رغم استمرار الولايات المتحدة الأميركية في التأكيد على دعمها لإجراء العملية الانتخابية الليبية في موعدها، وإطلاق التحذيرات مع أي محاولة تستهدف عرقلة العملية المرتقبة، يتساءل سياسيون ليبيون عن الدور الذي يمكن أن تلعبه واشنطن في اللحظات الأخيرة لإنقاذ الاستحقاق الرئاسي، إذا لم يتم تأجيله. وتحدث زميل أول بمعهد الدراسات الدولية في جامعة جونز هوبكنز الليبي حافظ الغويل، عن أن «واشنطن عملت على الإسراع بإجراء الانتخابات بهدف إيجاد سلطة تعمل على إخراج المرتزقة (الفاغنر) التابعين لروسيا من الأراضي الليبية، إلا أنها أدركت في النهاية أن الانتخابات لن تحقق ذلك، لذا تم العمل على إعادة الدبلوماسية ستيفاني ويليامز، مستشارة للأمين العام للأمم المتحدة، إلى المشهد للتنسيق بين أطرافه المؤثرة لرسم خريطة طريق جديدة يتم فيها ربما تقديم الانتخابات البرلمانية على الرئاسية»، بحسب قوله. وأرجع الغويل في تصريح لـ«الشرق الأوسط» التأخر في إعلان قرار تأجيل الانتخابات إلى «استمرار دراسة تلك القوى للموقف وتقييم حجم المخاطر التي ستترتب عليه»، متابعاً: «الإدارة الأميركية لا تستطيع أن تجبر الليبيين على تقبل نتائج الانتخابات خصوصاً في ظل مجتمع شديد التمزيق، وكل طرف لديه سلاح وتشكيلات عسكرية، وقد لا يتردد في استخدامها إذا خسر السباق، وبالتالي هي لا تريد تحمل مسؤولية ذلك خصوصاً إذا كان الوضع متجهاً نحو الفوضى». ونوه إلى أن «التأجيل أيضاً قد يتبعه ردة فعل واسعة لا يعلم أحد مداها خصوصاً بعد ارتفاع سقف آمال قطاع عريض من الليبيين طيلة العام الماضي بشأن إجراء تلك الانتخابات». واستبعد ما يتردد عن أن فرضية التأجيل «ستمكن واشنطن من استبعاد مرشح رئاسي بعينه». وقال: «أميركا ستتعامل مع أي طرف سيصل إلى السلطة في ليبيا، ولكن بالطبع هي وإن رحبت بمشاركة أنصار النظام السابق في العملية السياسية، إلا أنها تتشارك والغرب الأوروبي في التخوف من ترشح سيف الإسلام القذافي وفوزه في الانتخابات، كونه لن يتسامح مع دورهم في إسقاط نظام أبيه، وبالتالي قد لا يكون حليفاً لهم، لذا يستخدمون قضيته كأداة ضغط». ويرى عضو مجلس النواب حسن البرغوثي أن «السياسات الأميركية في ليبيا، اصطدمت بصلابة تعقد الواقع الليبي، على الرغم مما توافر لها من عوامل القوة والضغط على الأطراف المحلية خلال الفترة الماضية». وأضاف البرغوثي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن الولايات المتحدة «لم تسع جدياً لإنجاح الانتخابات الليبية»، إذ إنه كان يجب عليها دعم عملية لجمع السلاح في عموم البلاد، ولو بنسبة 50 في المائة، لتحد من قدرة أي طرف على توظيفه، كما أنها لم تمارس ضغوطاً حقيقية على الأشخاص والكيانات الليبية الرافضة لإجراء الانتخابات. وتابع: «الآن صار الجميع يدرك أن الانتخابات ربما ستؤجل خصوصاً مع عدم ظهور القائمة النهائية للمرشحين، وعدم وجود أي فرص كافية أمامهم للبدء في حملتهم الدعائية». ويتوقع البرغوثي أن تحاول الدبلوماسية الأميركية ستيفاني ويليامز، والتي عينها الأمين العام للأمم المتحدة مستشارة له لدى ليبيا، بما تملكه من خبرة بالملف الليبي «إنقاذ الموقف بترحيل موعد الانتخابات، وليس تأجيلها، حتى لا تفلت الأوضاع من سيطرتها»، ونظر إلى التصريحات الأخيرة للمبعوث والسفير الأميركي الخاص لدى ليبيا ريتشارد نورلاند، الداعية لإجراء الانتخابات، على أنها «دبلوماسية لغض النظر عن الإخفاق في تحقيق ما كانت تصبو إليه بلاده». أما المحلل السياسي الليبي كامل المرعاش، فاعتبر أن العامل الرئيسي من الأزمة الراهنة والتي ستفرض تأجيل الانتخابات ربما لمدى غير معلوم، هو «عدم عثور الولايات المتحدة على مرشح مقبول من جميع الأسماء المطروحة للمراهنة عليه، في ظل وجود علاقات مميزة لأغلب المرشحين مع دول إقليمية». وأشار المرعاش، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن الموقف الأميركي «اعتمد طيلة الفترة الماضية على سياسة توظيف ضعف وانقسام الأطراف المحلية واستغلال تهافت بعضها في الحصول على دعم الولايات المتحدة ضد خصومها الآخرين، وهو ما أعاق إمكانية وضع ثقتها في مرشح ما». ويرى المحلل السياسي أن «واشنطن غير مهتمة بإجراء الانتخابات بالشكل الحازم الذي تترجمه تصريحات مسؤوليها، وهو ما يبرر عدم وجود حضور عسكري لها في البلاد، واعتمادها على تركيا للحد من النفوذ الروسي في ليبيا»، وفق قوله.
مشاركة :