قال تقرير صادر عن بنك الكويت الوطني، إن مجموعة مخاوف ظهرت في الآونة الأخيرة تهدد بالتأثير سلباً على زخم تعافي الاقتصاد العالمي، منها اكتشاف سلالة "أوميكرون" المتحورة وتشديد التدابير الاحترازية المرتبطة بالجائحة في مختلف أنحاء أوروبا وتباطؤ نمو الاقتصاد الصيني. وإثر ذلك، حسب التقرير، تراجعت مؤشرات أسواق الأسهم الرئيسية في الولايات المتحدة وأوروبا واليابان بنسبة تراوحت ما بين 3و5 في المئة في نوفمبر، على الرغم من بقاء معدل النمو منذ بداية العام مرتفعاً بشكل ملحوظ. في التفاصيل، وفي الوقت نفسه، ارتفعت المخاوف بشأن زيادة معدلات التضخم على خلفية الطلب القوي والسياسات التيسيرية واختناقات العرض (خصوصاً في الولايات المتحدة وأوروبا). وبالنسبة لمعظم البنوك المركزية الرئيسية، أصبح التضخم الهاجس الرئيسي، ويبدو أن مجلس الاحتياطي الفدرالي الأميركي على وجه الخصوص مستعد لتسريع وتيرة برنامج تشديد سياسته النقدية على الفور- هذا ما لم تتحقق أسوأ المخاوف الأخيرة بشأن سلالة "أوميكرون" (وتأثيرها المحتمل على النشاط الاقتصادي). كما انخفضت أسعار النفط بشكل حاد في أواخر نوفمبر من 80 دولاراً إلى أقل من 70 دولاراً بشكل مؤقت، وإن كانت تعافت جزئياً منذ ذلك الحين، واتجهت "أوبك" وحلفاؤها للتمسك بجدول زيادة الإنتاج على الرغم من توقعات بوقف الزيادات مؤقتاً نظراً لمخاطر ضعف الطلب العالمي على النفط. رياح معاكسة تباطأت وتيرة نمو الاقتصاد الأميركي بشكل حاد في الربع الثالث من العام، وسط استمرار أزمة سلاسل التوريد وانتشار سلالة دلتا المتحورة. إذ بلغ نمو الناتج المحلي الإجمالي في الربع الثالث من العام 2.1 في المئة على أساس ربع سنوي، مخالفاً التوقعات وأقل على نحو ملحوظ من النمو المسجل في الربع الثاني من العام بواقع 6.7 في المئة. واستمر ضعف أداء ثقة المستهلك (وفقاً لمقياس مؤشر كونفرنس بورد)، اذ تراجعت قراءته إلى 109.5 في نوفمبر الماضي فيما يعد أدنى مستوياته المسجلة منذ فبراير 2021، وكان ارتفاع معدل التضخم هو السبب الرئيسي في ذلك. وعلى الرغم من الزيادة الضعيفة نسبياً التي شهدتها الوظائف غير الزراعية في نوفمبر (210 ألف وظيفة)، فإن سوق العمل شهد انتعاشاً قوياً، إذ انخفض معدل البطالة إلى 4.2 في المئة في نوفمبر، بينما ارتفع معدل المشاركة في القوى العاملة إلى 61.8 في المئة، وكلاهما يعتبر في أفضل المستويات منذ تفشي الجائحة. إضافة لذلك، استمرت مطالبات البطالة الأسبوعية الجديدة في الهبوط لتصل إلى 208 آلاف مطالبة جديدة في المتوسط للقراءتين الماضيتين، وهو ما يتماشى مع المستوى، الذي سُجل قبل تأثير الجائحة مباشرة في الولايات المتحدة. ومن المتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي بنحو 4 في المئة، على أساس سنوي، في الربع الأخير من العام. وفي وقت بدأ "الاحتياطي الفدرالي" تقليص مشتريات الأصول في نوفمبر بمعدل 15 مليار دولار شهرياً، من الممكن أن يصدر قرار تسريع وتيرة الخفض التدريجي في وقت