تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2) سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (3) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4) فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (5)} (المسد: 1-5). هو عبد العزى بن عبد المطلب، المعروف بكنية أبو لهب، هو عم الرسول صلى الله عليه وسلم، وكنيته أبو عتبة. مات سنة 624م. وهو الأخ غير الشقيق لعبد الله بن عبد المطلب والد النبي محمد. عرف عبد العزى بكنية أبو عتبة نسبة لابنه الأكبر عتبة بن عبد العزى بن عبد المطلب، ولكن الاسم المشهور له هو أبو لهب، لقبه إياه أبوه عبد المطلب لوسامته وإشراق وجهه. يوم ولادة محمد - صلى الله عليه وسلم - جاءت جاريته ثويبة وبشرته بميلاد ابن أخيه ففرح لذلك وحررها من الرق. كان أول من جهر بعداوة الإسلام لما جهر الرسول بدعوته، ولم يكتف بالمعارضة الصريحة بل عضدها بالعمل والكيد، ومارس شتى أنواع أذى الرسول - صلى الله عليه وسلم - وصد الناس عنه. وهي زوجته المكناة بأم جميل من سادات نساء قريش، اسمها أروى بنت حرب بن أمية، وهي أخت أبي سفيان، وكانت عونا لزوجها على محاربة وإيذاء النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث كانا من أكثر من عذبا أصحابه وتجاوزا عليه، وكانت زوجته أم جميل تجلب الأشواك لتضعها في طريقه بهدف إدماء قدميه. الجهر بالدعوة والقصة تبدأ من وقت أمر الله نبيه بأن يجهر بدعوته، وأن يبدأ بالأقربين: وأنذر عشيرتك الأقربين (الشعراء) و214: اشتد ذلك على الرسول صلى الله عليه وسلم، وضاق به ذرعاً فجلس في بيته كالمريض، فأتته عماته يعدنه، فقال: ما اشتكيت شيئاً، ولكن الله أمرني بأن أنذر عشيرتي، فقلن له: فادعهم، ولا تدع أبا لهب فيهم، فإنه غير مجيبك. تحرك النبي - صلى الله عليه وسلم - لتنفيذ أمر الله، فدعا بني هاشم، وكان عددهم خمسة وأربعين، وأعد لهم مائدة طعام، وأعد نفسه للحديث إليهم فيما دعاهم إليه، وقبل أن يتكلم - صلى الله عليه وسلم - وقف عمه أبو لهب وقال: (هؤلاء هم عمومتك وبنو عمك فتكلم ودع الصباة، واعلم أنه ليس لقومك بالعرب قاطبة طاقة، وأنا أحق من أخذك، فحسبك بنو أبيك، وإن أقمت على ما أنت عليه، فهو أيسر عليهم من أن يثب بك بطون قريش وتمدهم العرب). قطع أبو لهب الطريق على حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنهى كلامه بلومه لوماً شديداً، وقال: (فما رأيت أحداً جاء على بني أبيه بشر ما جئتهم به)، وسكت النبي وقرر أن يفوت الفرصة على الصدام مع عمه، ولم يدخل في جدال مع أبي لهب، وآثر تأجيل الكلام إلى موعد لاحق يبادر هو فيه الكلام ويسبق أبا لهب وغيره. ومرة أخرى جمع النبي - صلى الله عليه وسلم - أهله وعشيرته على الطعام، وبادر بالحديث فخطب فيهم خطاباً قصيراً جامعاً فقال: (الحمد لله، أحمده وأستعينه، وأؤمن به وأتوكل عليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إن الرائد لا يكذب أهله، والله الذي لا إله إلا هو، إني رسول الله إليكم خاصة، وإلى الناس عامة، والله لتموتن كما تنامون، ولتبعثن كما تستيقظون، ولتحاسبن بما تعملون، وإنها الجنة أبداً أو النار أبداً). بين موقفين وعلى هذا تحددت مواقف أهله وعشيرته، بين موقفين، أحدهما يمثله أبو طالب عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقبل أبو طالب النصرة بمنطق القبلية، ومثل الموقف الآخر أبو لهب الذي ظل مصراً على عدائه للنبي - صلى الله عليه وسلم - ولدعوته، ورأى فيها تأليباً على بني هاشم، وضياعاً لمصالحه مع قريش. كانت الخطوة التالية أن توجه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى قريش كلها بالدعوة إلى الله، فصعد صلى الله عليه وسلم جبل الصفا، وجعل يدعوهم قبائل قبائل، وينادي: يا بني فهر، يا بني عدي، يا بني عبد مناف، يا بني عبد المطلب، نادي على كل بطون قريش حتى اجتمعوا، فدعاهم إلى الحق، فخص وعم، فقال: يا معشر قريش، اشتروا أنفسكم من الله، أنقذوا أنفسكم من النار، فإني لا أملك لكم من الله ضراً ولا نفعاً، ولا أغني عنكم من الله شيئاً، يا