في الحياة العصرية يكتسب الإنسان المزيد من العادات السيئة ويصبح أسير إدمان لا يستطيع معه فكاكاً، وتنعكس هذه العادات والإدمان على حياته الاجتماعية وعلى ميزانيته الاقتصادية وعلى صحته الجسدية والنفسية والعقلية. ثورة الاتصالات والمعلومات سهلت الحياة أكثر وأتاحت منافع للناس، ولكن هذه التسهيلات المتاحة أصبحت أسلوب حياة، فأثرت بشكل مباشر في حياة الناس، إن لم تكن حرفتها عن سواء الطبيعة، وأخرجتها من سواء الواقع إلى سوء الواقع الافتراضي، حتى أصبح الثاني بديلاً ومظهراً للحياة. الاختراعات التي سهلت الحياة كثيرة، لكنها لا تعني أنها كل الحياة. سوء الاستخدام أو فرط الاستعمال يعني أن هناك مشكلة، تحتاج إلى إعادة تعريف وترشيد منطق الاستعمال. فالسيارة على سبيل المثال، آلة لتيسير الحركة والتنقل، لكن البعض جعلها محور حياته، ويقضي في مقعد قيادتها جل وقته كأنه في رحلة مستمرة من دون توقف. دراسات التسويق والترويج التي أجراها معهد ماساتشوسيتس للتكنولوجيا أتاحت للشركات الرأسمالية أن تحقق أرباحاً خيالية بخلق طلب لا يرد للحصول على الاختراعات الحديثة، والخدمات الجديدة والمنتجات الاستهلاكية والانضمام إلى نادي المستخدمين والمستهلكين، باعتبار أن عضوية النادي العصري هي التي توفر الرضا النفسي، لا السلعة أو الخدمة نفسها. فالذي يدمن على الوجبات السريعة الضارة بالصحة يحصل على بطاقة سريعة لدخول نادي الأمراض العصرية كالسمنة المفرطة والكوليسترول والسكري وغيرها، من دون كبير اهتمام بالصحة البدنية، في مقابل الحصول على الإشباع النفسي والخدر العقلي بممارسة سلوك يندرج في الحياة العصرية. نمط الحياة الذي يعيش فيه الإنسان في سباق مع الزمن كأنه ملاحق، وكأنه مطالب بالحصول على كل شيء آنياً وبسرعة، هو لعبة الشركات الرأسمالية التي تريد أن تحقق أرباحها الضخمة باستغلال النوازع النفسية عند الإنسان، فيشترى ما لا يحتاج إليه، وبكمية أكبر وفي أوقات متقاربة تشبه التعاطي لأن ذلك يشبع ضغوط الإدمان. ماذا سيخسر الإنسان إذا تخلى عن فرط استعماله للمخترعات والخدمات الحديثة التي بات يظن أنه لا يمكن الاستغناء عنها؟ دراسات علم اجتماع الاتصال أكدت على سبيل المثال، أن ترشيد استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، أو الاستغناء عنها، تزيد مشاعر السعادة الشخصية وتخفض مناسيب الغضب والتوتر والإحساس بالوحدة. أحدث دراسة أجراها معهد أبحاث السعادة في العاصمة الدنماركية كوبنهاغن أكدت أن إحساس الرضا بالحياة يزيد بشكل ملحوظ خلال أسبوع عندما يمتنع الإنسان عن متابعة حسابه على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك. وأثارت نتائج الدراسة الباحثين الذين رأوا في هذه النتائج مؤشراً يجب أن يزيد الاهتمام بدرس تأثير الإعلام الاجتماعي في مشاعر الرضا والإشباع. تتسق هذه النتائج مع أخرى لدراسات سابقة أكدت أن مواقع التواصل الاجتماعي تشوِّه رؤيتنا للواقع. فالتقليل من إدمان الواقع الافتراضي، يزيد من أنشطة الإنسان الاجتماعية في الواقع الحقيقي، ويقلل من إحساسه بالغضب والتوتر والوحدة والعزلة. فهل آن الأوان لنغادر الواقع الافتراضي ونبدأ من جديد الحياة في الواقع الحقيقي والتواصل الاجتماعي الحقيقي مع ما فيه من دفء العلاقات الإنسانية؟ osnim@hotmail.com
مشاركة :