تتغير مفاهيم التربية لدى الآباء في كثير من الأُسر، فهناك من يتجه إلى تنفيذ كل متطلبات الأبناء وآخر يرى أن الأوامر والاستجابة لها من الأبناء والطاعة هي المعيار الحقيقي للتربية السليمة، فيما يعتقد آخرون أن السن له تاثير في التربية حين يكون الأب متقدماً في السن بينما يتحمل مسؤولية تربية وتوجيه ابن في سن المراهقة المتعبة، إضافة إلى معايير أخرى تؤثر في تربية الأبناء من المستوى التعليمي والاقتصادي والثقافي للوالدين. ويرى د. عبدالرحمن الطريري -أستاذ علم النفس وعضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود- أن في تربية الأبناء في الثقافة العربية والإسلامية ما يشجع على الزواج بشكل عام والزواج المبكر بشكل خاص، لما في ذلك من عفاف لأبناء الأمة وبناء للأسرة بشكل مبكر من عمر الفرد. الزواج المبكر والأبناء وقال الطريري: لما جاء الإسلام شجع على الزواج لما في ذلك من قوة للأمة ليس في عددهم فحسب، إذ ان ديننا يحثنا على حسن تربية الأبناء والعناية بهم ليكونوا لبنة صالحة في مجتمعهم وأمتهم يساهمون في البناء والتنمية ولا يتحولون إلى عالة على المجتمع، أو مصدر إزعاج للوطن والمجتمع، مستدركاً لكن تربية الأبناء خاصة مع كثرتهم تحتاج لأمور عدة، ليست مقتصرة على ضرورة توفير متطلبات الحياة الأساسية من أكل وشرب، وسكن لائق وملبس مناسب فحسب بل تعدى الأمر إلى وجوب توفير احتياجات أخرى تحولت إلى ما يشبه الأساسية نظراً لما تشهده الحياة من متطلبات متجددة، وسريعة، خاصة ما يتعلق منها بالتقنية، وبالذات عندما يكون الأبوان لا يجيدان التعامل مع التقنية، ولا يتمكنان من معرفة ماذا يستقبل الأبناء من معارف، وأفلام وصور وأفكار تتباين عن موروث المجتمع، وتبرز هذه المشكلة عندما يكون الآباء محدودي التعليم. وأضاف: ان كثرة الأبناء ينجم عنها عدم وجود الوقت الكافي لدى الوالدين والذي يحتاجه الابن خاصة في مرحلة الطفولة والمراهقة، فالابن يحتاج لمن يسمعه ويفهمه، ويشاركه مشاعره وعواطفه، ولذا كثرة الأبناء وضيق الوقت لدى الأب قد تولد مشاعر الحرمان لدى الابن، ولذا يبحث عن أطراف أخرى يجد لديها دفء المشاعر والتفهم له من كافة الجوانب، كما ان التأخر في الزواج يترتب عليه الكثير من المشكلات الناجمة عن ما يمكن تسميته صراع الأجيال، فالوالد الذي يتزوج في سن متأخرة سيجد نفسه عاجزاً عن القيام بواجبات الأبوة من فهم، وقرب لعقلية الأبناء، وإدراك للمشاعر في طبيعتها واتجاهها، وتظهر مسافة فكرية ومشاعرية بينهم وبين آبائهم، ولذا قد لا يتقبلون نصائحهم، وتوجيهاتهم، اما لعدم قناعتهم بها، اذ يعتبرونها تتصادم مع العصر، ومعطياته، أو لوجود مصادر تأثير أقوى من والديهم. الأسرة المستقرة من جانبه أكد د. أحمد البار-أستاذ الخدمة الاجتماعية بجامعة الإمام ومستشار أسري بمشروع ابن باز ومركز واعي للاستشارات الأسرية- أن الأسرة المستقرة من وجهة نظره هي الأساس بغض النظر عن عمر الأبوين أو مستواهما التعليمي رغم أهمية هذين المتغيرين إلا أن التربية مفهوم أعم وأشمل، مبينا أن الزواج المبكر له العديد من الفوائد، منها تقارب العمر الزمني بين الآباء والأمهات والقدرة على الرعاية والإشراف، وأن الكل يعي أن هناك آباء أنجبوا في سنوات أعمارهم المتأخرة وربما واجهوا ويواجهون بعض المصاعب، غير أن تماسك الأسرة واستقرارها وشعور أفرادها بالانتماء والأمان هو الأهم، ذاهباً إلى أن الأبناء بحاجة لمن يستمع لهم ويقرب إليهم، وأن حاجتهم في سنوات عمرهم الأولى لوجود أب وأم يعد بمثابة الملاذ الآمن لهم، وفي فترة المراهقة هم بحاجة لمن يتفهم احتياجاتهم ويمنحهم مساحة من تحمل المسؤولية والاستقلالية المضبوطة بالرقابة الراشدة والواعية، وكلما كبروا تختلف حاجتهم. وأضاف: عندما يكون أحد الأبوين بعيدا عن أبنائه عاطفيا وفكريا أو يكون من