ما تمرُّ به الدولةُ المصريةُ، بعد سقوط الطائرة الروسيّة في سيناء، لا يختلف كثيرًا عمَّا مرَّت به المملكةُ العربيّةُ السعوديّةُ، بعد حادثتي سقوط الرافعة، وتدافع الحجاج، هنالك واقعة مريعة ومأساوية، لها ملابساتها وشواهدها، تحدث في وقت ومكان معيّن، وقبل أن يفيقَ الناسُ من الصدمة، وتتّضح معالم الواقعة، وقبل حتى الإعلان الرسميّ عنها، أو البدء في فحص الأدلّة والشروع في إجراء التحقيقات، تتصاعد الاتِّهامات والانتقادات الجارحة، والاقتراحات الرعناء. في الحجِّ الماضي تسرّعت إيران في إصدار أحكامها الجاهزة، واتَّهمت المملكة بسوء إدارة أمور الحجاج، وكشفت عن نواياها وأمانيها؛ لأنّها كانت تنتظر ثغرة، ولربما افتعلت هي تلك الثغرة، لتستغل الظرف، وتتحرّك نحو أهدافها. وكذلك فعلت بريطانيا، ومن خلفها، أو من أمامها أمريكا، حين انتهزت فرصة سقوط الطائرة المنكوبة لتسيء لمصر بتهمة سوء تأمين مطاراتها ضد الإرهاب. ولم تكتفِ بريطانيا بإعلان شكوكها بأن سبب السقوط هو قنبلة إرهابية على مسمع من رئيس مصر خلال زيارته الرسمية لها وإحراجه، بل تابعت اتّخاذ إجراءات احترازية بناء على تلك الشكوك، وكأنها قد حسمت نتائج التحقيقات التي ما زالت جارية، فاتّخذت قرارًا بتعليق رحلاتها من وإلى مطار شرم الشيخ، وساندتها أمريكا بتعليق رحلاتها أيضًا. ثم رفعت وتيرة الاحترازات بدافع مخاوفها على سلامة السائحين البريطانيين في شرم الشيخ، وأتّبعت ذلك بإجراءات عاجلة لإخلائهم بطائرات خاصة من شرم الشيخ تاركين خلفهم حقائبهم وأمتعتهم لتثير الذعر والقلق بين السيّاح والمسافرين إلى شرم الشيخ. الحوادث على أراضينا تعتريها شبهات خاصة بنا تثير الكثير من اللغط حولنا، وتستدعي خطوات حاسمة ضدنا: تسقط في إيران وفي غيرها من البقاع أكثر من رافعة في ظروف عادية، فتُصنَّف في كل مرة على أنها حادث قضاء وقدر، أو ربما خطأ بشريّ، لكنها حين تسقط في مكة، وتحت أجواء عاصفة شديدة فهي إدانة تستلزم التدخل في شؤون البلاد. ويحدث التدافع بين جماهير كرة القدم في العديد من الملاعب الرياضية، ويموت الناس بالمئات من بين الآلاف، فتظل حوادثَ منطقيّة يثيرها الفزع والارتباك بين الناس، لكنها حين تحدث في الحج، ويموت فيها مئات من بين الملايين، فهي كارثة الكوارث، وشاهد على قلّة الكفاءة، وفرصة لفرض الهيمنة الإقليمية. تُصرّ بريطانيا اليوم على وضع مصر في موضع المتَّهم بعدم القدرة على حماية وتأمين مطاراتها، فتشنُّ عليها هجومًا شرسًا يستهدف سياحتها، واقتصادها بإشاعة تفشي الإرهاب في شرم الشيخ جوًّا، وبرًّا، وبحرًا. بريطانيا كانت مسرحًا لأعمال إرهابية منذ سنوات قليلة، وكذلك دول أوروبا وأمريكا. أصابع الإرهاب تعبث في كل بلدان العالم، وسقوط طائرات 11/9 لهو أكبر دليل على قدرة الإرهاب على اختراق أعتى المطارات وأشدّها. لكن بريطانيا لم تخفِ يومها على رعاياها، ولم تُعلِّق رحلاتها إلى أمريكا. هذا التذبذب في المواقف يكشفُ ما وراء الآكام، ويثير الريبة في مسببات الحوادث على أراضينا، فحين يخدم حادث ما أغراض المستفيدين منه، فلا بد أن تحوم الشبهات فوق رؤوسهم، خاصة وهم يتحرّكون على عجل ليفصّـلوا الاتهامات كما يناسبهم، ويتخذوا الإجراءات قبل أن تظهر نتائج التحرّيات التي قد تكشف حقيقة الداء الذي رموه وانسلّوا.
مشاركة :