استضاف النادي الثقافي العربي في الشارقة أمس الأول، الناقد الدكتور غانم جاسم السامرائي، في قراءة أدبية في رواية «الشنْطْ»، بحضور كاتبتها الروائية الفلسطينية الكندية نوال حلاوة، وأدار الأمسية مصطفى الحفناوي، الذي قال إن الكاتبة نوال حلاوة هي روائية وصحفية وناشطة في مجال حقوق المرأة، مقيمة في كندا، ولها عدد كبير من الكتب، من أهمها في مجال الرواية «الست زبيدة»، «العنكريزية»، و«جزيرة الراهبات»، وقال عن الدكتور غانم جاسم السامرائي: إنه أستاذ مشارك في قسم الترجمة في جامعة الشارقة، يحمل دكتوراه في الأدب المقارن، ومؤلف لعدد كبير الكتب ومترجم، وصاحب باع طويل في مجال النقد الأدبي. تحدثت نوال حلاوة عن الرواية قائلة: انطلقت في كتابتها من تجربة شخصية، حيث عانت نوال من أعراض مرض غامض، وتسبب التشخيص الخاطئ، والتقدير السيئ لطبيبها الكندي الذي عالجها في جعلها تخضع لأربع عمليات جراحية في الدماغ، لم تكن في حاجة إلى أي منها، وعاشت أثناء ذلك ألماً وتجارب آذتها وتسببت لها في كثير من المعاناة، لكنها بعد عقد أو يزيد ذهبت آلامها وشفيت من كل الأعراض. الدكتور غانم السامرائي استهل مداخلته بالقول: إن الرواية حيرته في التصنيف، ليست سيرة روائية خالصة ولا هي رواية علمية، ولا أدبية، ولكنّ فيها من كل ذلك جانب، وقد فتحت أمامه آفاقاً للتناص، فهي تتقاطع مع كثير من الكتاب والفنانين الذين وثقوا معاناتهم، ومن أشهرهم الشاعرة الإنجليزية ألزابت بارت براوننج، التي عانت من مرض ألزمها الفراش، لكنها أنتجت من الألم نتاجاً أدبياً رائعاً، وكذلك فعلت نوال حلاوة التي حولت أزمتها مع جهاز الشنط إلى رواية، كما أنها لجأت في لحظات المعاناة والضعف إلى إيمانها، لتستعين بالله وتتقوى على مرضها، وهذا موضوع ثري أيضاً. وتناول السامرائي التقنيات السردية التي اتبعتها الكاتبة في روايتها، مستهلاً بلغة السرد التي قال إنها بسيطة ليس فيها تصنع ولا بلاغة، وقد أرادتها الكاتبة أن تكون مباشرة كاشفة عن دواخل بطلتها، وبدلاً من التركيز على بلاغة اللغة، ركزت الكاتبة على الرؤية الفكرية والقيمية، كما استخدمت تقنيات سردية حديثة وقديمة، خاصة تقنية الاسترجاع «الفلاش باك» وتقنية الانتقال بين عدة مستويات من الحكي، كالانتقال بين الراوي العليم والراوي الشخصية أو البطل الذي يسرد بضمير المتكلم، وهو انتقال يكسر الرتابة، ويسمح بسهولة التقدم في قراءة الرواية. وأشار السامرائي إلى أن الرواية يمكن قراءتها رمزياً عن طريق إقامة موازاة بين الحالة الشخصية وبين الإطار الاجتماعي الذي تعيش فيه البطلة، نظراً لكون هذا الإطار حاضراً بظلاله في الرواية في عدة مستويات، خاصة قضية الغربة ومعاناة المهاجرين في الغرب، وقارن السامرائي بينها وبين رواية «الانتماء القلق» للكاتبة دين روب أرازارا، التي تناولت معاناة المرأة المهاجرة وربطتها بقضية الغربة وما يتعلق بها من عوامل نفسية ناتجة الاختلاف بين حضارتين (الغربية والإسلامية)، وهذا هو وضع الكاتبة نوال حلاوة في روايتها هذه، فهناك اهتمام بالتعبير عن هذه الروحانية الناتجة عن الانتماء لوطن، وحضارة عربية إسلامية تختلف عن الحضارة الغربية، وهذا ظاهر في بناء الشخصيات شمس ونور الدين، حيث هي أسماء تفتح جسراً مع المنظومة الإيمانية. وتوقف السامرائي عند عدة ثيمات اشتغلت عليها الكاتبة منها: معالجة الحياة في الغربة والصعوبات المرتبطة بها، خاصة في بلاد الغرب حيث المدن قاسية ومعقدة، والإحساس بالوحدة الرهيبة، وقد نجحت نوال في نقل هذا الألم، ومن الثيمات أيضاً الإيجابية التي واجهت بها البطلة «شمس» المعاناة، فلم تفقد الابتسام وعولت على الإيمان، وأن الله معها وسوف يشفيها، ولم تفقد الأمل حتى شفيت، وخرجت صحيحة، ومن الثيمات أيضاً الترابط العائلي الذي ظهر في لحظات المرض والأزمات، فهذا الترابط هو دعم آخر للإنسان وإطار أمان يجعله يعيش في طمأنينة، وهو نموذج لما هو سائد في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، ويختلف جذرياً عن وضع المجتمع الغربي الذي يعيش المرء فيه فردانية قلقة تسلمه إلى الكآبة والألم والمرض والانتحار.
مشاركة :