الأشخاص الذين يخشى الأبناء بطشه لشدته وقسوته أو نتيجة الإهمال وعدم التفهم للمرحلة التي يوجد فيها الابن أو البنت، فهنا تكمن المشكلة، اذ يشعر الأبناء بعدم الارتياح ويكونون أكثر عرضة للأذى والتذبذب وافتقاد القيم نظرا لغياب النموذج الإيجابي في الأب أو الأم، ويتأكد ذلك في حال غياب من يعوض هذا الفقد في دور الأبوين، مشيرا الى أن الصواب تحمل الأب والأم مسؤولية التربية والوعي بالاحتياجات المختلفة لأبنائهم وفق متغير الجنس ومراحل عمرهم المختلفة، كما أنهما بحاجة لمعرفة التحديات والتهديدات المحيطة ولعب دور ايجابي وفاعل في تنشئة الأبناء. وأشار إلى أن بعض الآباء يظن بمجرد اشباع احتياجات الابناء المادية وعدم حرمانهم من المصروف والترفيه هو أقصى مراد التربية، وخلاصة القول انه كلما استطاع الشاب والفتاة الزواج في سن مبكرة ولديهم الطموح لتطوير ذاتهم وتأسيس حياتهم من البدء على أساس متين من العلاقة والاحترام والثقة وتقوية العلاقة بطرفي الأسرتين، كلما ساهم ذلك في إيجاد أسرة متماسكة، فهناك أمور لا يمكن للأب والأم من فعلها في تربية ابنائهم دون الاستعانة بالمختص وطلب المشورة منهم، غير أن الحب والاحتواء والقرب من الأبناء وتفهم احتياجاتهم ومحاولة إشباعها هو الأهم. ويوضح فهد الحازمي- المستشار الأسري والتربوي مدرب البرامج الأسرية والتربوية- أن العجز لا يكون في التربية لكثرة الأبناء أو لقلتهم فالخبرات التربوية لها دور كبير في تحقيق أعلى مستويات التربية إذا سار المربي بالاتجاه الصحيح، مشيرا الى أنه لكي يتعايش الآباء مع واقع التربية الصحيحة مهما كان عدد الأبناء لابد من التواجد الفاعل مع أفراد الأسرة والإلمام بخصائص النمو والتخلي عن السلطة الأبوية التي تعتمد على الأب فقط واستخدام أسلوب العنف. وأبان الحازمي بأن تعايش الآباء مع واقع التربية الصحيحة مهما كان عدد الأبناء يحتاج لإعطاء كل ابن من الأبناء حقه واحتياجه من الحب والعطف والتقدير اللازم لكل مرحلة من المراحل وتوزيع الأدوار التربوية بين الأبناء الأكبر فالأكبر والاعتماد على التربية بالمشاركة والوعي الكامل بالمستجدات المجتمعية من وسائل الإعلام ووسائل الاتصال والمعرفة بمخاطر المعطيات المحيطة من هذه الوسائل والانحرافات الفكرية. وأضاف ان وضع الآباء كبار السن في وجود أبناء صغار يحتم بأن يعي الأب والأم المسؤولية التربوية واتخاذ بعض الإجراءات التي تسد الفجوة الكبيرة في فارق السن، ومنها حضور ومتابعة البرامج التربوية التي تساعد في تربية الأبناء، ومتابعة مسيرة الأبناء التعليمية والتربوية والعمل برأي المرشد الطلابي والأخصائي النفسي وإدارة المدرسة، وإعطاء الأبناء الأكبر سناً دور الآباء وكذلك الأخوات دور الأم ومشاركتهم الفاعلة في القيادة التربوية في المنزل، مبينا أن على الشباب أن يدركوا أهمية الزواج المبكر وماله من آثار تدعم القدرة على مواكبة المتغيرات والعمل مع الأبناء على إدارة أسرية ناجحة بأساليب تربوية واعية، لافتا الى ان الزواج أصبح مسؤولية اجتماعية كبيرة في ظل المتغيرات السريعة والخطيرة. حجم الأسرة وترى إيمان الحجاجي -محاضر بقسم علم الاجتماع والخدمة الاجتماعية جامعة الدمام- أن زيادة حجم الأسرة يعتبر عاملا من عوامل نقص الرعاية المبذولة للأبناء سواء كانت رعاية نفسية أو اجتماعية أو اقتصادية، وبالتالي ينبغي على الاباء أن يستخدموا آليات متعددة تساعد في تحقيق أدوارهم على الوجه الأكمل مع أهمية تكامل دور مؤسسات المجتمع من إعلام وتربية وأسرة في توجيه عملية تربية الأبناء تربية تصب في خدمة أبنائهم والمجتمع معاً، وذلك بتدريبهم على أدوارهم المستقبلية، ليكونوا أعضاء فاعلين في المجتمع. وتابعت بقولها: في تصوري لا بد أن يكون الآباء قدوة لأبنائهم وألا يأتي أحدهما أو كلاهما بنمط سلوكي مخالف للقيم الدينية