جميعا سمع تعبير «القشة التي قصمت ظهر البعير» أو «تأثير الفراشة» للإشارة إلى النقطة التي عندها تتغير الأمور بشكل دراماتيكي. في علم الاجتماع يعبر مصطلح «نقطة التحول» عن ظاهرة طارئة تتحول عندها الأمور بشكل مذهل ومتسارع لتصبح الأكثر شيوعًا. تمامًا كما يحدث عندما يؤدي إضافة ثقل ضئيل جدًا إلى جسم متوازن إلى انهياره كلية، ومثلما يمكن لشخص مريض أن يبدأ موجة من الوباء المرضي في مدينة كاملة. على نفس المنوال، يمكن أن تسبب دفعة صغيرة، ولكن موجهة بدقة، تجاه منتج جديد أو سلوك اجتماعي أو فكري، إلى انتشاره على نحو يشبه الوباء. وهكذا تشير نقطة التحول إلى تلك اللحظة السحرية التي عندها تعبر فكرة أو توجه أو سلوك اجتماعي عتبة ما لتنتشر بعدها كالنار في الهشيم. في أوائل ستينيات القرن العشرين، درس عالم الاجتماع مورتون جرودزينز الأحياء الأمريكية المختلطة. واكتشف أن الأسر ذات البشرة البيضاء تبقى في الحي طالما أن أعدادهم أكبر بشكل واضح من الأسر ذات البشرة السوداء. ولكن عند وصول أعداد العائلات ذات البشرة السوداء إلى نقطة معينة تبدأ الأسر ذات البشرة البيضاء في هجرة جماعية من الحي. أطلق مورتون على هذه العملية اسم «نقطة التحول». بعدها اتسع استخدام هذا التعبير ليشمل أي عملية يزيد فيها معدل حدوث ظاهرة ما بشكل كبير بعد تخطيها نقطة معينة، كما طبق في العديد من المجالات، بدءًا من الاقتصاد وحتى علم الأوبئة، وعلم الفيزياء، وطبوغرافيا السكان. وقد تحول تعبير «نقطة التحول» إلى عبارة شائعة ونقلة نوعية في تفكير الأجيال اللاحقة عن طريق توماس كون في كتابه «بنية الثورات العلمية». وتاريخ العلوم مليء بالتحولات الفكرية الكبرى التي أحدثتها بعض النظريات أو الاكتشافات في نظرتنا للحياة والكون والوجود. تعتبر ظاهرة «نقطة التحول» شيقة للغاية لأنها توضح لنا لماذا تنتشر بعض المنتجات والاتجاهات في جميع أنحاء العالم، في حين يفشل البعض الآخر. وكيف تدفعنا الإعلانات التجارية إلى الفراق بأموالنا التي نحصل عليها بشق الأنفس لشراء منتجات ربما لا نحتاجها. لا يحدث هذا فقط مع المنتجات نفسها، ولكن يحدث أيضًا مع الأفكار والسلوكيات. وفي عام 2002، أصدر مالكوم جلادويل كتابًا بعنوان «نقطة التحول» يسلط الضوء على هذه الظاهرة ليغير بالفعل الطريقة التي يفكر بها الناس في جميع أنحاء العالم حول رواج المنتجات أو الأفكار أو الاتجاهات الاجتماعية. يرى جلادويل أن الأفكار والمنتجات والسلوكيات تنتشر تمامًا مثل الوباء، فنحن نتلوث ونصيب بعضنا البعض بأفكارنا وتفضيلاتنا وتزكيتنا للأشياء، حتى نصل إلى «نقطة تحول» أو عتبة معينة، بعدها تصبح هذه الأشياء كوباء اجتماعي معدٍ. أي أن الأفكار والمواقف والسلوكيات تميل إلى الانتشار بنفس طريقة انتشار بعض الأمراض المعدية. عند تحليل كيف تنتشر «الأوبئة الاجتماعية»، حدد المؤلف ثلاثة عوامل أطلق عليها: «قانون القلة»، و«عامل الالتصاق»، و«قوة السياق». كل منها له نفس التأثير القوي، وإذا تم تطبيقها بشكل صحيح، فيمكن استخدامها بشكل أكثر فاعلية، لترويج المنتجات والأفكار - وربما الأكثر أهمية - تغيير السلوك. يشير قانون القلة إلى أن هناك عددًا قليلًا من الأشخاص لديهم القدرة على التأثير ونشر الأفكار، وهنا يعرض جلادويل قانون باريتو (20/80) حيث يرى أن 20% من الأفراد قادرون على نشر الأخبار وإيصالها إلى 80%. ويذكر ثلاثة أنواع من هؤلاء القلة: الموصِّلون (الذين لديهم أكبر شبكة من العلاقات مع الأفراد حتى وإن كانت علاقات أو ارتباطات ضعيفة)، والبائعون (الذين يستطيعون ترويج الأفكار ببراعة – الأكثر تأثيرًا)، والخبراء (الذين يتمتعون بثقة الناس). أما عامل الالتصاق فيشير إلى استحواذ فكرة ما على انتباهنا وقدرتها على البقاء في ثقافتنا، بأن تجمع بين كونها فكرة لا تنسى، وبقائها دومًا في مقدمة أذهاننا. تلك الفكرة التي طالما استخدمت لغرس المبادئ والقيم الأساسية في مرحلة ما قبل المدرسة. فالرسائل اللاصقة تظل تستحوذ على انتباهنا واهتمامنا، على الرغم من كثرة الرسائل الجديدة الأخرى. أما قانون قوة السياق فيشير إلى أن الأفراد يتأثرون بشكل أكبر بالظروف التي يتعرضون فيها للأشياء أكثر من تأثرهم بصفاتهم الشخصية المتأصلة. ويستشهد بوقائع كثيرة مثل سياسة «النوافذ المحطمة» التي قضت على الجريمة في نيويورك. وهو يرى أنه حتى في بعض التصرفات المتطرفة، مثل الانتحار، ربما تكون - بدرجة أكبر مما نعتقد - نتيجة للتواصل المعدي. انظر إلى المجتمع من حولك، قد يبدو وكأنه واقع غير قابل للتغيير، لكن الأمر ليس كذلك تمامًا؛ فبدفعة صغيرة -في الوقت والمكان المناسبين- يمكن أن تتغير الأمور رأسًا على عقب. على الرغم من المسافات الكبيرة بيننا وبين «عوالم أخرى موازية»، إلا أننا يمكننا أن نجتاز هذه المسافات بدفعات صغيرة مدروسة.
مشاركة :