على عدم رفع سقف أهدافهم ولفت الانتباه. عندما كان "غولدمان ساكس" يضع اللمسات الأخيرة على حزمة سولومون في أوائل عام 2020، أراد البنك مكافأته على أفضل أداء سنوي للسهم منذ عام 2013، لكن جيمس غورمان، الرئيس التنفيذي لـ"مورغان ستانلي"، الذي كانت أسهمه أيضاً في حالة ارتفاع، فاجأه بخفض أجره بنسبة 7% تقريباً إلى 27 مليون دولار. كان هذا القرار مفاجئاً بالنسبة إلى "غولدمان ساكس"، لذلك تأخر البنك في الكشف عن قراره بتعويض سولومون في يناير. وكان غورمان على دراية بتلك الدينامية والطلبات الخاصة للمسؤولين التنفيذيين في "غولدمان" في ما يتعلق بهذا الأمر. مرحلة الوباء بحلول الوقت الذي نشر فيه "غولدمان" أرقامه، كانت عدوى كوفيد-19 قد انتشرت بشكل كبير في الولايات المتحدة، ما أدى إلى تدهور الأسواق وترك الملايين من الناس عاطلين عن العمل. آثار الإعلان عن رفع أجر سولومون بنسبة 20% حالة من التناقض، الأمر الذي وضع "غولدمان ساكس" في موقف دفاعيّ نحو واحدة من حقب وول ستريت الأكثر ربحاً، مع محاولة المستثمرين والشركات التصدي للوباء. الجدير بالذكر أن "غولدمان" سجّل إيرادات بأكثر من 58 مليار دولار وحقق صافي دخل بأكثر من 22 مليار دولار على مدار الأرباع السنوية الأربعة الماضية، وهو أكثر مما حققه في أي عام على الإطلاق. في أعقاب هذا الأداء، كان "غولدمان" يستعدّ للتواصل مع كبار المساهمين أو مستشاريهم، مؤكداً أن مكافأة سولومون لعام 2020 كانت 27.5 مليون دولار، وليست 17.5 مليون دولار التي حصل عليها بعد تسوية عقوبة الفضيحة الماليزية. الفكرة تكمن في إعطاء مجلس الإدارة أكبر فرصة ممكنة لمنحه مزيداً دون جعل المكافأة تبدو وكأنها زيادة هائلة. مكافأة من نوع آخر بحلول منتصف أكتوبر، ارتفع سهم "غولدمان" بأكثر من 80% تحت إشراف سولومون عندما منحه مجلس الإدارة ومدير العمليات والدرون مكافأة خارج دورة المكافآت المعتادة، وقد تصل المكافأة إلى أكثر من 75 مليون دولار، إذا وصل سعر السهم إلى أهداف معينة. رغم أن المبلغ في حد ذاته يُعَدّ متواضعاً مقارنة بالموجة الحديثة لخطط الحوافز ذات العوائد الكبيرة الخاصة بالشركات الأمريكية، فإن المنطق الذي يتبعه مجلس الإدارة بشأن هذه المزايا -في إشارة إلى "الحرب من أجل المواهب"- أثار حالة من الدهشة داخل الشركة. ما الخطر الذي كان يستشعره مجلس الإدارة مع الثنائي بعد ثلاثة أعوام فقط من ولاية سولومون؟ كان ذلك أكثر وضوحاً بعد قرار خفض أجورهم قبل أشهُر فقط بسبب الفضيحة الماليزية. خطة حوافز خلف الكواليس كان فريق قيادة البنك يسعى إلى وضع خطة حوافز أكبر لفترة من الوقت، وهو جهد اكتسب زخماً بعد أن ازدهرت مجالات التداول وعقد الصفقات في "غولدمان"، وهي المجالات التي يستحوذ فيها البنك على مركز الهيمنة. قالت المصادر المطلعة إنّ جون روجرز، وهو شخصية قوية داخل "غولدمان"، لعب دوراً في تخفيف طلبات فريق الإدارة. ويُعرف رسمياً باسم كبير الموظفين بالمؤسسة، وله علاقات وثيقة مع المديرين، وقد انضم إلى "غولدمان" بعد أن شغل مجموعة من المناصب الحكومية البارزة، بما فيها العمل في البيت الأبيض في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان. والآن يُعتبر روجرز واحداً من مجموعة من أعضاء لجنة إدارة بنك "غولدمان ساكس" الذين اعتلوا المراكز العليا بالفعل في المؤسسة المالية قبل طرح أسهمه للاكتتاب العام الأولي. يرى روجرز البالغ من العمر 65 عاماً نفسه حارساً لثقافته، إذ يحافظ على ميوله نحو الإفراط في السيطرة على الأمور. ففي الاجتماعات الداخلية على مرّ السنين كان يشير إلى لوحة فنية للرسام بيتر بروغل الأكبر من القرن السادس عشر، وهي تضم "منظراً طبيعياً مع مشهد سقوط إيكاروس"، وذلك لتقديم دروس في التواضع. في الأساطير اليونانية، تجاهل إيكاروس تحذير والده وحلّق إلى موقع قريب جداً من الشمس، ثم سقط في البحر.

مشاركة :