ذاهبون إلى الموت لاجئون سوريون يروون قصص العودة من لبنان

  • 12/15/2021
  • 20:06
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

بين الموت من البرد والجوع وضيق الحال في لبنان، ومجازفة العودة إلى الوطن الأم في سوريا لا بد أن يختار، فضل اللاجئ السوري «محمد» الخيار الثاني رغم تبعاته الصعبة، وتم توقيفه قبل 25 يوما في حمص ليواجه مصيرا مجهولا حتى الآن.تنتظر عائلة محمد بفارغ الصبر خبرا يطمئنها عليه، بعدما تم توقيفه على حاجز لأمن النظام في حمص، وكذلك عن قريبيه العائدين إلى سوريا، حيث داهمت عناصر أمنية منزلهما في بلدة كفرعايا قبل ثلاثة أشهر لتنقطع أخبارهما بشكل كلي. قصة محمد وأقاربه تتكرر في آلاف المنازل السورية، بعد الانهيار الاقتصادي الكبير الذي شهده لبنان، والذي أجبر الكثيرين على العودة في طريق قد يؤدي إلى الموت، لكنهم في النهاية يدركون أن الموت يمر بجوارهم، سواء كانوا هنا أو هناك.قصص إنسانية مؤلمة حملها تقرير بثه موقع (الحرة) الأمريكي، عن لاجئين سوريين قرروا العودة، بعد أن جدد الرئيس اللبناني، ميشال عون، دعوته لعودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم، مطالبا «المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤوليته في تسهيل عودة النازحين السوريين في لبنان إلى بلادهم، ولا سيما أن معظم المناطق السورية أصبحت آمنة، وفي إمكان هؤلاء النازحين العودة إلى أراضيهم ومنازلهم، والعيش فيها بدلا من الاتكال على المساعدات التي تصلهم من المنظمات الدولية».نهر الدماءيبلغ عدد السوريين المغادرين إلى بلادهم عبر الحدود والمستفيدين من التسهيلات التي يقدمها الأمن العام في المعابر الحدودية، من المسجلين أو غير المسجلين بصفة نازح، أو الذين عادوا بشكل فردي أو بواسطة رحلات العودة الطوعية المنظمة، منذ 30 نوفمبر 2017 حتى 29 ديسمبر 2019 نحو 341,873 مغادرا، وفق تقرير المديرية العامة للأمن العام اللبناني.ومنذ اندلاع الحرب السورية عام 2011، فر ملايين السوريين من البلاد بحثا عن ملجأ، توزعوا في أنحاء العالم، وكان للبنان نصيبه الكبير من اللجوء بحكم الجوار، وقبل أن يخفت صوت المدافع ويجف نهر دماء الجرحى والضحايا بدأت بعض الأصوات ترتفع في لبنان مطالبة بعودتهم، وحملتهم سبب تدهور الأوضاع الاقتصادية والأمنية في البلد.«لا يرى الرئيس اللبناني من هموم لبنان ومشاكله سوى وجود اللاجئين السوريين»، بحسب ما قاله المعارض السوري، جورج صبرا، لموقع «الحرة»، مضيفا «لو كان الوضع آمنا في سوريا يجب أن تعلن الأمم المتحدة ذلك، إذ كل المنظمات الإنسانية تؤكد أن الأوضاع داخل سوريا ليست آمنة لعودتهم، وهناك مدن مدمرة عن بكرة أبيها، وعندما أجبرت السلطات اللبنانية اللاجئين على العودة لاقوا مصيرهم في الاعتقال والتعذيب والتحقيقات المرة».ذاهبون للموتواعتبر صبرا أن «بيدرسون أخبر عون عن الأوضاع في سوريا وفيما إن كانت آمنة بالفعل، فهناك مشروع سياسي تشرف عليه الأمم المتحدة وجميع دول العالم معنية به، ولو خطا خطوة في الاتجاه الصحيح وأصبح البلد آمنا ومهيئا لاستقبال اللاجئين كان يجب أن تعلن الأمم المتحدة ذلك».