والآداب الاجتماعية، كماينبغي عليهم توفير الجو الاجتماعي السليم الصالح لعملية التنشئة الاجتماعية وتحقيق النضج النفسي من خلال تفهم الوالدين بحاجات أبنائهم السيكولوجية والعاطفية المرتبطة بنموهم النفسي والاجتماعي والتي تمكنهم من الاندماج والاشتراك في نواحي النشاط المختلفة في المجتمع، موضحة بأنه قد لا يؤثر تأثيرا كبيرا على عملية التربية بقدر ما يؤثر المستوى التعليمي والثقافي للاباء من حيث مدى إدراكهم لحاجات أبنائهم وكيفية إشباعها، اذ ان تربية الأبناء تربية سليمة قد لا تحتاج إلى زواج مبكر من قبل الآباء ولكنها تحتاج إلى قدرة على تحمل مسؤولية الأبناء والتي قد ترجع أهمية العامل الثقافي للوالدين والذي له دور هام في بناء شخصية الأبناء. العدد ليس مشكلة من جانبها ترى سارة الناصر -المحاضر بقسم علم الاجتماع والخدمة الاجتماعية- أن التربية في عصرنا اصحبت من الأمور الصعبة التي تواجه الآباء بسبب المغريات واختلاف طرق المعيشة عن السابق بشكل كبير جدا حتى اصبح بعض الاباء يفقدون السيطرة على ابنائهم. وتابعت ان التربية في هذا الزمن من الأمور التي يستصعبها الاباء بحكم المتغيرات الجمة التي نعايشها، ولا أرى أن العدد الكبير في الأسرة الواحدة مشكلة إذا اتقن الآباء أسس التربية الصحيحة وأصبح كل من الأبوين متفاهمين متقاسمين التربية لأبنائهم علما بأن الجيل السابق في مجتمعنا يحتوي على عدد الابناء الكبير جدا ولم يواجهوا مشاكل مثل ما نراه الان، والآباء الناجحون هم القادرون على تفهم زمن ابنائهم واحتياجات هذا الزمان وما يعتريهم في خارج البيت، واهمية تفهم كل عمر ومتطلباته والنزول الى تفكيرهم ومصاحبتهم والتركيز على الحوار بين افراد الاسرة. وتقول فوزية العصيمي -محاضر بجامعة الدمام قسم علم اجتماع والخدمة الاجتماعية- ان العديد من الأبناء داخل المجتمع لازال يتزوج الزواج التقليدي، بمعنى أن يخطب له والده أو والدته وهناك بعض الشباب يتزوج زواجا غير تقليدي، وهذا أيضا مما أحدثه التطور الثقافي فكل إنسان لابد أن يتزوج بعمر يناسب استعداده للزواج، مشيرة الى أن الزواج لا يقاس بالعمر وإنما يقاس بالتكافؤ. الزواج المبكر وترى عهود المطيري -معيدة بقسم علم الاجتماع والخدمة الاجتماعية بجامعة الدمام- أن تربية الأبناء من أصعب المهام والمسؤوليات الواقعة على عاتق الآباء، حيث يتوجب عليهم تربية أبنائهم التربية الصحيحة والسليمة التي تقودهم ليصبحوا أعضاء فاعلين في المجتمع، مؤكدة على أن تأصيل التربية في ظل أعداد الأبناء الكبيرة شيء قد يكون صعبا على الكثيرين وخصوصا في زمن الانفتاح الذي نعيشه والذي كثرت فيه المغريات والملهيات ولم تعد تقتصر التربية على الاباء فقط، بل يشارك جميع من حول الأبناء في تربيتهم كالمعلمين بالمدارس والأصدقاء الذين يختلطون بهم بالاضافة الى لتواصل مع العالم الخارجي باستخدام وسائل التواصل الحديثة التي لها تأثير على تربيتهم. وقال سليمان الصانع -رب أسرة - المسألة ليست إعادة النظر في الزواج المتأخر بقدر ما هي الاهتمام بتنشئة الأبناء منذ الصغر على المسؤولية، وأنه بمقدار زرع الاحساس بالمسؤولية لديهم يتم تفادي المشاكل التي يمكن ان تحدث لهم بعد تجربة الزواج والتي من أهمها عدم الاحساس بالمسؤولية وحجمها، فيما يرى أحمد الفرج -رب أسرة- أن من أضرار الزواج المتأخر عدم القدرة على تربية الآباء أولادهم التربية التي ينشدونها ويطمحون إليها، والرجل اذا تقدم به السن صار اكثر انشغالا في صحته ورزقه فهناك الكثير من المشكلات التي تستحوذ على ذهنه بحيث ينشغل عن مهنة مهمة جدا الا وهي تربية أولاده التربية الصالحة، كما يجب إشعار الابن بالمسؤولية وتكليفه ببعض المهام وترك بعض شؤون البيت إليه وتحمل خطئه فيها، وهذا يسد شيئا كبيرا من فراغه الداخلي الذي ينعكس على تصرفاته وسلوكه.
مشاركة :