مع كل أزمة يمر وطننا بها، ترتفع آهات المواطنين، ويعلو صراخهم من شدة الألم، الذي يسببه الفساد المختبئ خلف ستار النزاهة والمتمترس بها، فالسيول جرفت بيوت جدة وأبها والجوف وحائل، وأنهار المطر على العاصمة كشفت المستور تحت الأنفاق وفوق الجسور، كما عرى القانعين بالعيش، متلحفين الصفيح، مفترشين الأرض. أثناء هذا وذاك، كان الصراخ يعلو أحياناً، والألم الساخر من الذات أحياناً أخرى، فالمطر أزال الغبار المتراكم على حجم الفساد الضارب في مفاصل البلاد، الذي يفديه المواطن البسيط بروحه، دافعاً ثمن ذلك حياته وحياة أطفاله وما يملك. إن ما يعيث به الفاسدون في الأرض لعقود من الزمن، يكشفه كبرياء السماء في ساعات من الدمع، فبكاء السحب جراء ما تراه من عبث، سرعان ما تشي قطراتها بالخراب والدمار الذي خلفه أولئك الناهبون لثروات البلاد دون اكتراث لحياة المواطنين أو موتهم. ومع ذلك كله، فما أسرع النسيان لكل ما كشفه الغيث من عورات، والاستمرار في استمراء الألم وهضمه، وتتبخر الأمطار صاعدة للسماء لتخبرها أن ما فعلته من كشف للحقيقة لا يعدو أن يكون صراخاً بالألم الوقتي، وسرعان ما تتبخر هي الأخرى، وينتظر المتضررون، في سكون وهدوء، المسؤول عن ذلك ليعلن استقالته، أو الكشف عن هويته، ليعترف بذنبه، متأملين أن يتم تعويضهم عن معاناتهم أو تحسين معيشتهم أو إنقاذهم من شراسة المطر والسيول، لكن ذلك لن يحدث، لأن المتسبب شبح لا يرى، أو لا نريد أن نراه ونكشفه، وهكذا يبقى الحال على ما هو عليه، «وعلى المتضرر اللجوء للقضاء»، لتمر الأزمات واحدة تلو الأخرى، دون أن يقال إن ذاك المسؤول قد قصر في أداء واجبه، وفضحه ومعاقبته، بل إن كل ما هنالك حديث وآهات وبرامج حوارية تنفس عن ثقل هم المواطن دون أن تعوضه بشيء أبداً أو تحل مشكلاته.. و «قلبي لا تحزن».
مشاركة :