الكلام نفسه أكده تقرير صادر عن منظمة العفو الدولية بعنوان «أنت ذاهب إلى موتك»، حيث أشار إلى أن «أي حكومة تدعي أن سوريا باتت الآن آمنة هو تجاهل متعمد للحقيقة المروعة على الأرض»، مستنكرة تعرض العشرات من اللاجئين الذين عادوا أدراجهم إلى سوريا لأشكال عدة من الانتهاكات على أيدي قوات الأمن، بينها الاعتقال التعسفي والتعذيب وحتى الاغتصاب.ويعود المعارض السوري للتأكيد بأن نصف الشعب، اضطروا للخروج من منازلهم، يقول «نحو 7 إلى 8 ملايين غادروا سوريا ومثلهم نزحوا داخل بلدهم، وهذه ليست قضية صغيرة يمكن أن تتناول بتصريح من هنا وهناك، ومن المؤسف أن تستخدم قضية مؤلمة بطريقة شعبوية من قبل بعض الاتجاهات السياسية المعروفة، والأشد مرارة أن تصل إلى رأس السلطة اللبنانية، الذي يعرف حقائق ما يجري ويعبر عنها بهذه الطريقة».مزايدات عونويرى عضو كتلة الجمهورية القوية النائب عماد واكيم أن كلام ميشيل عون لا يخرج عن المزايدات، ويقول «منذ سنوات ونحن نتطرق إلى الموضوع، مشيرين إلى ضرورة العودة الإنسانية الآمنة ضمن شروط، في حين أن الرئيس عون وتياره يريدان مفاوضة النظام السوري الذي يهرب منه اللاجئون، لكن من هم مؤيدون للنظام ممن يعملون في لبنان ويغادرون إلى سوريا متى شاؤوا، على الأمن العام فرزهم لإعادتهم إلى بلدهم».في المقابل، يؤكد عضو تكتل لبنان النائب ​إدي معلوف، على أنه ​«قبل أن يصل عون إلى رئاسة الجمهورية، كان أول من حذر من تداعيات النزوح السوري، ولا سيما فيما يتعلق بالعدد الضخم نسبة لمساحة لبنان والكثافة السكانية فيه، حينها اتهم بالعنصرية من قبل جهات سياسيةعدة».ويتفهم معلوف استقبال نازحين «لكن ضمن منطق معين، فأوروبا لا تتحمل مليونا و300 ألف نازح، ويطلب من لبنان تحمل مليون ونصف المليون»، ويرى أن هناك أسبابا كثيرة خلف الأزمة الاقتصادية في لبنان، منها «الفساد والضغط الدولي، لكن لا يجب أن نتغاضى أنه بحسب تقارير منظمات دولية تقدر كلفة النزوح السوري على الاقتصاد اللبناني ما بين 40 إلى 50 مليار دولار».مصير مجهولقبل سنة وشهر حمل محمد (32 سنة) مخاوفه وعاد أدراجه مع زوجته وطفليه إلى بلدته القصير، بعدما أمضى في لبنان ثماني سنوات، اعتقد أنه بذلك يخفف عن كاهله بدل إيجار البيت ومصاريف عدة، وهو العاجز، كما قال قريبه أبوطارق، عن العمل نتيجة إصابته خلال الحرب، مؤكدا أنه «لم يغادر لبنان قبل التأكد من أن لا خدمة إلزامية عليه وأنه غير مطلوب للنظام».حاول محمد تجنب الابتعاد عن منزله في سوريا، حيث كان يساعد والديه في المزرعة التي يمتلكونها إلى أن اضطر لقصد حمص ليقع ما يخشى منه جميع السوريين، ألا وهو الاعتقال، حيث تفاجأ عند الحاجز وفقا لما قاله أبوطارق «بإبلاغه أنه مطلوب وبحقه مذكرة توقيف تعود إلى سنة 2012، بحسب ما أطلع والديه من خلال اتصال لا نعلم مصدره».