التنافس الأمريكي - الصيني في بحر الصين الجنوبي

  • 11/12/2015
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

شهد بحر الصين الجنوبي خلال الفترة الأخيرة تطورات مهمة تمثلت في مرور مدمرة أمريكية بالقرب من مجموعة من الجزر الصناعية التي أقامتها الصين بالقرب من جزر سبارتلي المتنازع عليها بين الصين وكل من تايوان وفيتنام والفلبين وماليزيا وبروناي. جاء رد الفعل الصيني سريعاً إذ استدعت الخارجية الصينية السفير الأمريكي في بكين وقدمت احتجاجاً شديد اللهجة على دخول المدمرة (يو إس إس لاسن) الأمريكية المياه الإقليمية الصينية بطريقة غير مشروعة، ووصفت الخارجية هذا الانتهاك لمياهها الإقليمية بأنه استفزاز خطر موجه ضد الصين، وأوضح البيان الصادر عن الخارجية الصينية أن السلطات الصينية راقبت ولاحقت وحذرت السفينة الحربية الأمريكية أثناء دخولها إلى مياه تعتبرها بكين إقليمية لها باعتبار أنها تمتد مسافة 12 ميلاً بحرياً من الشريط الساحلي الصيني. وقد حثت الصين الجانب الأمريكي على تصحيح خطئه على الفور وعدم اتخاذ أي إجراءات خطيرة أو استفزازية تهدد سيادة ومصالح الصين، ولكن أهم ما جاء في البيان هو تأكيده على السيادة الصينية المطلقة على الجزر. أما واشنطن فقد أعلنت من خلال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية أن نشر مدمرة أمريكية قرب جزيرة صناعية بنتها الصين في مياه متنازع عليها في بحر الصين الجنوبي يجب ألا يؤثر سلباً في العلاقات مع بكين، مضيفا بأن العلاقات الأمريكية مع الصين تحتل أهمية حيوية وأن الولايات المتحدة ترغب في استمرار تحسينها وتنميتها من أجل مصلحة البلدين ومصلحة الإقليم.كما أعلن المتحدث باسم القوات البحرية الأمريكية عن إجراء الولايات المتحدة محادثات مع الصين حول قضايا الأمن في بحر الصين الجنوبي، حيث ذكر أن قائد الأسطول البحري العسكري للولايات المتحدة، الأميرال جوناثان ريتشاردسون، حيث شارك يوم 29 أكتوبر في مؤتمر، عبر دائرة تلفزيونية مغلقة، مع نظيره الصيني، قائد أسطول جيش التحرير الشعبي الصيني الأميرال أو شينلي، وتمت مناقشة حرية الولايات المتحدة في العمليات البحرية، والعلاقات بين الأسطولين، بما فيها زيارات الموانئ المقررة، والاتصالات بين القيادات، وأهمية دعم استمرار الحوار، وأكد المتحدث الأمريكي أن الولايات المتحدة لا تزال تعتزم إجراء العمليات البحرية على المستوى العالمي، وأن حرية العمليات البحرية لا تعتبر تحدياً للسيادة. وأوضح أن الولايات المتحدة لا تتخذ أي موقف من المطالب الثنائية المتناقضة إزاء الجزر في بحر الصين الجنوبي. من خلال ما تقدم يتضح أن هناك موقفين واضحين ومختلفين لكل من الصين والولايات المتحدة بصدد بحر الصين الجنوبي والجزر الموجودة فالصين تعتبر البحر ومعظم الجزر القائمة به جزءاً لا يتجزأ من الإقليم الصيني، ومن ثم فهو يدخل في نطاق السيادة الصينية وبالتالي فإن مياه بحر الصين ولمسافة 12 ميلاً بحرياً من الشواطئ الصينية، هي مياه إقليمية صينية