هل العالم بهيئته المعاصرة على شفا حرب عالمية ثالثة؟ يمكن أن تنطلق في أي لحظة؟ سواء عن طريق مباشر أو غير مباشر؟ الواقع أن الملفات الساخنة المفتوحة في الفترة الأخيرة تدفع الجميع للقلق، ما دعا بعض الأصوات للتساؤل عن نهاية عالم ما بعد 1945، أي عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية، وبداية عالم جديد تؤسس له حرب كونية تشعل سعيرها الإيديولوجيات العنصرية، عطفا على النزعات العسكرية الإستعمارية، تلك التي دفعت العالم نحو صراع شامل في أوائل القرن الماضي. وسط الخلافات الناشبة بين روسيا وأوكرانيا، ومواقف الولايات المتحدة وأوربا من الرئيس بوتين، بالإضافة إلى الأزمة المستمرة والمستقرة بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية من جراء جزيرة تايوان، عطفا على التوقعات الحثيثة عن قيام إسرائيل بتوجيه ضربة للبرنامج النووي الإيراني، حال قصرت الولايات المتحدة، أو بمعنى أكثر دقة حال فضلت واشنطن قيام تل أبيب بعملية جراحية إنتقائية نيابة عنها، يستشعر المرء الخطر الداهم ، القائم والقادم دفعة واحدة. يكاد المشهد الأممي الحاضر بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية أن يذكر العالم بأزمة صواريخ كوبا في أكتوبر من عام 1962، حين أكتشفت الأقمار الإصطناعية الأمريكية، تحركات لسفن سوفيتية في المحيط الأطلسي، تحمل رؤوسا نووية، متوجهة إلى جزيرة كوبا التي تشرف على ولاية فلوريدا الأمريكية بالمنظار المعظم. نجح العالم في ستينات القرن الماضي في تجنب صراعا نوويا كان له أن يبيد الملايين حول العالم، غير أن أحدا لا يقطع بأن النجاحات عينها يمكن أن تتكرر من جديد هذه الأيام. أخلف حلف الناتو وعوده لروسيا الإتحادية، بشأن عدم التمدد ناحية الشرق، ويبدو أن الطابع الإمبريالي التقليدي يغلب التطبع، ولهذا تتجلى مخططات واشنطن وبروكسيل على الأرض في أوكرانيا اليوم، كما حدث في جورجيا عام 2008. الدب الروسي بحال من الأحوال لن يقبل التمدد الأمريكي إلى جواره بهذا الشكل، وبات أن لديه خططه الجاهزة للرد والتي تعكسها قوات تصل إلى 175 ألف جندي على الحدود مع أوكرانيا، على أتم الإستعداد للقيام بعمليات مختلفة ، تبدأ من الضربات السريعة الموجعة، وتنتقل إلى الهجوم الساحق الماحق الذي لا يصد ولا يرد. الخطة رقم واحد التي يمكن من خلالها للقيصر أن ينغص من هناء العيش الأمريكي، أشار إليها الخبير العسكري الروسي، أليكسي ليونكوف، وفيها قيام موسكو بنشر قدرات عسكرية معينة في المنطقة المجاورة مباشرة للساحل الأمريكي، وعنده أنه من شأن نشر قوات روسية في المنطقة الكوبية، على أساس دائم، والزيارات العسكرية المنتظمة قبل إندلاع الأعمال القتالية، في ما يسمى بفترة ما قبل الحرب، أن توقف رغبة الولايات المتحدة في اللعب بالحرب مع الروس. هل سيكون هذا هو الرد الروسي على الناتو إذا قام الأخير بنشر صواريخ متوسطة أو بعيدة المدى في الجوار الأوكراني وبما يهدد المجال الحيوي الإستراتيجي لروسيا الإتحادية؟ المؤكد أن القيادة الروسية كانت قد أعربت بشكل مباشر عن مخاوفها من تقدم بنية الناتو التحتية العسكرية إلى الشرق، وأبدت إستعدادها لإتخاذ خطوات عسكرية حاسمة إذا لم تحصل على ضمانات أمنية من الحلف. ترى روسيا أن تمدد الناتو إلى الشرق يخلق تهديدا حقيقيا لا مجازيا، للدولة الروسية، وهو الأمر الذي أخبر به بوتين، رئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون. تبدو القيادة الروسية هذه المرة في موقع وموضع الجانب الأمريكي من أزمة كوبا، بمعنى أنه إذا لم تكن هناك حلول دبلوماسية لإشكالية التواجد الغربي على الأراضي الأوكرانية، فإن الروس سوف يقومون بالحل من جانب واحد.. ماذا يعني ذلك؟ بإختصار غير مخل، يفيد بأن القوات المسلحة الروسية ستمضي في الدفاع عن مقدرات روسيا ، من خلال تحديد هيئة الأركان العامة الروسية، القواعد التي سوف تستهدف، وعلى أي مسافة من الحدود الروسية، وفي أي دول الناتو، والدول غير الأعضاء فيه، التي تشكل تهديدا. أحد الأسئلة المثيرة للقلاقل في طريق توقعات المواجهة الكونية الممكنة: "هل ستنجر بقية دول أوربا إلى هذا الصراع والذي يمكن أن يؤدي حال سخونة الرؤوس إلى مواجهة نووية بالفعل؟ تبدو أوربا منقسمة بين دول ماضية قدما وراء واشنطن وحتى نهاية خط المنافسة، مهما كانت الأكلاف عالية، وأثمان المواجهة غالية ، وفي مقدمتها بولندا، المرشحة لبناء حائط الصواريخ الخاص بالناتو على أراضيها. فيما هناك دول قد لا ترغب في مشاركة واشنطن في مواجهات مع روسيا لا سيما ألمانيا، تلك التي كانت إلى حد قريب تميل إلى تفعيل الطرح الأوراسي، ومد جسور التعاون ما بين روسيا وبقية دول القارة الأوربية. تبدو الإستعدادات الروسية متسارعة بشكل غير مسبوق، وكأن موسكو تتهيأ بالفعل لمواجهة عسكرية في القريب العاجل، كيف لا وهي ترى سفن وغواصات الأطلسي تقترب من حدودها ، بل تناور وتداور على مقربة منها في البحر الأسود. وفي المجال الجوي تطارد الطائرات الروسية يوما تلو الأخر نظيراتها الغربية التي تخرق المجال الجوي الروسي، وعند لحظة إنفلات أعصاب قد تمضي إلى التعامل معها وإسقاطها. من بين مشاهد القلق والخوف ما رأه العالم قبل ساعات من نجاح قوات الدفاع الروسية في إطلاق صاروح "تسيركون" المجنح، وهو أول صاروخ روسي مجنح وفرط صوتي، قادر على القيام برحلة إيرودينامية طويلة المدى مع القيام بمناورة في الطبقات الكثيفة من الغلاف الجوي. حافة الحرب العالمية تقترب إذا مضت واشنطن في دعمها لتايوان والإشتباك مع الصين، أما إيران فهي ملف أكثر إشتعالا.. فهل يدخل العالم 2022 بتهديدات تجعله عام مواجهة كونية؟
مشاركة :