محمد ليس الوحيد من أقرباء أبوطارق الذي أوقف عند عودته إلى سوريا، بل يقول «قبل ثلاثة أشهر تم توقيف ابني عم زوجتي في منزلهما ببلدة كفرعايا، ربما لأن عليهما خدمة احتياط، وكما علمنا نقلا إلى فرع أمني في دمشق، إحدى الوساطات عرضت على والديهما دفع 80 مليون ليرة سورية للتدخل وإطلاق سراحهما، لكن حتى لو باعا منزلهما والمزرعة لن يصلا إلى هذا الرقم».الخيانة والإرهاببين الاتهامات التي توجه إلى العائدين، بحسب تقرير منظمة العفو الدولية، «الخيانة أو دعم الإرهاب»، وفي بعض الحالات، تم استهداف العائدين لمجرد وجودهم سابقا في مناطق تحت سيطرة فصائل معارضة.وفي شهر سبتمبر الماضي، أعربت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عن قلقها البالغ إزاء التدهور السريع في الظروف المعيشية للاجئين السوريين في لبنان «فجميع اللاجئين السوريين تقريبا باتوا عاجزين عن توفير الحد الأدنى من الإنفاق اللازم لضمان البقاء على قيد الحياة».وكشفت النتائج الأولية لتقييم جوانب الضعف لدى اللاجئين السوريين في لبنان لعام 2021، عن وضع بائس يرثى له، إذ إن تسعة من أصل كل 10 لاجئين سوريين لا يزالون يعيشون اليوم في فقر مدقع، وفقا للمفوضية.وأكدت المتحدثة باسم ​المفوضية العليا لشؤون اللاجئين​ ​في لبنان، ليزا أبوخالد، أن «العودة الطوعية إلى الوطن بأمان وكرامة حق أساسي لكل لاجئ، ومعظم اللاجئين السوريين يأملون في العودة إلى بلدهم يوما ما، إلا أنهم ما زالوا قلقين بسبب مجموعة من العوامل، على رأسها السلامة والأمن والسكن والوصول إلى الخدمات الأساسية وسبل العيش».رافضون للعودةوعلى الرغم من كل الظروف الصعبة التي يمر بها لبنان يرفض أبوطارق، الذي يقطن في مدينة طرابلس فكرة العودة إلى وطنه، موضحا السبب بقوله «في سنة 2012 اعتقل شقيقي من منزله في حي جوبر، من دون أن يكون له علاقة بكل ما دار في سوريا، نقل إلى فرع المخابرات الجوية ومن ثم إلى الأمن العسكري فأمن الدولة وبعدها إلى سجن عدرا إلى أن انتهى به الرحال في سجن صيدنايا، ومن هناك تلقت خالتي سنة 2016 اتصالا، كون والديّ متوفيين، أُطلعت خلاله أنه فارق الحياة وعليها القدوم لأخذ هويته وأغراضه، من دون أن تتسلم جثته».اعتنى أبوطارق بأولاد شقيقه الأربعة بعد وصولهم إلى لبنان، بعد مقتل والدتهم في الحرب السورية، مؤكدا «على الرغم من كل الظروف الصعبة التي تمر علينا الآن وارتفاع الأسعار بشكل جنوني إلا أني لا أفكر بالعودة أبدا إلى وطني، خوفا على عائلتي في حال اعتقالي».ويرفض اللاجئ محسن، الذي يسكن في منطقة صبرا ويواجه ظروفا اقتصادية صعبة، العودة إلى سوريا معتبرا أن ذلك «يعني التسليم للموت، هنا أيا كان الوضع في لبنان أرحم من بطش النظام ووحشيته»، وقال «لا يمكنني تأمين الحليب لطفلي ولا الطعام الصحي لعائلتي، ولا وسائل التدفئة، ومع ذلك لن أجازف بحياتي بالعودة إلى وطني».النازحون السوريون في لبنان 1.5 مليون نسمة 40 مليار دولار تكلفته الاقتصادية 341 ألفا عادوا إلى بلادهم خلال 4 سنوات

مشاركة :