بني كعب بن لؤي، أنقذوا أنفسكم من النار، فإني لا أملك لكم ضراً ولا نفعاً، يا بني مرة بن كعب، أنقذوا أنفسكم من النار، يا معشر بني قصي، أنقذوا أنفسكم من النار، فإني لا أملك لكم ضراً ولا نفعاً، يا معشر بني عبد مناف، أنقذوا أنفسكم من النار، فإني لا أملك لكم من الله ضراً ولا نفعاً، ولا أغني عنكم من الله شيئاً، يا بني عبد شمس، أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني هاشم، أنقذوا أنفسكم من النار، يا معشر بني عبد المطلب، أنقذوا أنفسكم من النار، فإني لا أملك لكم ضراً ولا نفعاً، ولا أغني عنكم من الله شيئاً، سلوني من مالي ما شئتم، لا أملك لكم من الله شيئاً. وجاء أول المواقف المعادية من أبي لهب الذي قال: تباً لك سائر اليوم، ألهذا جمعتنا، فنزل فيه وفي امرأته قوله عز وجل: (تبت يدا أبي لهب وتب (المسد:1). إيذاء علني كان أبو لهب - عم النبي - في مقدمة الذين آذوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد وقف موقف العداء من ابن أخيه منذ اليوم الأول، واعتدى عليه قبل أن تفكر فيه قريش، وكان قد زوج ولديه عتبة وعتيبة ببنتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رقية وأم كلثوم قبل البعثة، فلما كانت البعثة أمرهما بتطليقهما، وقد بلغ من أمر أبي لهب أنه كان يتبع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الأسواق والمجامع، ومواسم الحج ويكذبه، بل كان يضربه بالحجر حتى يدمى عقبيه. وكما بدأ أبو لهب - عم النبي وجاره - بالإيذاء العلني له، فقد تجرأ بقية جيرانه - صلى الله عليه وسلم - فكان أحدهم يطرح عليه رحم الشاة وهو يصلي، وكان أحدهم يطرحها في برمته إذا نصبت له، حتى اتخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حجرا ليستتر به منهم إذا صلى، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا طرحوا عليه ذلك الأذى يخرج به على العود، فيقف به على بابه، ثم يقول: يا بني عبد مناف، أي جوار هذا، ثم يلقيه في الطريق. امرأة سليطة وكانت امرأة أبي لهب - أم جميل، أروى بنت حرب بن أمية، أخت أبي سفيان - لا تقل عن زوجها في عداوة النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد كانت تضع الشوك في طريقه، والقذر على بابه، وكانت امرأة سليطة تبسط فيه لسانها، وتطيل عليه الافتراء والدس، وتؤجج نار الفتنة، وتثير حربا شعواء على النبي - صلى الله عليه وسلم - وفيها وفي زوجها نزل القرآن يقول: تبت يدا أبي لهب وتب، ما أغنى عنه ماله وما كسب، سيصلى ناراً ذات لهب، وامرأته حمالة الحطب، في جيدها حبل من مسد، فلما سمعت ما نزل فيها وفي زوجها من القرآن أتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو جالس في المسجد عند الكعبة، ومعه أبو بكر الصديق رضي الله عنه وفي يدها فهر (أي بمقدار ملء الكف)، من حجارة، فلما وقفت عليهما أخذ الله ببصرها عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلا ترى إلا أبا بكر، فقالت: يا أبا بكر، أين صاحبك؟ قد بلغني أنه يهجوني، والله لو وجدته لضربت بهذا الفهر فاه، أما والله إني لشاعرة، ثم قالت، مذمما عصينا، وأمره أبينا، ودينه قلينا ثم انصرفت، فقال أبو بكر: يا رسول الله، أما تراها رأتك؟ فقال: ما رأتني، لقد أخذ الله ببصرها عني. وقالت أم جميل لولديها: رأسي برأسيكما حرام إن لم تطلقا بنتي محمد، فقاما بتطليق أم كلثوم ورقية، وقال عتيبة: لأذهبن إلى محمد وأوذيه، فذهب إليه قبل خروجه إلى الشام، فقال: يا محمد أنا كافر بالنجم إذا هوى وبالذي دنا فتدلى، ثم تفل في وجه الرسول ورد عليه ابنته وطلقها، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم من شدة حزنه: اللهم سلط عليه كلباً من كلابك. عاد عتيبة إلى أبيه فأخبره ثم خرجوا إلى الشام فنزلوا منزلاً، فأشرف عليهم راهب من الدير وقال: إن هذه أرض مسبعة. فقال أبو لهب لأصحابه: أغيثونا يا معشر قريش هذه الليلة فإني أخاف على ابني عتيبة من دعوة محمد، فجمعوا جمالهم وأناخوها حولهم وأحدقوا بعتيبة، فجاء السبع يتشمم وجوههم حتى ضرب عتيبة فقتله. محمد حماد
مشاركة :