لا يجوز لأي طرف دولي الدخول أو الاقتراب منها إلا وفقاً لما يتطلبه ذلك من إجراءات ينظمها القانون الصيني، في حين ترى الولايات المتحدة أن بحر الصين الجنوبي وجزره، مناطق متنازع عليها، ولم يتم حسم النزاع بشأنها حتى الآن، ومن ثم فحرية الملاحة الدولية مكفولة في هذا البحر، وأن أي أعمال تقوم بها الوحدات البحرية الأمريكية في هذا البحر لا تمثل تهديداً للصين أو مساساً بسيادتها، مع التأكيد على أنها لا تنحاز لطرف على حساب طرف في هذا النزاع حيث تصر على ضرورة حله من خلال التحكيم الدولي بدلا من القوة وأن كل المطالب السيادية يجب أن تقوم على الملامح الطبيعية للأرض وفقاً لأحكام القانون الدولي. ويمكن القول إن هذين الموقفين يستندان إلى رؤية استراتيجية معينة لكل من الصين والولايات المتحدة ومن ثم فما يجري من تفاعلات بينهما في بحر الصين الجنوبي يأتي في إطار هذه الرؤية، يؤكد ذلك الكتاب العسكري الأبيض الذي أصدرته الصين في مايو/أيار 2015 والذي يضفي الطابع الرسمي على ما أسمته بحماية البحار المفتوحة وخطة الدفاع عن مياه الشواطئ البحرية، وهو الأمر الذي مثل بنظر المراقبين تحولاً في الاستراتيجية الصينية من حماية البحر المحلي أو الداخلي إلى التأكيد على توسيع نطاق التأثير الصيني الاقتصادي والدبلوماسي، فأسبقية إعطاء الصين الأولوية للقوات البرية قد انتهت خاصة وأن الوثيقة الصينية ذكرت أنه يجب التخلي عن العقلية التقليدية التي تقلل من قيمة البحر، ويجب إعطاء أهمية كبيرة في الاستراتيجية الصينية لإدارة البحار والمحيطات وحماية الحقوق والمصالح البحرية الصينية، كذلك فمن الضروري بالنسبة للصين تطوير بنية قوتها البحرية الحديثة بما يتناسب مع أمنها القومي ومن ثم فالتحرك الصيني يأتي في نطاق تنفيذ هذه الرؤية وترجمتها على أرض الواقع، وفي هذا الإطار تأتي الجهود الصينية الرامية إلى بناء مجموعة من المطارات في هذه الجزر، هذا بالإضافة إلى إعلان بكين عن نيتها نشر منظومة للدفاع الجوي في تلك المنطقة، الأمر الذي أثار مخاوف الولايات المتحدة وباقي الدول التي تنازع الصين على هذه الجزر،إذ ستمثل مثل هذه الخطوة ترسيخاً نهائياً للسيطرة الصينية على المنطقة. أما الرؤية الاستراتيجية الأمريكية فقد جاءت من خلال إعلان وزارة الدفاع الأمريكية في أغسطس/آب 2015، عن الاستراتيجية الجديدة للأمن البحري في آسيا والمحيط الهادئ والتي شددت على ثلاثة أهداف هي: ضمان وحماية حرية الملاحة في البحار، ردع الصراع والإكراه، وتعزيز التقيد بالقانون والمعايير الدولية، وأكدت أن الولايات المتحدة ستنفذ استراتيجيتها لإعادة التوازن التي أعلنتها عام 2012 في موعدها المحدد حيث سيتم نشر 60٪ على الأقل من القوات البحرية والجوية بمنطقة آسيا والمحيط الهادئ بحلول عام 2020. وقد طالب وزير البحرية الأمريكي بزيادة 8% في ميزانيته تصل إلى 161 مليار دولار، مشيراً إلى ضرورة زيادة الوحدات البحرية الأمريكية إلى 300 وحدة، في حين تشير تقديرات بحرية أمريكية أخرى إلى أن العدد