مبكر قد لا يتعدى موعد اجتماع مجلس الاحتياطي الفدرالي في 15 ديسمبر. ويعتبر أقرب السيناريوهات المحتملة هو مضاعفة قيمة المبلغ الذي يتم خفضه تدريجياً إلى 30 مليار دولار شهرياً وإنهاء عمليات الشراء بحلول مارس 2022. وسيفتح هذا الأمر المجال أمام بدء رفع أسعار الفائدة بعد ذلك، مع إمكانية رفعها مرتين إلى ثلاث مرات في عام 2022. ويعزى ذلك، على الأغلب، إلى تسارع وتيرة نمو أسعار المستهلك بالإضافة إلى اتساع نطاقها، مع اعتبار ارتفاع معدل التضخم أهم مقياس يسيطر على الخطاب الاقتصادي والسياسي في الولايات المتحدة. وارتفع مؤشر أسعار المستهلكين بنسبة كبيرة وصلت إلى 6.8 في المئة على أساس سنوي في نوفمبر، بينما ارتفع مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي (مقياس التضخم المفضل لدى مجلس الاحتياطي الفدرالي) بنسبة 4.1 في المئة في أكتوبر، وكلاهما وصل الآن إلى أعلى مستوياته المسجلة في عدة سنوات. وفي ذات الوقت، أقر الكونغرس أخيراً مشروع قانون البنية التحتية بقيمة تريليون دولار، ليتيح بذلك المجال أمام توجيه الأموال لمجموعة واسعة من المجالات بما في ذلك الطرق والجسور، والسكك الحديدية، والموانئ والمطارات والمياه والطاقة. إضافة لذلك، أقر مجلس النواب الأميركي قانون الرئيس بايدن لشبكة السلامة الاجتماعية والمناخ (قانون إعادة البناء بشكل أفضل) بقيمة إجمالية قدرها 1.7 تريليون دولار، أي أقل من نصف المستوى المستهدف في الأساس بقيمة 3.5 تريليون دولار. لكن من المرجح أن يقوم مجلس الشيوخ بتعديل هذا القانون في ضوء المعارضة الشديدة من الجمهوريين وخلافات الأعضاء الديموقراطيين فيما بينهم. كما أقر الكونغرس مشروع قانون تمويل قصير الأجل في اللحظة الأخيرة والذي سيبقي الحكومة تعمل حتى 18 فبراير. وأخيراً، أقر الكونغرس تشريعاً يتيح رفع سقف الدين العام، مما سيسمح بتمويل الحكومة حتى موعد انتخابات التجديد النصفي للكونغرس في نوفمبر 2022. قيود جديدة في أوروبا أدت زيادة حالات الإصابة بفيروس كوفيد-19 في كافة أنحاء أوروبا خلال شهري أكتوبر ونوفمبر- حتى في بعض الدول التي ترتفع فيها معدلات التطعيم - إلى البدء في تطبيق مجموعة جديدة من القيود التي من المقرر أن تؤدي إلى تباطؤ وتيرة التعافي الاقتصادي في الربع الرابع من عام 2021 وربما في السنوات اللاحقة أيضاً. وشمل ذلك فرض قيود أكثر صرامة على الأشخاص غير الملقحين في ألمانيا وإغلاق كامل أشد قسوة في النمسا. وقد تكون التداعيات الاقتصادية لهذه الموجة أقل حدة من تلك المرتبطة بالأحداث السابقة، لعدة أسباب منها أن التطعيمات قللت من مخاطر العدوى التي تسبب مرضاً شديداً، كما أصبحت الشركات والأفراد أكثر تكيفاً مع القيود من ذي قبل. لكن الحكومات تبدو مستعدة لاعتماد نهج احترازي فيما يتعلق بسياسات الصحة العامة ومع وجود بعض الأنظمة الصحية التي تتعرض بالفعل لضغط شديد، يمكن معها تشديد القيود، إذا تبين أن متغير «أوميكرون» أكثر عدوى مقارنة بسلالات الفيروس السابقة.
مشاركة :