المناسب هو 350. من ناحية أخرى أعلنت سوزان رايس مستشارة الأمن القومي الأمريكي مؤخراً أن القوات الأمريكية سوف تبحر وتطير وتعمل في أي مكان يسمح به القانون الدولي، وذلك في إشارة إلى استئناف قيام الوحدات البحرية الأمريكية بأنشطتها في إطار حرية الملاحة البحرية، كما أن تصريح المتحدث باسم البحرية الأمريكية السابق الإشارة اليه أكد استمرار القيام بعمليات بحرية على المستوى العالمي. وفقاً للمعطيات القائمة فإن التنافس الأمريكي الصيني في هذا البحر سيستمر ولكن من دون أن يصل إلى مرحلة الصدام العسكري المباشر بين الدولتين، وذلك لأنه رغم وجود دوافع مهمة واستراتيجية لدى الطرفين تدفع باتجاه التنافس، إلا أن هناك محددات موضوعية تحدد نطاقه ومداه وترفع أعباء وتكلفة التصعيد غير المدروس، بما يحول دون الوصول إلى مستوى الصدام المباشر بل والأقرب للتصور هو أنه سيدور في نطاق ما يطلق عليه بالضغط المرن.. يؤكد هذا أن الولايات المتحدة ماضية في تنفيذ استراتيجيتها باتجاه إعادة التوازن والتوجه نحو آسيا والتي تنظر إليها الصين باعتبارها بداية لسياسة الاحتواء التي تنوي واشنطن اتباعها تجاه الصين وينظر المحللون الصينيون إليها على أنها تمثل نمطاً جديداً من تهديدات الهيمنة والتدخلية الجديدة في شؤون الدول، وأنها محاولة لتطويق الصين بمنافسين إقليميين معادين لها، كما أن الصين مستمرة في تطوير عناصر قوتها الاستراتيجية وبناء قواتها المسلحة بفروعها المختلفة وفقا لاحتياجاتها الجديدة والتي تتطلب تطويراً نوعياً لقواتها البحرية وبناء أسطول بحري جديد وما يتطلبه ذلك من متطلبات لوجستية سواء في جزر بحر الصين الجنوبي آو عبر إقامة جزر صناعية فيه، وهو الأمر الذي يمثل من وجهة نظر واشنطن تهديداً مباشراً لتوازن القوى الإقليمي، وبالتالي للمكانة والدور الأمريكي في المنطقة والذي يقوم على تحقيق توازن القوة بين الصين والقوى الإقليمية الأخرى الأضعف، ومن ثم يأتي تحرك الدبلوماسية الأمريكية المكثف مع هذه الدول من أجل ترسيخ علاقات التحالف القائمة مع بعضها، وتطوير العلاقات مع البعض الآخر، وذلك من أجل وضع حد للطموحات الصينية، وعرقلة ما تسعى لتحقيقه من أهداف، أو على الأقل رفع تكلفة تحقيق هذه الأهداف والإبطاء من سرعة تحققها، الأمر الذي تابعته الصين وقامت الدبلوماسية الصينية بتحرك مضاد، يقوم على أساس التخفيف من حدة التوتر وتوسيع نطاق التعاون الإقليمي بما يحقق المصالح المشتركة والمنافع المتبادلة بين الصين وهذه الدول. بعض المحللين الأمريكيين يرون أن الولايات المتحدة تتمتع بميزة نسبية أعلى من الصين في هذا التنافس نظراً لقدرتها على جذب الدول الآسيوية الصغرى لجانبها في مواجهة الصين، في حين يرى فريق آخر أنه لا يمكن عملياً التعويل كثيراً على مواقف هذه الدول خاصة وأن معظمها بادر بالانضمام إلى بنك التنمية في البنية التحتية بمجرد إعلان الصين عن إنشائه. د. محمد سعد أبو عامود * *أستاذ العلوم السياسية - جامعة حلوان ssabdeen@yahoo.co.uk

مشاركة :